ريو دي جانيرو د ب أ على مدار عقود طويلة، افتخرت أمريكا الجنوبية بعشق لاعبيها كرة القدم أكثر من نظرائهم الأوروبيين، ولكن بطولة كأس العالم 2014 في البرازيل أكدت أن هذا لم يعد معبراً عن الحقيقة، حيث خسرت منتخبات أمريكا الجنوبية اللقب على أرضها هذه المرة. ولم تفُز قارة أمريكا الجنوبية باللقب على مدار 12 عاماً، حيث كان آخر ألقابها في المونديال عندما فاز المنتخب البرازيلي بلقب كأس العالم 2002 في كوريا الجنوبية واليابان، بينما كانت الألقاب الثلاثة التالية من نصيب المنتخبات الأوروبية، ففاز المنتخب الإيطالي بمونديال 2006 في ألمانيا، ثم فاز نظيره الإسباني بمونديال 2010 في جنوب إفريقيا، قبل أن يحرز المنتخب الألماني اللقب في المونديال البرازيلي الأحد الماضي. كما كسر المنتخب الألماني الأحد الماضي اللعنة التي حاصرت المنتخبات الأوروبية في بطولات كأس العالم التي أقيمت في الأمريكتين، حيث كان أول منتخب أوروبي يتوج بلقب المونديال في أي من دول الأمريكتين. واختفى أسلوب «اللعب الجميل» المعروف باسم «جوجو بونيتو» الذي اشتُهر به المنتخب البرازيلي قبل نحو 30 عاماً، وحلت مكانه القوة الدفاعية، بينما كان المهاجم الشاب نيمار دا سيلفا هو الوحيد الذي يقدم أداء مختلفاً عن الأداء غير المقنع للفريق. وعندما غاب نيمار عن صفوف الفريق، سقط المنتخب البرازيلي بشكل مخزٍ، حيث خسر 1-7 أمام المنتخب الألماني في المربع الذهبي، ثم 0-3 أمام نظيره الهولندي في مباراة تحديد المركز الثالث. كما أحرز المنتخب الأرجنتيني لقبيه العالميين في 1978 تحت قيادة المدرب سيزار لويس مينوتي و1986 بقيادة المدرب كارلوس بيلاردو، عندما قدم الفريق عروضاً كروية مبهرة في كل من البطولتين، ولكن العقود الثلاثة الأخيرة شهدت تحولاً في الأدوار، حيث أصبحت عروض المنتخبات الأوروبية أكثر جمالاً وقوة من نظيرتها في أمريكا الجنوبية. ولم يلتفت الأرجنتينيون كثيراً إلى هذا التغير، حيث انشغلوا سنوات طويلة بالتفكير العميق في إمكانية استعادة اللقب العالمي. والحقيقة أنه أصبح من الصعوبة مقارنة كرة القدم الحالية بنظيرتها قبل عقود، حيث وصلت نسبة الاختلاف إلى ما يتراوح بين 70 و80%. وأصبحت الكرة حالياً أكثر احترافية وتخضع كل أمورها للدراسة الدقيقة، وأصبحت للياقة البدنية أهمية بالغة في أداء اللاعبين. ولكن منتخباً مثل كولومبيا أكد أنه من الممكن أن تظل فرق هذه القارة متمسكة بأصولها وجذورها مع اختلاطها بكرة القدم العالمية رغم فشل الفريق في تحمل الضغوط حتى النهاية، حيث سقط أمام المنتخب البرازيلي في دور الثمانية للبطولة. وفي المقابل، تغلب المنتخب الألماني على ضغوط مماثلة وتوج باللقب العالمي مبرهناً بهذا على إمكانية التعلم من مميزات وأخطاء الآخرين. وفقد المنتخبان البرازيلي والأرجنتين في العقود الأخيرة الفكرة التي أشار إليها مينوتي بقوله «الكرة قاعدة ثقافية»، حيث أصبحت هذه القاعدة الثقافية استثناء الآن لدى أكبر أمتين كرويتين في أمريكا الجنوبية. وربما ساهم في هذا أن البلدين من أكبر مصدري اللاعبين إلى القارة الأوروبية، حيث يرحل لاعبو البلدين في سن صغيرة إلى الاحتراف في أوروبا من أجل المال الوفير والبنية الأساسية الرياضية الأفضل. في المقابل، نجحت منتخبات أوروبية مثل إسبانيا وأوروبا في تغيير وتطوير مستواها على مدار السنوات الماضية. ولجأ المنتخب الإسباني إلى تغيير شكل أدائه بشكل شامل واستحق الفوز بلقب كأس العالم 2010 ولقبي يورو 2008 و2012. كما حرصت الكرة الألمانية على شن حملة إصلاح شاملة منذ الخروج المهين لمنتخبها من حملة الدفاع عن لقبه في يورو 2000، حيث خسر الفريق مبارياته الثلاث في الدور الأول للبطولة. وكان اللقب الذي توج به المنتخب الألماني في المونديال البرازيلي هو حصاد العمل على مدار 10 سنوات منذ أن بدأ المدرب يواخيم لوف المدير الفني للمنتخب الألماني وسلفه يورجن كلينسمان دراسة ما يحتاجه الفريق للعودة إلى المنافسة على الألقاب في البطولات الكبيرة. ولهذا، كان المونديال البرازيلي بمنزلة تأكيد جديد على تغير خريطة الكرة الجميلة وتحوُّلها من أمريكا الجنوبية إلى أوروبا.
مشاركة :