الشاعر المالطي أدريان كريما لأول مرة بالعربية بقلم: محمد الحمامصي

  • 8/15/2017
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

مالطا ولغتها وأدبها لم تحظ بالاهتمام الكافي في المحيط الثقافي والأدبي وحتى الإنساني العربي، بالرغم من فرادة لغتها وتفرّدها في القدرة على إضاءة العديد من أصول المفردات العربية لا سيما الصوتية منها الموغلة في القدم، ذلك أنّ اللغة المالطية تشكّل مادة فريدة في علمي الأدب والمقارنة بغرض دراسة البنيات الصوتية والفئات اللغوية الأولى التي استخدمها الإنسان القديم. الكثير من المفردات المالطية قديمة ومؤصّلة في الآكادية كما يورد المؤرخ المعاصر عادل بشتاوي في العديد من دراساته، مما يطرح الكثير من التساؤلات الإثنية والأنثروبولوجية في شأن هوية سكان الجزيرة الأوائل، وحقيقة المعابد التي خلّفوها وراءهم وهي أقدم من أهرامات مصر وحجارة ستون هنج القائمة في إنكلترا.نماذج من أشعار كريمافي فوضى شعركِ في فوضى شعركِ في الضياء في بقايا هنيهات الحب في الانتظار في الأصابع مجتمعةً، في الدهشة في الظلال الخفيفة على وجهك المستريح ثمة فضاءات مضطربة. ** تركت جنبيك على روحي تركت يديك على قلبي، قالت كنسمة تغشى غدوا كسماء دكنت في عرض البحر كنورس في المجد يطير ككلاممرصّع، مثل حكاية طل أنت ظل يقودني شده أنت أنفاس تغذيني تركت جنبيك على روح. ** قالب محبتكِ في اليوم التالي، أيقظتني أمطار آب الغزيرة تجيء وتروح بالعيد مخبرةً والعيد يسبق كل مبشر مررتِ بي تاركةً حبك الثقيل كيف علمت أن الأرض ستأخذ شكل محبتك؟ أنتِ مشيت فوق أرض كليلة فتمنت أن تصبح أجمل ولو للحظات، تبقى عندما امتد الرذاذ إلى الشرفة والستائر كنتِ قد مررت وشكل حبك بقي شذاه بي مسبرا. ** إن أرَدتني لدي بقية من مكان إن أردت بين هذي المجاديف الواعدة في هذا الماء ينزح تعنتا في سماء زرقاء في قارب في نهر حائم. ** فضاءات أخرى يحتفي الأولاد بالبوظة في مكان ما خلفنا ويدك تنزلق في يدي بتأن، كأول مرة. ويقول المترجم “ليس صعباً اقتفاء أثر العربية في اللغة المالطية وإن تفاوتت درجة استجابة الأذن من عربي إلى آخر. القادم من تونس أو ليبيا مثلاً، بحكم المتاخمة الجغرافية، أكثر قدرة على فك تشابك هذه اللغة والتعرّف على مفرداتها ومبانيها من الآتي من أطراف الجزيرة العربية أو الساحل اليمني البعيد، إلا أنه يصعب الادعاء أن اللغة المالطية لغة عربية صريحة وإن كانت كذلك في مرحلة قديمة، فهي لم تبق كذلك بعد انقطاعها جنينياً عن اللغة العربية قرونا عدة وتحوّلها إلى اللاتينية لسد الفراغ. تطورت اللغة المالطية وازدادت اتساعاً بمعزل عن العربية، وتغيرت مفاهيم ومعاني الكثير من مفرداتها عما كانت عليه. عُدّل الكثير من ألفاظها القديمة وأصبح يحمل معاني جديدة واستُبدلت عبارات بأخرى إضافة الى المستجدات والمستحدثات الكثيرة في مجالات الطب والهندسة والعلوم الأخرى وجلها تسلل من الإيطالية”. وأكد نبهان أن الصراعات السياسية والثقافية في البحر المتوسط لعبت دوراً حاسماً في تشكيل اللغة والهوية المالطيتَين. هي هوية مركّبة كان للكنيسة الكاثوليكية في روما بالغ الأثر في تشكيلها وصهرها عقائدياً. على صعيد اللغة استُقدمت اللاتينية على أنها “لغة مقدسة”، وكانت الصلوات والشعائر الدينية لغتها حتى عهد قريب، واقتصرت الكتابة والتدوين على الأساقفة والكهنة وأبناء الطبقة الميسورة حتى أواخر العصر التنويري. ويلفت نبهان إلى أن أقدم نص أدبي مكتوب باللغة المالطية يعود إلى القرن الخامس عشر، عُثر عليه سنة 1966، هو قصيدة بعنوان “شدو القضاء” منسوبة إلى الشاعر بيتروكاشارو المولود سنة 1533. هذه القصيدة مكتوبة بحروف لاتينية إلا أن كل كلماتها عربية الأصل عدا كلمة واحدة ربما يكون أصلها صقليّا، وهذا يطرح التساؤل من جديد حول هوية الأقوام الذين استقروا في مالطا حتى بعد دخولها في عهدة الكونت روجر الأول حاكم صقلية وجنوب إيطاليا في سنة 1091 للميلاد. ويرى المؤرخ غودفريوتينجر (1929- 2015)، وهو من عثر على النص مصادفة ودرسه جيداً، أن اللغة المالطية وإن كُتبت بالحرف اللاتيني، هي بالضرورة “لكنة” عربية شابتها بعض المفردات الإيطالية، بل ذهب إلى اقتراح أن المالطيين ليسوا سوى عرب مسلمين تحولوا إلى المسيحية تدريجيا بعدما تقطعت بهم السبل. هذا بالطبع أثار حفيظة الكثيرين على رأسهم المؤسسة الدينية، وأشعل عاصفة من الجدل حول الهوية المالطية من جديد. إلى القارئ العربي يتساءل نبهان في ختام مقدمته: أين تقديم الشاعر أدريان كريما في مقدمة جامعة لديوان يجمع مختارات من ديوانين لهذا الشاعر المتميز؟ لافتا إلى أن أدريان كريما ولد عام 1968 في مالطا وتعلم في مدارسها وجامعاتها. انخرط في مهنة التعليم في سن مبكرة وهو الآن يدرّس الأدب المالطي في جامعة مالطة ومعهد اللغات والحضارات الشرقية في باريس. أسس أدريان في عام 1998 “منظمة المبادرة المتوسطية – إنيتسامد”، وهي منظمة ثقافية غير حكومية، تقوم باستضافة ورعاية مهرجان الأدب المتوسطي الذي يقام سنويا في مالطا. ويضيف وليد نبهان “أردت أن أتجنب ما سقته في بداية هذا التعريف عن ‘حتمية الخيانة‘ عندما يكتب صديق عن صديق له في حيز يقتضي بعض الموضوعية. القارئ العربي قارئ ذكي عب الشعر مع حليب أمه لذا كان أن قررت أن أترك له مهمة القرءاة والتقييم. كل ما أستطيع قوله هو التأكيد على اتساع أفق هذا الشاعر كما يتبين من تعدد مواضيع طرحه الشعري، وعمق إحساسه الإنساني وتعاطفه القوي مع قضايا العرب العادلة وتطلعهم إلى الحرية والعدل، ثم شفافيته القريبة من الانعتاق. وها أنا أضع هذه التجربة بين يدي قراء العربية راجياً أن تسهم في التأسيس لتجارب أخرى تشيد بالحوار الثقافي والتبادل المعرفي وتتجاوز الجغرافيا واللغة إلى ما هو إنساني بشمول الإنسانية الكريمة".

مشاركة :