منذ أن أتمَّت حور عين السنة الأولى، ومع ملاحظتي لفهمها الأوامر البسيطة، ومحاولتها لتقليد بعض الكلمات، اتخذت قراراً لمست آثاره في هذه الأيام. كنت قد قررت أن أعاملها معاملةً أفقيةً، أي أن أعاملها كإنسان كامل مكمل، لها نفس الحقوق والواجبات، كما للعاقل الراشد البالغ، وأن ألغي من قاموسي مصطلح "دي عيلة مش هتفهم"، "أنا أمها وأفهم عنها"، "بكرة تتعود مش مشكلة تزن دلوقتي". من ضمن تبعيات هذا القرار أن أحترم خوفها من اختفائي المفاجئ، وتعلقها بي كمصدر للأمان في هذه الدنيا. ولمدة ستة أشهر كنت لا أذهب إلى أي مكان إلا بعد أن أخبرها أين سأذهب، وماذا سأفعل، ومتى سأعود حتى وإن كان ذهابي إلى المطبخ أو الحمام هو ما أنتوي فعله. ولمدة ستة أشهر كانت تبكي ولا تتركني وحدي خوفاً من ألا أعود لها مرة ثانية.. فاحترمت فيها هذا، وكنت في البداية آخذها ثم بعد ذلك أقول لها: "أوعدك هاجي بسرعة"، فأختفي للحظات وأعود كما وعدتها، وحتى والدها كان لا يذهب إلى العمل إلا بعد إخبارها: "أنا هروح الشغل وهرجع ألعب معاكي إن شاء الله"، فكانت تنتظره وتخبر كل مَن حولها: "بابا في الشغل". ولمدة ستة أشهر كنت أبني ثقتها بي كما يبنى البيت من الطوب.. خطوة تمهد لخطوة واحترامَ وعد يمهد لاحترام وعد آخر. وفي مرة.. كنت أود الخروج خارج المنزل بمفردي ولا طاقة لي بأخذها معي، أخبرتها: "يا حور أنا هروح أتفسح شوية وهرجع لك ألعب معاكي ونعمل أنشطة.. ماشي؟). كنت أظنها ستبكي وتتعلق بي وترفض الخروج، خصوصاً بعد أن أخبرتها أني (هتفسح)، لكنها فاجأتني بأن قالت لي: "ماشي". وذهبت وعدت دون أن تبكي مع مَن تركتهم معها من أهلي، وكأنها كانت تثق في عودتي كما كنت دائماً أفعل في الشهور السابقة. اليوم حور عين على مشارف العامين وما أراه من الثقة المتبادلة بيننا يبهرني، وما أراه في ثقتها في التعامل مع الآخرين لمجرد ثقتها بوجودنا أنا وأبوها الدائم حولها جعلني ألاحظ مدى تأثير المعاملة الأفقية التي قررنا انتهاجها معها. وفي هذه الأيام اضطررت إلى أن أخرج كل يوم لقضاء أمر خاص بي دون حور عين أو أسامة.. في اليوم الأول كانت نائمة فلم أوقظها، وكنت قد أخبرتها قبل نومها في اليوم الماضي أنني سأذهب لبعض الوقت وأعود، وتبادلنا كلمات الموافقة: "ماشي.. ماشي". ولكنها في الصباح نسيت ما أخبرتها إياه فأصابها الهلع، كيف أخلّ بالوعود، وكيف أخلّ بروتين التمهيد لها.. فدخلت في نوبات غضب شديدة إلى أن عُدت. والله إن تلك الابتسامة والضحكة التي رأيتها على وجهها لمّا عدت، وكأنها تخبرني ألا تتركيني للمفاجآت مرة أخرى جعلتني أدرك قيمة ما كنت أفعله طوال الشهور الماضية، وكيف كدت أن أدمّرها جميعاً بعدم إيقاظي لها في الصباح وإخبارها بذهابي. وهذا ما فعلته بعد ذلك طوال الأسبوع، فلم يعُد يصبها ذلك الهلع، ولا تزورها تلك النوبات، وكانت أحياناً تبكي اشتياقاً لي خصوصاً قبل ميعاد قيلولتها. وحين كنت أسمع مكالمات أقراني لأطفالهم وكيف يهدئونهم؛ لأنهم غارقون في خوف ألا يروا أمهاتهم مرة أخرى، وكنت أسمع حكيهن كيف تسللن من وراء أطفالهن حتى يستطعن الخروج بمفردهن.. كنت أدرك أكثر فأكثر قيمة العلاقة الأفقية، وقيمة الثقة المتبادلة. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
مشاركة :