سمعان خوام يهاجر مع عصفوره إلى فضاءات كونيةوصل سمعان خوام السوري/اللبناني الجنسية إلى بيروت سنة 1988 عندما كان في الخامسة عشرة من عمره، لتبدأ رحلته في البحث عن الهوية الفردية في مدينة استقبلته بورودها وأشواكها وساهمت بشكل أساسي في نحت وصقل شخصيته الفنية والشعرية على السواء، خوام التقته “العرب” في بيروت وهو يستعد لمعرض جديد، بل لرحلة أخرى مغايرة تماما عمّا سبق، فكان هذا الحوار.العرب ميموزا العراوي [نُشر في 2017/08/11، العدد: 10719، ص(17)]لا بد للعصفور من الرحيل بيروت – في سنة 2008 اتجه التشكيلي السوري/اللبناني سمعان خوام، المقيم في بيروت منذ سنوات، أكثر فأكثر من الكتابة الشعرية إلى فن الغرافيتي المُعارض بطبعه، والفن التشكيلي على السواء ليبرز من خلالهما وجوده الفني مصطبغا بشعريته الحادة والنزقة التي لم تغادره يوما. سمعان الآن يتأهب لإقامة معرض فردي جديد يُعلن عنه في حينه، وقد أعطاه المعرض الفني الذي شارك فيه مؤخرا في مدينة باليرمو الإيطالية دفعا جديدا في المضي بعيدا فيما اختار: الفن والشعر في تلازمهما العضوي غير القابل للانفصال. يقول سمعان خوام في لقائه بـ”العرب” بأنه بات يشعر أنه في مأزق فني وجودي وفني، ما يحتم عليه مغادرة مدينة بيروت التي احتضنته يافعا إلى مدينة أخرى قد تكون برلين، لندن، أو باريس. عنى الفنان “المأزق”، أي الشعور أنه بات يتحرك في مستنقع من الأفكار، أفكاره هو، وأضاف في وصفه لهذه الحالة بأنه “أصبح يستقبل كل نهار يطلع عليه وكأنه ذاته التي سبقها”، ولا يتطلب هذا الكلام الكثير من المعرفة لإدراك أن حالة السبات أو الروتين هي من أخطر ما يمكن أن يهدد الإبداع الفني. وقد قرر خوام المغادرة وإن كان في ذلك، بحسب قوله، مغامرة كبيرة غير مضمونة العواقب، غير أن هذه الوثبة في المجهول باتت لا رجوع عنها بالنسبة له وبالنسبة “للعصفور” الذي يشبهه في أكثر من ناحية، والذي لم يبارح أعماله الفنية التشكيلية أو التجهيزية، أو النحتية أو الشعرية إلاّ نادرا. قد نجد الكثير في كلام سمعان خوام عن فعل المغادرة ما يذكر بقصيدة للشاعر الفرنسي أدمون هاردور التي تحمل عنوان “الرحيل هو شيء من الموت “، فالفنان لا يغادر بيروت كارها، بل عاشقا لها وتاركا فيها نتفا من ذاته وبصمات أصابعه. ربما أكثر ما يختصر حال الفنان الآنية هو في قدرته على الإبتسام وهو مُدرك بأن قراره يشكل حدادا على أمنية شاملة بهت لونها، لأن تحقيقها أو عيشها على الأقل في نظره، بات مستحيلا، تماما كما يقول الشاعر الفرنسي في قصيدته تلك.سمعان خوام: لم أربح مرة واحدة ضد الطغيان أو القمع، بل حولتهما إلى لوحات ربما يجب هنا الإثناء على رشاقة “عصفور” سمعان خوام الشهير، التي كانت المسؤولة عن حماية أجنحته من التكسر الناتج عن قلة الحركة وانكفاء حالة الطيران في فضاء تجارب ومشاعر جديدة لم تتلوث بعد بالخيبات. من أجمل ما قاله سمعان خوام في وصفه لمسيرته الوجودية، هو في كلامه هذا “لم أربح مرة واحدة ضد الطغيان أو القمع، كل ما قمت به هو أنني حوّلتهما إلى لوحات”، استمر الفنان ضمن هذا المنطق على الدوام، على الرغم من مروره بعدد لا بأس به من النكسات التي لا تتعلق بالفن بشكل حصري بقدر تعلقها بما يغذي الفن ويرفده من أفكار وتساؤلات ومشاعر. ليس هناك أي أدنى شك بأن سمعان خوام كرّس وجوده كفنان تشكيلي له أسلوبه وأفكاره الخاصة، ولكن هذه “النجومية”، إذا صح التعبير، لم تكن كافية على ما يبدو لجعله يرغب في البقاء في مدينته، بيروت، التي واضبت في الآن ذاته على احتضانه بذراع وعلى خيانته بذراع آخر. يجدر الذكر هنا أنه ليس في هذا الكلام أي إدانة لمدينة كبيروت تعشق وتكره ذاتها والآخرين في ضمة واحدة، بقدر ما هي إدانة للإعصار العالمي الذي يجتاح الإنسانية جمعاء، ومن هذا المنطلق تحديدا كانت مشاركته في المعرض الجماعي في مدينة باليرمو الإيطالية، حيث قدم أيضا معرضه الفردي الخاص تحت عنوان “العار والنفس”والذي ضمّ مجموعة لوحات تهجس بانعدام القدرة على استيعاب ماذا يحث فعلا على الأرض لهول العنف ولكثرة المنخرطين في أعمال القتل والنهب ومصادرة أدنى الحقوق الإنسانية. وقبل الشروع في المعرض الفردي والجماعي ببليرمو، أنهت مؤسسة “فابريكا” تحضير فيلم وثائقي عن الفن التشكيلي في بيروت حمل عنوان معرضه الفردي، أي “العار والنفس”، قام المصوّر دولي بمحاورته وتصويره، هو والفنانة اللبنانية تغريد درغوث والفنان اللبناني مروان سحمراني أثناء انهماكهم بحياتهم داخل مشاغلهم الفنية، بعد ذلك قام الفنانون الثلاثة، مع المصور، بزيارة جمعية “بيوند” وهي جمعية تعنى بالأطفال اللاجئين في البقاع. يقول الفنان خوام عن مناسبة رحلته إلى باليرمو “نظمت مجموعة’إماجو موندي’ الفنية/العالمية بالتعاون مع مؤسسة ‘فابريكا’ التي يملكها صاحب مصانع ألبسة ‘بينيتون’ معرضا دوليا في باليرمو كما تفعل في كل سنة، وأيضا كما في كل سنة طلبت إماجو موندي من خبراء فنيين أن يختاروا مجموعة من الفنانين لكي يشاركوا بالمعرض، وقد تمّ اختياري مع عدد من الفنانين السوريين لكي أنجز لوحة بحجم 10-10 سنتمتر، وصار تقديمها في معرض متنقل في العالم، كما تم جمع تلك الأعمال في كتالوغ موّحد”.نجاح فني متواصل لم يمنع أجنحة المغادرة من الخفقان في سماء أخرى ويضيف “هذه السنة توسعت فكرة المعرض وكان له قسمان: قسم جماعي كما كل سنة وقسم فردي قدّمت فيه أعمالي إلى جانب أعمال المصور البريطاني جايلز دولي، وهو مصور متخصص بالحروب والأزمات، سبق له أن فقد رجله مثلي إثر انفجار لغم، ولكن في أفغانستان أثناء تغطيته للمعارك، وبالتزامن مع هذا المعرض الفردي اخترت أيضا لكي أمثّل الفنانين السوريين والدور السياسي للفن”. وإلى جانب المعرض الفردي والخاص قدّم الفنان خوام عملين: اولهما غرافيتي بعنوان “إذا البحر سيغرقني فإني أحتاج إلى جناحين لأعبر إلى الضفة الأخرى”، أما العمل الثاني فحمل عنوان “سقوط الإنسانية” قدمهما إلى بلدية باليرمو التي منحته “المواطنة الفخرية”. ويجدر الذكر أن “بينيتون” قامت بشراء أعمال المعرض الذي عاد ريعه للأطفال اللاجئين عبر تنظيم برنامج تعليميلهم بالتعاون مع جميعة “بيوند”. ويحمل الفنان أحلاما كثيرة تحت “جناحيه”، وهو يتمنى بأن يبدأ مرحلة جديدة من حياته لا تخلع عنها رداء بيروت إثرها، ولكنها تحمل الكثير، الكثير مما لم ينجزه بعد.
مشاركة :