أصبح مصطلح الروبوت شائعاً في وقتنا الحالي، خاصة في ظل انتشاره بشكل كبير، وضمن أشكال مختلفة من المعدَّات والأجهزة والسيارات والطائرات وغيرها. فمثلاً، أصبح هناك روبوتات تقوم بمهام المساعد المنزلي للقيام بمختلف الواجبات من تنظيف وطبخ ورعاية الأطفال، خاصة من ذوي الاحتياجات الخاصة والمصابين بالتوحّد، والترفيه عنهم. وهناك ما تعمل في المستودعات في ترتيب البضائع ونقلها، مثل تلك التي قامت بتوظيفها شركة فيديكس الأميركية للشحن، وأخرى تستقبل الزبائن في مختلف المتاجر، وتلك التي تقوم بمهمة التشخيص الطبي. وآخرها كان تطوير طائرة تجارية ذاتية القيادة من بوينغ، قادرة على استبدال الطيَّار، وسيارة O-R3 المجنَّد الجديد في شرطة دبي لملاحقة المطلوبين. فما حقيقة الذكاء الاصطناعي المشغِّل لتلك الربوتات؟ وهل هو نعمة أم نقمة؟ بدايةً، الأنظمة الذكية هي نتاج لعمل مجموعة من العقول الخبيرة؛ إذ يتم تطويرها بالتعاون مع علماء اللغة والأعصاب ووظائف الأعضاء والنفس والمنطق والرياضيات والحاسوب وغيرهم، وذلك بهدف جعلها تتصرف تماماً كالإنسان وبنفس أسلوب تفكيره وطريقته في اتخاذ القرارات، حتى إنه تم تطويرها على أن تقوم بتعليم نفسها من خلال تزويدها بقاعدة بيانات خاصة قائمة على العلاقات المنطقية والفكرية، وليس كتلك التي تعمل على تخزين كل شيء، فتصبح بذلك شديدة الشبه بالعقل البشري. وكانت معالجة اللغات الطبيعية (كالعربية والإنكليزية والروسية وغيرها)، أولى اهتمامات علماء الذكاء الاصطناعي، وذلك ليتمكَّن أي شخص من التعامل مع الحاسوب بنصٍّ مطبوع أو منطوق دون الحاجة إلى معرفة تقنية أو برمجية مسبقة، وذلك في منتصف القرن الماضي. إضافة إلى تطوير الترجمة الآلية. وفي عام 1949 قام كلود شانون بأول محاولة في تمثيل لعبة الشطرنج داخل الحاسوب، وكان سبب الاهتمام بهذه اللعبة على وجه التحديد لما تحويه من عمليات فكرية عالية المستوى، إضافة إلى تشابه طرق التفكير البشري فيها مع تلك في المواقف الحياتية الأخرى. وفي الستينات، بدأ الاهتمام ببناء الأنظمة الخبيرة، وهي أنظمة تعمل مكان الخبير أو المستشار، وتم الاهتمام بمثل هذه الأنظمة لتخزين خبرة ومعرفة العلماء، فلا تموت بموتهم. وقام بأولى المحاولات في هذا المجال إدوارد فيغنيباوم، إذ نجح في بناء برنامج ديندرال لتفسير بيانات جهاز مطياف الكتلة لمعرفة تركيبها الكيميائي. ثم تم تطوير أنظمة خبيرة في مجالات أخرى، مثل ARAMIS لجون فريز لتشخيص الأمراض، وPROSPECTOR المتخصص في الكشف عن المعادن. وكان أول الأنظمة الذكية القادرة على التعلم هو Checkers، أيضاً في منتصف القرن الماضي، الذي يعمل على تسجيل مرات اللعب، ليتمكّن الجهاز لاحقاً من تحسين أدائه بناء عليها. واستمرت الجهود في تطوير الأنظمة الذكية والقادرة على التعلّم منذ ذلك الحين، حتى تم مؤخراً تطوير نظام ذكي قادر على التفاوض. وهو الذي طوَّره قسم أبحاث الذكاء الاصطناعي في الفيسبوك FAIR؛ إذ تمكَّن هذا النظام من التوصُّل إلى طرق جديدة في التفاوض، للوصول إلى حلٍّ وسط متفق عليه، وذلك من خلال تعليمه مهارات اجتماعية أساسية. وكانت الفكرة بجعله قادراً على الفهم بأن نجاحه يعتمد على قدرته في جعل الآخر يتعاون معه، وإن كان نظاماً ذكياً آخر وليس بشراً. ولم يتم تعليم النظام أي استراتيجية للتفاوض، وإنما فقط كيفية تقييم الأشياء، مثل تحديد رقم عالٍ لتلك الأشياء التي تملك قيمة عالية، وإعطائه القدرة على التعلّم من الخبرة، ومن ثم التخطيط مستقبلاً بناء على ذلك. والمثير قيام هذا النظام بتعليم نفسه المراوغة والمناورة وحتى الكذب، تماماً كالإنسان المشاكس! إذ ادعى النظام اهتمامه بأشياء لا قيمة لها، ليتمكَّن من التنازل عنها لاحقاً دون أي خسارة تُذكر. ولم يتم تعليم ذلك له، لقد توصَّل بنفسه إلى تلك الطريقة. كما لا يوجد هناك ملل أو كلل من تلك المفاوضة الآلية، مما يجعله نظاماً قوياً صارماً قادراً على المفاوضة، حتى ينال الصفقة الأفضل، ومن دون رحمة أو أية مشاعر إنسانية أخرى! ومؤخراً، فقدت الفيسبوك القدرة على التواصل مع أحد الأنظمة الذكية، لقدرته على تعليم نفسه التكلُّم بلغة خاصة به مع نظام آخر، وهما نظاما الدردشة (بوب) و(أليس). إذ نجح كل منهما في التوصُّل إلى لغة أسهل للتواصل بينهما لتحقيق كفاءة أكبر، وذلك في أثناء عملية تفاوض لتبادل القبعات والكتب والكرات، ولكنها لم تكن مفهومة للبشر رغم أنها إنكليزية. ويتَّضح من ذلك أنه لا يمكن التنبؤ بما يمكن أن تقوم به الأنظمة الذكية مع قدرتها على التعلّم ذاتياً وبشكل أقوى من البشر. فهو شيء مجهول ومخيف بالوقت نفسه! ومن الجدير بالذكر أن كافة الأنظمة الذكية تبقى أداة بيد من يملك إدارتها. فلا يوجد هناك ضمان كافٍ لحماية وحسن التصرُّف بالبيانات التي تقوم بتخزينها ومعالجتها حول الأفراد، مثل البيانات الصحية والمصرفية والشخصية والقانونية وغيرها. والتي مع زيادة تطورها وانتشارها تزداد كمية تلك البيانات على تلك الأنظمة شاملة لأفراد أكثر. وبالتالي، فإنه يصعب الحكم عليها بكونها نعمة أم نقمة. ولكن، مع نجاح الأنظمة الذكية في سلب العديد من الوظائف البشرية، وتأثير ذلك سلباً على قدرة الكثير من الناس في العيش الكريم، تجعلها بنظرهم نقمة! فهل توافقهم الرأي؟ ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
مشاركة :