محللون يحذرون من أن سعي كل طرف لتسجيل نقاط سياسية على حساب الآخر سيفجر مشكلة كبرى في لبنان.العرب [نُشر في 2017/08/13، العدد: 10721، ص(3)]راية الحزب قبل راية الوطن بيروت – تدفع جماعة حزب الله اللبنانية وحلفاؤها لبنان نحو تطبيع العلاقات مع حكومة الرئيس السوري بشار الأسد في تحرك يمثل تحديا لسياسة النأي بالنفس عن الصراع السوري ويشعل خلافا سياسيا في البلاد. وتأتي الدعوات لتوثيق عرى العلاقات مع الحكومة السورية والتعاون فيما يتعلق بإعادة اللاجئين والعمليات العسكرية على الحدود السورية اللبنانية في الوقت الذي يستعيد فيه الأسد مزيدا من الأراضي من مسلّحي المعارضة ويسعى لاستعادة مكانته الدولية. وتهدف سياسة النأي بالنفس التي انتهجتها الحكومة اللبنانية وتم الاتفاق عليها في 2012 إلى إبقاء البلد الذي يشهد انقسامات عميقة بعيدا عن الصراعات في المنطقة مثل الحرب السورية حتى رغم مشاركة حزب الله المدعوم من إيران في هذه الحرب بقوة وإرساله قوات تحارب إلى جانب الأسد. وساعدت هذه السياسة الجماعات المتنافسة على التعايش داخل الحكومة التي تجمع حزب الله، والذي تصنّفه الولايات المتحدة منظمة إرهابية، مع ساسة متحالفين مع السعودية غريمة إيران في شكل من أشكال الوفاق السياسي وسط الاضطرابات الإقليمية. ورغم أن لبنان لم يقطع العلاقات الدبلوماسية أو التجارية قط مع سوريا فإن الحكومة نأت بنفسها عن أيّ تعامل مع الحكومة السورية بصفة رسمية وسيمثل انهيار هذه السياسة دفعة سياسية للأسد. ويريد حلفاء الأسد الشيعة في لبنان من الحكومة أن تتعاون مع سوريا في قضايا مثل الحرب ضد المتشددين عند الحدود المشتركة وتأمين عودة 1.5 مليون سوري يعيشون حاليا في لبنان لاجئين. وتقول مها يحيى مديرة مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت “الكل يدرك أن سياسة النأي بالنفس مهزلة إلى حد ما. لكنها على الأقل احتوت الصراع وحالت دون انسياق لبنان بشكل كبير وراء ما يحدث في سوريا”. وأضافت أن تطبيع العلاقات “سينظر له باعتباره انتصارا. وإذا استخدمنا المصطلحات الطائفية سيكون انتصارا للشيعة ضد السنة.. وسيؤجج التوترات بشكل أكبر”.لبنان سينسّق عمليات عودة السوريين مع الأمم المتحدة فقط التي تقول إنها لن تقبل بأيّ إعادة قسرية للذين فروا من الصراع خاصة في ظل خشية كثير منهم من العودة إلى مناطق خاضعة لنفوذ الحكومة السورية ودفعت علاقة لبنان بسوريا الخصوم اللبنانيين على مدى عقود نحو مواجهة بعضهم البعض. وهيمنت سوريا على لبنان منذ نهاية الحرب الأهلية التي اندلعت بين عامي 1975 و1990 وحتى 2005. وثار خلاف الأسبوع الماضي بسبب خطط وزراء الحكومة من حزب الله وحركة أمل الشيعية لزيارة دمشق الأسبوع المقبل. ورغم رفض الحكومة وصف الزيارة بأنها زيارة رسمية معللة ذلك بسياسة “النأي بالنفس″ إلا أن وزير الصناعة حسين الحاج حسن وهو عضو في حزب الله أكد أن الوزراء سيكونون في دمشق كممثلين للحكومة. وقال الحاج حسن لتلفزيون المنار “سنقابل المسؤولين السوريين بصفتنا الوزارية ونجري مباحثات لمعالجة بعض القضايا الاقتصادية بصفتنا الوزارية وسنعود بصفتنا الوزارية لمتابعة هذه الأمور”. وقال سمير جعجع وهو سياسي مسيحي بارز ومعارض قديم لحزب الله وللنفوذ السوري في لبنان إن زيارة سوريا “ستهز الاستقرار السياسي الداخلي للبنان كما سيصنّف لبنان على أثرها في خانة المحور الإيراني”. ووصف مسؤول لبناني كبير متحالف مع دمشق الخلاف بأنه “جزء من الصراع السياسي في المنطقة”. وتجلى نفوذ حلفاء إيران في لبنان العام الماضي باختيار الحليف القديم لحزب الله السياسي المسيحي ميشال عون رئيسا للدولة في اتفاق سياسي تولّى بموجبه سعد الحريري المتحالف مع السعودية رئاسة الوزراء. وزاد حزب الله مؤخرا دعواته للحكومة اللبنانية للتواصل مباشرة مع دمشق بشأن إعادة اللاجئين السوريين الذين يشكلون حاليا واحدا من كل أربعة أشخاص في لبنان وأغلبهم من السنة. وللقضية حساسية سياسية كبيرة في لبنان رغم اتفاق جميع السياسيين على ضرورة عودة اللاجئين إلى سوريا بسبب الضغط الذي يمثلونه على موارد البلاد ومخاطر وجودهم على التوازن الطائفي. وقال الحريري إن لبنان سينسّق عمليات عودة السوريين مع الأمم المتحدة فقط التي تقول إنها لن تقبل بأيّ إعادة قسرية للذين فروا من الصراع خاصة في ظل خشية كثير منهم من العودة إلى مناطق خاضعة لنفوذ الحكومة السورية. وأجرت المديرية العامة للأمن العام اللبناني مؤخرا محادثات مع السلطات السورية لتأمين إعادة عدة آلاف من السوريين إلى بلادهم عقب حملة عسكرية لحزب الله بمنطقة الحدود في الشمال الشرقي. ويقول الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس إن إعادة اللاجئين تتم طواعية، لكنّ المنظمة الدولية لم يكن لها دور في المحادثات. وأصبح هجوم متوقّع للجيش اللبناني على تنظيم الدولة الإسلامية بمنطقة حدودية مع سوريا نقطة محورية أخرى في الجدل بشأن التعاون مع دمشق. وقال الجيش إنه سيقود المعركة بمفرده في الأراضي اللبنانية ولن يحتاج للتنسيق مع أطراف أخرى. لكن الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله قال إن جماعته والجيش السوري سيشنّان هجوما متزامنا ضد التنظيم انطلاقا من الجانب السوري من الحدود. وقال نبيل بومنصف كاتب العمود بصحيفة النهار اللبنانية إن سياسة النأي بالنفس انتهت عمليا. وحذّر بومنصف من تداعيات ذلك قائلا “إن سعي كل طرف لتسجيل نقاط سياسية على حساب الآخر سيفجر مشكلة كبرى في لبنان”.
مشاركة :