الإعلام وأزمة القيم المعكوسة بقلم: د. ياس خضير البياتي

  • 8/11/2017
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

من مهام الإعلام ألا يخلط حابل الاختلاف بنابل الخلاف، وألا يكون مهيجا ومفرقا ومعاكسا، بل يعكس قيم التقارب والتسامح، وهي من أبسط واجباته وأنبلها.العرب د. ياس خضير البياتي [نُشر في 2017/08/11، العدد: 10719، ص(18)] دون شك، فإن التعددية في مصادر إنتاج القيم، والتي لعب الإعلام دورا محفزا في تكريسها كانت لها انعكاسات على منظومة القيم الاجتماعية والثقافية، أسهمت في بروز أنماط جديدة من العلاقة مع المرجعية والهوية، وساهمت في إيجاد معادلات قيمية متناقضة، بعضها إيجابية والأخرى سلبية. لكنها على العموم أنتجت لنا مع البيئة العربية الملوثة بقيم الاستبداد والقهر والحرمان قيما عكسية أنتجت لنا ثقافات فرعية عنصرية، ومشكلات مجتمعية انحدرت فيها القيم إلى منسوب منخفض من الفاعلية والابتكار، لتنتشر قيم التعصب والكره والعنف. لكن مشكلة القيم ستكون أكثر خطورة عندما تنتقل إلى وسائل التواصل الاجتماعي، حيث ثقافة الاستخدام الخاطئ لها. وكلما نظرنا إلى المستقبل بما يحمل من وعود وتحديات، فإننا نواجه عالما جديدا شجاعا، يعتبر الأكثر سرعة وإثارة من ضمن فترات التاريخ البشري، وسوف نختبر تغييرا أكثر بنسبة أسرع من الجيل السابق، لكن ما لم نغيّر نمط حياتنا واستهلاكنا وترحالنا وطريقة نشرنا لما يسمى بالمعلومات تغييرا جذريّا سريعا، وما لم ندعم مجتمعنا بالمزيد من القيم الروحية والأخلاقية؛ فإن عالمنا سيتجه، إلى هاوية مرعبة خلال الأعوام القليلة القادمة! ومن الواضح أن التكنولوجيا وحدها ليست دواء حاسما لأمراض العالم، لكن مع ذلك يمكن أن تخلق الاستخدامات الذكية للتكنولوجيا عالما من الاختلاف. وفي المستقبل، الروبوتات والبشر سوف يقسمون واجباتهم وفقا لما يمكن أن يفعله كل واحد على نحو جيد. فالعالم الافتراضي لن يتجاوز ولن يلحق بالنظام العالمي القائم، لكنه سيفرض تقريبا تعقيدات على كل سلوك، وسيفضّل الناس والدول العوالم التي تمتلك تحكماً أكثر فيها، أي عالم افتراضي بالنسبة للناس، ومادي بالنسبة للدول، وسوف يدوم هذا التوتر طالما أن الإنترنت يعمل. لذلك سيتوجب على الدول أن تمارس شكلين من السياسة الخارجية والمحلية، واحدة لأجل العالم الافتراضي، وأخرى لأجل العالم المادي، وربما تظهر هذه السياسات متناقضة. شاهد القول إن انتشار الاتصال والهواتف الذكية حول العالم، سيكون لدى المواطنين قوة أكثر فأكثر من أي وقت آخر في التاريخ البشري، لكن الأمر ستصحبه تكاليف، بشكل خاص على مستوى كل من القيم والخصوصية والأمن. فالتكنولوجيا سوف تجمع وتخزن الكثير من المعلومات الشخصية في مواقع الحاضر والماضي والمستقبل. ومثل هذه المعلومات لم تكن متوفرة بهذا الشكل من قبل، ويمكن أن تستخدم ضد الفرد والمجتمع، ولا شك أن الدول ستستخدمها ضد الأفراد. هل تبدو الصورة التي رسمتها قاتمة؟ أم هل صارت حياتنا قاتمة بالفعل، أو بالأحرى خطرة وشديدة الخطورة؟ بالطبع ثمة محاولات جادة يحاولها عدد متزايد من الناس في أنحاء العالم لمواجهة الأزمة الكوكبية وتلك (القيم) المعكوسة، لكن من الصعب أن نهرب من رؤية، أن الكثيرين منا متورطون بشكل أو بآخر في ما عرف من قبل إبان الحرب الباردة وخطر الحرب النووية باسم عدم المبالاة المتعمدة والمدروسة. فبينما نحن نتغاضى ولا نبالي، يعاني بقية البشر في معظم أنحاء العالم من فوارق طبقية قاتلة، وفجوات مرعبة في حق الاتصال، وجوع مدمر، وهي أزمة قيم معكوسة تشكلت بسبب التنشئة البشرية الخاطئة، وثقافة (الحتمية) التي رسختها العولمة الامبريالية، ووسائل الاتصال. وتصل مستويات الكذب على الذات في ما يخص الدور الذي يلعبه المرء في الأزمات القيمية لمعدلات مذهلة وهي ترتفع مع تدهور الواقع، فنحن نكذب أنفسنا ونحاول دائما إلقاء اللوم على الآخرين، في الوقت الذي تصعد فيه وسائل الإعلام ضغطها المركزي، وتتواطأ معها الأنظمة التعليمية التي ترفض التفاعلية، حيث يعود جزء من آلية الكذب التي نمارسها لرغبتنا في ضمان عدم تحديد الآليات التي تروّج، لابتعادنا عن الواقع بالأساس؛ وهو ما يجعلنا نصدم بأن (القيم) المريضة هي الواقع ولا بديل لها. وحسب رأي عالم الاجتماع الألماني ماكس فيبر فإن تقدّم العقل بدلا من أن يُفضي إلى تمكنه، أفضى إلى تسيبه، وأن انتصار العقلانية، بدلاً من أن يصحبها ازدهارها، صاحبها انحلالها، وتمثل هذا التسيب، أو الانحلال، في ظهور قيم متعددة، متصادمة. لذلك من مهام الإعلام ألا يخلط حابل الاختلاف بنابل الخلاف، وألا يكون مهيجا ومفرقا ومعاكسا، بل يعكس قيم التقارب والتسامح، وهي من أبسط واجباته وأنبلها، لأنه أصبح يدخل كل البيوت، ويشاهده الناس من مختلف الأجيال. أستاذ بكلية الإعلام –جامعة عجماند. ياس خضير البياتي

مشاركة :