أكدت دراسة تربوية كندية صدرت حديثاً بعنوان «أطفال اليوم مواطنو الغد»، أن تنامي ثقافة العنف والفوضى والتعصّب والتمييز والاستهتار بالأنظمة والقوانين السائدة في أوساط الناشئة، يعود أساساً إلى فقدان التربية المدنية والتنئشة الديموقراطية لدى الأطفال، وتحديداً في مرحلة الروضة. وأشارت الدراسة الى أن ألف باء القراءة والكتابة في مرحلة ما قبل التعليم الأساسي تبقى «عرجاء»، ما لم تقترن بألف باء مماثلة من الثقافة المدنية الديموقراطية القائمة على سلسلة من برامج التوعية والإرشاد والتوجيه والتثقيف داخل حدائق الأطفال وخارجها، بمعنى أن تقوم هذه المعادلة على مبدأ «قليل من العلم كثير من التنشئة المدنية». هذا التوجّه الجديد في التعليم يشكّل في نظر الخبير التربوي، أحد واضعي الدراسة، إيف مالروا «لبنة أولى في مدماك الأنظمة التعليمية المعاصرة التي تعدّ الطفل للعلم والحياة». ويرى مارلوا «أن التنشئة المدنية ببعديها الاجتماعي والوطني لم تعد مادة تلقّن للأطفال ويحفظونها عن ظهر قلب، إنما هي قبل كل شيء فعل وممارسة يعكسان جانباً كبيراً من أنشطة الحياة اليومية في المجتمع». وفقاً لهذه السياسة التربوية الجديدة، باتت برامج التعليم والإعداد في حدائق الأطفال الكندية تنقسم إلى مستويين يكمّل أحدهما الآخر: فمن جهة يتلقى الطفل وفقاً لأرقى أساليب التعليم ووسائل الإيضاح، مبادئ القراءة والكتابة والحساب واللغة والفنون، كأن يعتاد على إلقاء الأصوات ومخارجها وعلى كتابة بعض الأحرف وجمعها في كلمات بسيطة ذات معان ملموسة، واكتساب عبارات رئيسة متداولة يومياً في المنزل والمدرسة ومع الأصدقاء، وصولاً إلى كل ما ينمّي معارفه ومداركه العلمية والعقلية والفنية والاجتماعية. ومن جهة ثانية، يدخل الطفل إلى عوالم أخرى لم تكن متاحة أمامه فيكتسب في هذا «المجتمع الصغير» مجموعة من الفضائل المدنية تحاكي إلى حدّ بعيد، ما يسود في مجتمعات الكبار. فهو مثلاً يعتاد على الطاعة واحترام النظام، والخط الفاصل بين المسموح والممنوع، وحرية التعبير وضوابطها، واحترام الآخر المختلف عنه بلونه، والشعور بالمسؤولية الفردية والجماعية، وتعزيز الشخصية الفردية، والاعتماد على النفس والتعاون مع الآخرين، والتعرّف إلى حقوقه وواجباته كإنسان ومواطن. أما الأنشطة التي تقام خارج صفوف الحضانة، فهي على تنوّعها ووفرة أهدافها تشكّل صورة «الطفل المواطن» بأبهى معانيها المدنية والحضارية. ومن المشاهد المألوفة مثلاً رؤية الأطفال بصحبة مربّ أو مربية يقومون بجولات ميدانية في الشوارع للتعرّف إلى نظام الإشارات الضوئية، وأنظمة المرور المخصصة للمارة والسيارات بغية الحفاظ على سلامتهم، أو برحلات استكشافية في الحدائق العامة وتعوديهم على زرع بعض الزهور والشجيرات والمساهمة بتنظيف الغابات، ما ينمّي في نفوسهم في مرحلة مبكّرة حساً بيئياً متنامياً، أو يزورون مواقع أثرية وحكومية تعزز ذاكرتهم التاريخية والوطنية، أو محالاً تجارية كبيرة يطلعون خلالها عن كثب على عمليات البيع والشراء، أو يلتقون رجال الشرطة كي يزوّدوهم بنصائح ومعلومات تحفظ أمنهم وسلامتهم نتيجة أي اعتداء قد يقع عليهم، أو تعرّضهم لحوادث منزلية أو غيرها، وصولاً إلى ارتياد المكتبات العامة ومعارض الكتب لتشجيعهم على المطالعة والمواظبة عليها.
مشاركة :