العراق.. قانون الانتخابات ومطالب التغيير

  • 8/17/2017
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

د. أحمد سيد أحمد *كشف قانون انتخابات المحافظات والأقضية الذي أقر البرلمان العراقي معظم مواده، حجم وعمق الانقسام السياسي الذي يعيشه العراق، والتحديات الكبيرة التي تواجهه، خاصة في مرحلة ما بعد «داعش»، فقد أثار القانون جدلاً واسعاً ومحتدماً بين مختلف النخب والكتل السياسة العراقية داخل البرلمان وخارجه، نظراً للتباين الشديد بينها حول التعديلات الجديدة التي يطرحها، وتأثيره في مستقبل الخريطة السياسية العراقية. تركز الجدل حول قانون انتخابات المحافظات والأقضية العراقية بشكل كبير حول المادة 12 من القانون الخاص بتحديد القاسم الانتخابي للكيانات السياسية، وتحديد عدد المقاعد وفقاً لعدد الأصوات الانتخابية، والمعروف باسم «سانت ليجو»، حيث طرحت عدة صيغ لتعديل النسخة القديمة، وهي نسبة 1.9% التي جرت على أساسها انتخابات المحافظات في عام 2013 وهو النظام الذي اعتمد في الانتخابات البرلمانية والمحلية لتفادي عيوب الفجوة بين عدد الأصوات والحائزين على المقاعد، حيث طرحت الكتل السياسية الكبيرة في البرلمان نسبة 1.9% بينما طرحت الأحزاب والكتل الصغيرة نسبة 1.4% حيث اعتبرت أن الصيغة القديمة تكرس هيمنة الكتل السياسية الكبيرة على العملية السياسية والسلطة، بما يجهض أية آمال في التغيير والإصلاح وإعطاء الفرصة لتجديد دماء النخبة السياسية العراقية، كما يعني استمرار الممارسات السياسية القديمة من مشكلات مرتبطة بالفساد، والاستحواذ على الثروة، بينما اعتبرت الكتل السياسية الكبيرة أن نسبة 1.9% تركز العملية السياسية في كيانات وكتل كبيرة قادرة على اتخاذ القرار، بينما صيغة 1.4% تعني التوسع في الكتل السياسية والدخول في صراعات حول اتخاذ القرار، ما يعيق العملية السياسية مع وجود أكثر من 80 كتلة سياسة في البلاد.لكن تصاعد حالة الاحتجاج السياسي في الشارع العراقي، خاصة من جانب التيار الصدري الذي يقوده الزعيم الشيعي مقتدى الصدر، اعتراضاً على قانون الانتخابات بشكله الحالي، وكذلك المفوضية العليا للانتخابات، إضافة إلى الجدل داخل البرلمان من بعض الكتل السياسية الصغيرة مثل الفضيلة والتيار المدني، وكتلة الأحرار وكتلة تيار الإصلاح وكتلة الوركاء الديمقراطي، دفع البرلمان إلى إعادة التصويت على المادة 12 واعتماد الصيغة التي طرحها مجلس الوزراء العراقي، وهي «سانت ليجو» 1.7% كحل وسط بين الصيغتين السابقتين، لكنه لم ينه الجدل داخل المجتمع العراقي حول طبيعة العملية الانتخابية الخاصة بالمحليات ودور النخبة السياسية الحاكمة منذ سنوات.الجدل حول القانون الجديد شمل أيضاً سن الترشح للانتخابات، حيث مالت العديد من الكتل والأحزاب الصغيرة إلى تخفيضه إلى ما بين 25 و28 بينما أقر البرلمان سن 30 عاماً، وهو ما اعتبرته بعض التيارات السياسية مانعاً أمام إعطاء الفرصة للشباب ومشاركتهم في العملية السياسية، وفي صنع القرار، كما اشترط القانون الجديد حصول المرشح على درجة البكالوريوس، وهو ما اعتبره البعض مخالفاً لفلسفة المحليات التي لا تتطلب الشهادة العلمية بقدر ما تطلب أشخاصاً قادرين على التعبير عن مشكلات مجتمعاتهم المحلية ومعالجتها.القانون الجديد للانتخابات لم يحسم أحد أبرز ألغام المعادلة السياسية العراقية، وهو مشكلة محافظة كركوك التي تتمتع بوضع خاص نظراً لخضوعها للمادة 140 من الدستور كإحدى مناطق التنازع بين الحكومة العراقية وحكومة كردستان، والتي تأخرت مسألة حسمها سنوات عدة نظراً للظروف الأمنية التي شهدها العراق مع بروز مشكلة تنظيم «داعش» الإرهابي، إضافة لوضعها القانوني، حيث لم تشهد انتخابات مجلس المحافظة منذ عام 2005، وقد أجل البرلمان إجراء الانتخابات فيها إضافة لمحافظة نينوى وأقضيتها بسبب أوضاعها الأمنية، وهو ما يعني استمرار هذا اللغم الذي يهدد العملية السياسية مع إعلان الأكراد عزمهم على إجراء الاستفتاء على الاستقلال الذي يشمل مدينة كركوك، بما يهدد بتصاعد حدة الصراع السياسي في العراق، كما أجل البرلمان إجراء انتخابات مجالس المحافظات، التي كانت مقررة في سبتمبر/أيلول المقبل، إلى الربيع المقبل وبالتزامن مع الانتخابات البرلمانية توفيراً للنفقات وهو ما اعتبره البعض مخالفة دستورية، إضافة إلى الخلط أمام الناخب بين المرشح البرلماني والمرشح لمجلس المحافظة. كذلك أقر البرلمان تمديد مجالس المحافظات التي انتهت مدتها إلى حين إجراء الانتخابات الجديدة، ما أثار جدلاً أيضاً بين الكتل السياسية، حيث رأى بعضها أن هذا التمديد فيه إهدار للموارد المالية، وطالب بمراقبة البرلمان على مجلس المحافظات خلال هذه المدة المتبقية.الواقع أن الجدل حول قانون الانتخابات الجديد كشف عن العديد من التحديات الكبيرة السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها العراق، فهناك تيار كبير متنام يرفض الصيغة السياسية الحالية التي أدت لسيطرة مجموعات بعينها من النخب السياسية والكتل الكبيرة على العملية السياسية منذ عام 2003 ويعتبر هذا التيار أن الأوضاع السياسية والاقتصادية تدهورت بشكل كبير، نظراً لارتكاز العملية السياسية على مفهوم المحاصصة الطائفية التي أدت لتزايد الشروخ بين مكونات الشعب العراقي المختلفة، إضافة إلى انتشار الفساد والترهل البيروقراطي والإداري، وتدني مستوى الخدمات المقدمة للمواطنين، وتراجع النمو الاقتصادي، وانتشار الفقر والبطالة في بلد يحظى بموارد غنية من النفط. وقد اعتبر هذا التيار أن تلك البيئة التي تشمل مثلث الفساد والطائفية والنخبة السياسية القديمة، شكلت بيئة مؤاتية لتدهور الأوضاع الأمنية في العراق، وساهمت بشكل غير مباشر في تصاعد نفوذ تنظيم «داعش» الإرهابي، ومن ثم يطالب بتغيير المعادلة العراقية، خاصة قوانين الانتخابات التي تحول بصيغتها الحالية دون إحداث تغيير سياسي حقيقي يعبر عن تطلعات الشعب العراقي، وعن آمال الأجيال الجديدة في التغيير، ومن أجل بناء عراق موحد قوي لكل أبنائه، يرتكز على الديمقراطية الحقيقية القائمة على دولة المواطنة وتنحية الاعتبارات الطائفية، ويساوي بين جميع العراقيين في الحقوق والواجبات، بغض النظر عن أية اختلافات دينية، أو طائفية، أو عرقية، وهو الطريق المناسب للعراق بعد الأزمات العديدة التي شهدها في العقدين الأخيرين، وآخرها مشكلة الإرهاب وصعود تنظيم «داعش» الذي سيطر على مساحات كبيرة من البلاد، بينما انشغلت النخبة السياسية بالصراع على السلطة واقتسام الثروة والنفوذ.جدل الانتخابات كشف عن حالة الحراك السياسي التي يعيشها العراق وتزايد الصراع بين الحرس القديم الممثل في النخب والكتل السياسية التقليدية التي تسعى للدفاع عن الأوضاع القائمة ضماناً لمصالحها ونفوذها، وبين الحرس الجديد الذي يقود حراكاً نحو التغيير والتجديد، ويستخدم ما لديه من أوراق سواء عبر الاحتجاجات في الشارع، كما يفعل التيار الصدري وأنصاره، أو من خلال معارضة الكتل السياسية الصغيرة في البرلمان، وفي كل الأحوال يعد هذا الجدل مؤشراً إيجابياً على تصاعد الاتجاهات الوطنية التي تنبذ الطائفية والاستحواذ. ولا شك في أن العراق يواجه تحديات ضخمة فيما بعد «داعش»، وفي ظل استفتاء إقليم كردستان، وهو ما يتطلب تكاتف جميع العراقيين على إعلاء مصلحة العراق العليا على أية اعتبارات سياسية، أو طائفية، أو جهوية أخرى، ويتطلب تعاون الجميع من أجل توظيف موارد البلاد لتحقيق التنمية، وإعادة إعمار ما خلفته الحرب على «داعش»، وحل مشكلات الفقر والبطالة، أما استمرار الصيغة الحالية فيعني استمرار العراق في مشكلاته وتحدياته.* خبير العلاقات الدولية في الأهرام

مشاركة :