كشفت رسائل بريد إلكتروني مُسرَّبة -اطَّلعت عليها صحيفة "" البريطانية- أنَّ عمل توني بلير كمبعوثٍ للجنة الرباعية الدولية للسلام بالشرق الأوسط قد جرى تمويله سراً من قِبل دولةٍ عربية ثرية هي دولة الإمارات، والتي وظَّفته أيضاً كمستشارٍ مدفوع الأجر. وحسب تقرير لصحيفة ""، فقد موَّلت دولة الإمارات سراً مكتب بلير في لندن، حيث تقاضى ملايين في صورة رسوم استشارية من تلك الدولة وصندوق الثروة السيادي الخاص بعاصمتها، أبوظبي. ويلمح التقرير إلى وجود تضارب مصالح؛ نظراًإلى تلقي بلير تمويلاً في إطار عمل خاص مع الإمارات وكذلك تمويلاً إماراتياً لعمله كمبعوث للرباعية. وبينما يزعم بلير الفصل بين الناحيتين وأن العاملين معه في منصبه كمبعوث للرباعية لم يتدخلوا في مصالحه التجارية، تظهر التسريبات أن العاملين معه في مهمته الدبلوماسية تدخلوا في أنشطة تجارية مرتبطة بالإمارات، والعكس حدث أيضاً وهو أن عاملين في مؤسساته الخاصة تدخلوا في بعض أنشطته السياسية كمبعوث للرباعية الدولية للسلام والتي مولتها الدولة العربية ذاتها.هل فصلَ حقاً بين أنشطته السياسية والتجارية؟ وفي هذا الإطار، ذكر التقرير أنه قد تمت الاستعانة بمسؤولٍ بارز في وزارة الخارجية البريطانية، كان يعمل أيضاً رئيساً لموظَّفي بلير بمنصبه كمبعوثٍ للرباعية، في مهامٍ مرتبطة بإمبراطورية بلير الخاصة للاستشارات. وقد أصرَّ بلير دوماً على أنَّ عمله العام والخاص قد بقيا منفصلين تماماً، ونفى أن يكون موظفو اللجنة الرباعية قد انخرطوا في "عملٍ تجاري"، حسبما نقلت عنه "التلغراف". ومع ذلك، وبعد أسئلةٍ من الصحيفة، اضطر بلير الآن إلى الإقرار بأنَّه تلقَّى أموالاً من الإمارات لتمويل كلٍ من عمله العام كمبعوثٍ رسمي للشرق الأوسط والذي لا يتقاضى عنه أجراً، والعمل الاستشاري الخاص الذي موَّلته هذه الدولة الخليجية، وهذا التمويل للعملين تم عبر شركة واحدة. ولم يجرِ الكشف عن المساهمات الإماراتية لبلير على موقع مكتب مُمثِّل اللجنة الرباعية الدولية قط، على الرغم من إعلان صفحة "التمويل" مصادر أخرى للتمويل الخاص بالمكتب، من ضمنها الولايات المتحدة، والحكومتان الكندية والبريطانية. مسؤول بريطاني يخدم أغراض الإمارات التجارية وتُظهر رسائل البريد الإلكتروني التي اطَّلعت عليها صحيفة التلغراف، أنَّه على مدى عام واحد فقط من مغادرة بلير منصبه رئيساً لوزراء بريطانيا وتولِّيه منصب مبعوث الرباعية الدولية، سافر نيك بانر، رئيس مُوظَّفيه في منصبه كمبعوث، إلى الإمارات؛ ليلتقي خلدون المبارك، الرئيس التنفيذي لشركة مبادلة، التي تُمثِّل صندوق الثروة السيادي، الذي بدأ بلير عمله الاستشاري مدفوع الأجر لصالحه في العام التالي. ورفض مكتب بلير، هذا الأسبوع، توضيح الغرض من اللقاء الذي جرى مع المبارك، الذي يترأس أيضاً جهاز الشؤون التنفيذية التابع لحكومة أبوظبي، حسب "التلغراف". وفي الشهر التالي، كُلِّف بانر، وهو مسؤولٌ حكومي بريطاني مُعار إلى وزارة الخارجية، ترتيب محادثات بين رئيس شركة استشارية تديرها الدولة في أبوظبي وشركة يو آي إنرجي للطاقة، وهي شركة نفط كورية كان بلير يُقدِّم لها استشارات مدفوعة الأجر. وكان كيو يون شوي واحداً من أبرز الشخصيات من الجانب الكوري في أبوظبي، الرئيس التنفيذي لشركة يو آي إنرجي، والذي اتضح لاحقاً أنه سبق أن قضى حكماً بالسجن سنتين بتهمة الرشوة. ولم يُكشف عن عمل رئيس الوزراء البريطاني الأسبق لصالح الشركة الكورية علناً إلا بعد عامين من ذلك؛ لأنَّه حسبما قال بلير مراراً للجنة حكومية بريطانية، إنَّ الشركة قلقة بشأن ما وصفه بـ"حساسيات السوق". وتُعَد مساعدة بانر، وهو المسؤول البارز بالحكومة البريطانية، لشركة يو آي إنرجي مفاجئة كبيرة، حسب تقرير "التلغراف"، بالنظر إلى أنَّ مكتب بلير قال في 2015، في بيانٍ، إنَّ موظفي اللجنة الرباعية "لم يشاركوا قط في العمل التجاري". وفي تداخل يبدو أكثر فجاجة بين عمل بلير العام والخاص حدث عام 2009، قامت ريبيكا غوثري، وهي مسؤولة بالخارجية البريطانية أُعيرت إلى مكتب بلير عندما كان يتولى منصبه كمبعوث للرباعية، بإرسال بيانات حساب شركة ويندرش فينتشرز التابعة لبلير، (التي كانت الأموال تحوَّل من خلالها لأعماله الاستشارية التجارية)، إلى مسؤولٍ إماراتي، وذلك بعد أيامٍ من محادثاتٍ رسمية حول الشرق الأوسط عقدها مع وزير الخارجية الإماراتي، الشيخ عبد الله بن زايد، في الأمم المتحدة بنيويورك. نريد دعمكم وفي تداخل بالاتجاه المعاكس، بعث جيسون سيرانك، المراقب المالي لمنظمة توني بلير أسوشياتس، وهي منظمة جامِعة تضم تحت مظلتها أعمال توني بلير التجارية، ببريد إلكتروني عام 2010 إلى مسؤولين إماراتيين، يطلب فيه أموالاً لـ"أنشطة بلير كمُمثِّل للرباعية الدولية". واطَّلعت "التلغراف"، أيضاً، على تفاصيل مدفوعات منفصلة بقيمة مليوني دولار لشركة ويندرش فينتشرز من مكتب الشيخ عبد الله في 2011. ورفض المُتحدِّث باسم بلير القول ما إذا كانت المدفوعات التي طلبتها ريبيكا، أو التي قام بها مكتب وزير الخارجية الإماراتي في 2011، كانت مرتبطة بأعمال تجارية أم بعمل اللجنة الرباعية. ومع ذلك، أقرت ريبيكا بأنَّ الإمارات "ساهمت في نفقات العمل الذي قام به بلير وطاقمه الموجود في لندن من أجل منصبه في الرباعية الدولية"، مُضيفةً أنَّ "حسابات ويندرش استُخدِمت ببساطة لأغراضٍ محاسبية". واللافت أن قائمة المانحين للرباعية تضم 9 دول، من ضمنها المملكة المتحدة، لكن الإمارات ليست من بينها. وتشير فواتير منفصلة إلى أنَّ ويندرش فينتشرز(المرتبطة بأعماله الخاصة) قد تلقَّت 12 مليون دولار على الأقل من وزارة الخارجية الإماراتية مقابل أعمال استشارية في كولومبيا، وفيتنام، ومنغوليا، بالإضافة إلى الملايين التي دفعتها شركة مبادلة الإماراتية. وفي 12 أغسطس/آب 2017، قال كريس دويل، مدير مجلس التفاهم العربي-البريطاني، وهو هيئة متجاوزة للانتماءات الحزبية دعت إلى شفافيةٍ أكبر حول عمل بلير، إنَّ المعلومات المكشوفة اليوم تبدو "ضربة تُدمِّر تماماً" إصراره على أنَّه "لم يكن هناك تضارب في المصالح" بين عمليه الخاص والسياسي.صفقات للإمارات وكشفت "التلغراف" سابقاً، كيف أنَّ بلير عقد في عام 2013 محادثاتٍ مع اللورد دايتون، الذي كان يعمل آنذاك مسؤولاً للشؤون التجارية في الخزانة البريطانية، نيابةً عن الإمارات حين كانت تحاول تأمين صفقاتٍ مع بريطانيا تبلغ قيمتها مئات الملايين من الجنيهات الإسترلينية. من جانبها، أصرَّت مُتحدِّثة باسم بلير، في تصريح لـ"التلغراف"، 13 أغسطس/آب 2017، على أنَّه "لم يستخدم منصبه في الرباعية لتحقيق مصالح تجارية قط". وقالت عن التمويل الإماراتي: "لم يذهب أيٌّ من هذا المال إلى بلير شخصياً. لقد كان منفصلاً تماماً عن تمويل مكتب مُمثِّل الرباعية في القدس، والذي جمعه بلير أيضاً من مجموعة من الحكومات المختلفة". وأضافت: "كل الأموال التي جرى تلقِّيها كانت مُخصَّصة لغرض مُحدَّد، ودُقِّقت، وحُسِبَت، ووُضِعَت في حسابٍ مصرفي مُخصَّص له. وكانت الإجراءات التي اتُّخِذت لضمان هذا الأمر صارِمة وجرى التقيُّد بها تماماً". وأضافت: "إنَّ القصة حول تضارب المصالح مع أنشطته كمُمثِّل للرباعية كانت دوماً خاطئة. فهو لم يقم بأي عملٍ تجاري على صلةٍ بالقضية الإسرائيلية/الفلسطينية". وتابعت قائلة: "العقد مع شركة مبادلة الإماراتية كان من أجل عملٍ لا يتصل بدوره في اللجنة الرباعية، تماماً كما هو الحال مع العمل لصالح شركة يو آي إنرجي الكورية فترة وجيزة في 2008". والعام الماضي، 2016، أعلن بلير أنَّه يعمل على إنهاء مؤسسة توني بلير أسوشياتس، شركته الاستشارية، وشركة ويندرش؛ من أجل افتتاح مؤسسة جديدة غير ربحية تُركِّز على معالجة آثار العولمة.
مشاركة :