الوجه الآخر لـ«العقاد»: يتفاءل بالرقم 13 ويحارب التشاؤم بـ«البومة»

  • 8/8/2017
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

رسم لنفسه صورة ذهنية جامدة خالية من المشاعر، آراؤه بعيدة كل البعد عن «التزويق»، هي ممتلئة بالصراحة حتى لو أصابت الآخرين بالصدمة، كما وصفه كثيرون بأنه «عدو المرأة» من واقع جرأته في طرح القضايا. بهذا الشكل اختار أن يحيى الأديب الراحل عباس محمود العقاد في المجتمع الذي عاش فيه، ولم يهتم بالآراء الناقدة له ممن حوله، حتى كوّن عنه من عاصروه صورة سلبية إلى حد ما ورثها أبناء الجيل الجديد عنهم. في حوار أجرته مجلة «دنيا الفن» عام 1946 شن العقاد هجومًا حادًا على السينما، وقال عندما سؤل عن آخر الأفلام التي شاهدها: «لم أشاهد شيئًا، لأنني لست من هواة السينما إطلاقًا»، وبرر موجهًا حديثه للمحرر: «قف مرة أمام باب إحدى دور السينما، ثم انظر للجمهور الذي يشاهد الأفلام، وقل لي هل هذه الطبقة التي تشاهد السينما، تتساوى مع عباس العقاد عقليًا لكي يشاهد معها الأفلام؟»، وسأله المحاور: «ما رأيك في الأزمة التي تعانيها السينما الآن وانصراف الجمهور عن مشاهدتها؟»، ليجيبه بكل ثقة: «هذا هو خير حكم على الأفلام». في تلك الفترة هاجمته نجمات السينما، وقلن عنه بأن كتب «العقاد» عسيرة عليهن، ليرد الأديب الراحل عليهم في تصريح لمجلة «الجيل» عام 1956، حسب ما نقله موقع «المدى العراقي»: «قول نجمات السينما بأن كتبي عسيرة عليهن ما يعزيهن في هذا أن أناسًا مشتغلين بالدراسة، أو مكلفين بها يقولون هذا الكلام»، قبل أن يستشهد بقول الفنانة الراحلة زينب صدقي بحقه: «هناك 20 ألف قارئ يقبلون على هذه الكتب». لكن في جزء آخر من الحوار فاجأ الجمهور بالكشف عن وجهه الآخر، وروى أنه مفتون بالفن الجميل، لدرجة أنه يبكي في مشهد عاطفي أو درامي، بشرط أن يكون متقن الأداء: «أذكر أنني بكيت في أول فيلم أجنبي ناطق، كان يمثله الممثل القديم آل جونسون، وكان مع آل جونسون طفل صغير يمثل دور الطفل الذي حُرم من أمه وظل هدفًا للاهمال حتى مات، وتأثرت من الفيلم وبكيت، ولم استطع النوم في تلك الليلة إلا بعد أن غسلت رأسي بالماء الساخن ثلاث مرات متتالية». على الجانب الآخر اُتهم «العقاد» بأنه عدو للمرأة من واقع الآراء التي أطلقها، منها ما قاله في حواره التليفزيوني مع الإعلامية أماني ناشد: «إن الرجل والمرأة جنسين مختلفين، خلقهما مختلفين ليكون كل منهما صاحب عمل مخالف لعمل الآخر، ولا يكون موضع العلاقة بينهم تنافس أو تناحر، بل توزيع عمل وتعاون، فإذا انقسمت حياة الانسان إلى قسمين، حياة العمل والحياة البيتية، فمن الذي يصلح للحياة البيتية؟ المرأة بطبيعة الحال».بالورقة والقلم – رأي العقاد في المرأة رأي العقاد في المرأة – من حلقة الأحد ( 4 يونيو 2017 ) بالورقة والقلم – برنامج يقدمه “”نشأت الديهي”” بشكل مختلف فى قراءة الصحف، وتحليل كل ما يصدر عن مراكز الأبحاث والدراسات. يذاع البرنامج من السبت إلي الأربعاء في تمام الساعة السادسة مساءً علي قناة Ten Tv. في حين يقول محرر «الجيل»: «لا يدهشني عدم زواج العقاد، فهو على اليقين بأنه لم يجد وقتًا لهذا العبء، والمرأة لا تحب الرجل المشغول، واعتقد أن العقاد لا يعرف كلمتي (ياحبيبتي ويا روحي) إلا في القصص، والمرأة تحب الرجل الذي يقول لها باستمرار (يا حبيبتي يا روحي)، ومن مصلحة الأدب والثقافة في الواقع أن يظل العقاد (بتولاً) لكي يكون على الدوام نشطًا منتجًا». لكن «العقاد» غير تلك الصورة مجددًا عام 1958، في حواره لمجلة «المصور»، واعترف: «أنا عاطفي إلى أقصى الحدود على خلاف ما يتصور الناس، ولقد أحببت في حياتي مرتين، سارة ومي (يقصد الأديبة مي زيادة)»، ويروي عنهما: «كانت الأولى مثالاً للأنوثة الدافقة، ناعمة رقيقة، لا يشغل رأسها إلا الاهتمام بجمالها وأنوثتها، ولكنها كانت مثقفة أيضًا، والثانية وهي مي كانت قوية الحجة، تناقش وتهتم بتحرير المرأة وإعطائها حقوقها السياسية، كما كان بها بعض صفات الرجال من حيث أنها جليسة علم وأدب وفن، وزميلة في حياة الفكر، أي أن اهتمامها كان موزعًا بين العلم والأنوثة». كذلك كشف عن حبه الشديد للأطفال، وقال: «أنا أحب الأطفال جدًا، وفي منزلنا جماعة من الأطفال أكبرهم في السادسة من عمره، وهم جميعًا أصدقائي، وكثيرًا ما يصعدون إلى مسكني يسألونني ويتحدثون معي ما شاء لهم الحديث». يقول الأديب الراحل عن نفسه أنه صاحب «حاسة سادسة لا تخطيء»، وروى: «في أحد الايام بأسوان سألت أخي فجأة عن صديق لي لم أكن قد رأيته منذ مدة، وفي المساء جاءتني برقية تنعي ذلك الصديق، وقد تبينت بعد ذلك أنه توفي في اللحظة نفسها التي تذكرته فيها، وقد تكررت مثل تلك الحوادث كثيرًا، حتى عرف عني أصدقائي هذه الصفة». الجو الذي خلقه «العقاد» لنفسه والظروف التي مر بها، لا سيما العاطفية، دفعت كثيرون للاعتقاد بأنه دائم التشاؤم، لكنه لا يؤمن بذلك ويحاربه بـ«البومة» والرقم 13: «أنا أسكن منزلاً يحمل رقم 13، والرقمان الأولان من تليفوني هما 13، وبدأت بناء منزلي بأسوان يوم 13 مارس، كما أقسِّم ملازم كتبي 13 قسمًا، وفضلاً عن هذا فأنا احتفظ بتمثال للبومة أضعه أمامي دائمًا». مشاعره فياضة كذلك تجاه ذكرياته مع من توافهم الله من المقربين له: «كنت شديد التعلق بوالدتي، وعندما كنت أزور أسوان كان أول ما أفعله هو أن أنزل من القطار وأهرع إلى غرفة والدتي والتصق بها، فلما توفيت إلى رحمة الله لم أدخل غرفتها حتى الآن، كيلا أراها فارغة منها». كذلك تجنب السير في الشوارع التي كان يرافقه فيها صديقه عبدالقادر المازني: «حتى الشوارع لم استطع أن أغشاها بعد مماته، وصرت اتجنب ما يذكرني بفجيعتي حتى لا احزن من جديد». كل تلك الاعترافات ختمها «العقاد بقوله: «هذه بعض صفاتي التي لا يعرفها الناس عني، وكثيرون لا يعرفون قصة حياتي والمراحل التي مررت بها، حتى أصبحت عباس العقاد».

مشاركة :