لا حاجة الى التذكير بانّ الجزائر مريضة قبل ان يكون رئيسها عبدالعزيز بوتفليقة مريضا. لا يزال السؤال المطروح منذ ما يزيد على خمس سنوات نفسه. من المريض فعلا؟ الجزائر ام رئيسها؟ من أواخر اعراض المرض الجزائري اقالة بوتفليقة رئيس الوزراء الجديد عبدالمجيد تبّون وذلك بعد مضي شهرين وعشرين يوما على توليه منصبه خلفا لعبدالمالك سلال. انّه بكل بساطة فصل آخر في لعبة معقّدة عنوانها من يخلف بوتفليقة. من المنطقي القول ان الإقالة المفاجئة لرئيس الوزراء فصل أخير، او الفصل ما قبل الأخير في لعبة فرض رئيس جديد على الجزائريين، كما حصل في العام 1999 عندما وجد الجيش ومعه المؤسسة الأمنية ان لا مفرّ من تولي عبدالعزيز بوتفليقة الرئاسة لاسباب داخلية وإقليمية ودولية في آن. قبل اقلّ من ثلاثة اشهر، هبط تبّون من حيث لا احد يدري على مقرّ رئاسة الوزراء. لماذا استبعد سلال فجأة بعد سنوات عدة في موقع رئيس الوزراء؟ لماذا الاستعانة بشخص لا وزن له في الجزائر لملء هذا الموقع المهمّ في وقت يعاني رئيس الجمهورية من كلّ ما يعنيه منذ فقد قدرته على السير على قدميه والنطق بشكل سليم في العام 2013. كان ظلما لبوتفليقة إعادة انتخابه لولاية جديدة في العام 2014 ولكن ما العمل عندما تكون هناك مصالح مشتركة بين قوى نافذة لا ترى مفرّا من ذلك. تكمن النقطة المضيئة الوحيدة في اقالة تبّون، اثر صدام بينه وبين رجل الاعمال علي حدّاد، اللجوء الى احمد اويحيى. اختير اويحيى رئيسا للوزراء وهو صاحب خبرة طويلة في السياسة الجزائرية وفي الميدان الاقتصادي. اختير لتشكيل حكومة جديدة في وقت تبيّن ان هناك رجلا غير خفي يسيّر الرئاسة. هذا الرجل هو سعيد بوتفليقة شقيق الرئيس الجزائري الذي تحوّل في السنوات الأخيرة الى الحاكم الفعلي للبلد. انّه الحاكم الفعلي بتغطية، في طبيعة الحال، من المؤسسة العسكرية والأمنية التي لا تزال تشكّل العمود الفقري للنظام، بل انّها تُعتبر النظام نفسه والجهة التي تختزله. انتصر سعيد بوتفليقة لمجموعة من رجال الاعمال، على رأسهم علي حدّاد. لدى هؤلاء مصالح كبيرة يدافعون عنها وقد اصطدموا بتبّون الذي لم يدرك ما هي حدوده والخطوط التي لا يستطيع تجاوزها بغض النظر عن الصلاحيات الدستورية التي يتمتّع بها من يشغل موقع رئيس الوزراء. كان لا بدّ من اقالة عبدالمجيد تبّون بطريقة مشينة بعيدا عن الأصول المتبّعة. فالرجل تجرّأ، على المسّ بالمقدسات، أي بمصالح كبار رجال الاعمال الذين لديهم ارتباطاتهم برئاسة الجمهورية والشخص المسيطر فعلا عليها من جهة وبالمؤسسة العسكرية والأمنية التي لا تزال صاحبة القرار العلى في الجزائر من جهة اخرى. ماذا يعني تعيين اويحيى، الذي سبق ان كان رئيسا للوزراء، خليفة لعبدالمجيد تبون. الجواب بكلّ بساطة انّ هناك تقديما لهذا الشخص على الآخرين في مرحلة هناك بحث حقيقي في إيجاد خليفة لبوتفليقة الرئيس منذ العام 1999 والمقعد منذ اربع سنوات. المضحك المبكي ان كبار المسؤولين الممسكين بالسلطة في الجزائر يتلهون حاليا بكيفية ضمان وصول شخص معيّن الى موقع رئيس الجمهورية. يحصل ذلك في حين انّ ما على المحكّ مستقبل الجزائر وليس من يخلف بوتفليقة. يبدو واضحا ان الجزائر لم تستطع منذ احداث خريف العام 1988 التخلص من عقدها والتصالح مع نفسها، ومع جيرانها، وذلك عندما كان الشاذلي بن جديد لا يزال رئيسا. هذا عائد الى سبب في غاية البساطة يتمثل في رفض طرح الأسئلة الحقيقية التي جعلت الشعب يثور في تلك المرحلة التي تلاها صعود التطرّف الإسلامي الذي استطاع الجيش كبحه والمحافظة على مؤسسات الجمهورية او ما بقي منها في حرب دامية استمرّت عشر سنوات. كان اللجوء الى "الخيار الاستئصالي" طبيعيا لدى مؤسسة عسكرية وامنية لا تؤمن باي حلول أخرى في وقت سعى الشاذلي بن جديد الى الردّ على الانتفاضة الشعبية في خريف 1988 بإصلاحات سياسية أدت الى التخلي عن نظام الحزب الواحد الذي اعتقد هواري بومدين انّه يصلح للجزائر. كانت الحاجة الى تطوير النظام والعقلية الحاكمة في الوقت نفسه. حصل تطوير للنظام. هذا واقع لا بدّ من الاعتراف به. لكنّه لم يكن سوى تطوير شكلي في حين بقي البلد اسير عقلية متخلّفة جعلته غير قادر على إيجاد بدائل من الاعتماد على النفط والغاز. بقيت الجزائر أسيرة ذهنية معيّنة على الرغم من انّها بلد غني بثرواته المختلفة. بين 1988 و2017، لم يتغيّر شيء في الجزائر باستثناء انّه صارت هناك أحزاب عدّة بدل الحزب الواحد في حين بقيت السلطة في يد الحزب الحقيقي، أي حزب المؤسسة العسكرية والأمنية. الأخطر من ذلك، انّه لم يوجد من يريد طرح أسئلة من نوع لماذا فشلت كلّ "الثورات" التي حاول بومدين القيام بها والتي ادّت الى ذلك الجمود السياسي والاقتصادي والاجتماعي في عهد الشاذلي بن جديد الذي امتد من بداية 1979 الى الشهر الاوّل من 1992. حاول بومدين القيام بثورات زراعية وصناعية وتعليمية باءت كلّها بالفشل بسبب عقله المتخلّف الذي كان يعتقد ان في الإمكان ممارسة دور القوّة المهيمنة اقليميا وبناء اقتصاد اشتراكي، لا مكان فيه سوى لرجال الاعمال المرتبطين بمراكز القوى الحزبية والعسكرية والامنية، في ظلّ قبضة امنية شديدة. في 1988، نزل المواطنون الى الشارع في مرحلة لم تعد الدولة قادرة على رشوتهم بسبب هبوط سعر النفط والغاز. لم تعد الدولة الجزائرية قادرة وقتذاك على متابعة توفير الدعم للمواد الغذائية الأساسية وعلى توفير أماكن سكن لآلاف الشباب العاطلين عن العمل. في 2017، هناك تردّد لدى المواطن العادي في النزول الى الشارع، لكنّ البلد يعاني من ازمة اقتصادية واجتماعية وسياسية عميقة. تهدّد هذه الازمة بانفجار كبير يمكن ان يحصل في أي لحظة، خصوصا في غياب أي تغيير في الذهنية التي تحكم البلد. يوحي اختيار احمد اويحيي ليكون رئيسا للوزراء بانّ المؤسسة العسكرية لم تسأل لماذا لا زراعة ولا صناعة ولا سياحة ولا فرص عمل في الجزائر. لماذا لا اقتصاد قابلا للحياة؟ نسي الجزائريون الفرنسية ولم يتعلّموا العربية... لماذا أخيرا هذا الانغلاق الداخلي الذي يسمح بظهور مجموعات إرهابية ونمو العقل المتطرّف بدل ان تكون الجزائر بلدا طبيعيا من دول العالم الثالث استطاع الاستفادة من الثروة الكبيرة التي جمعها ايّام كان سعر انفط والغاز مرتفعا... بدل تبديدها في البحث عن أوهام من نوع لعب دور القوّة المهيمنة في منطقة شمال افريقيا. اين ضاعت ثروة الجزائر؟ ضاعت في العجز عن استثمار الثروات الأخرى التي يزخر بها البلد الذي يرفض رجالاته الاعتراف بان المطلوب تغيير الذهنية قبل تغيير الرجال. أي ان يحلّ احمد اويحيى مكان عبدالعزيز بوتفليقة يمكن ان يعني الكثير، كما يمكن ان لا يعني شيئا. ما يمكن ان يعني شيئا يتمثّل في الخروج اوّلا من نظام المؤسسة العسكرية والأمنية التي أسسها هواري بومدين والتي اخذت البلد من كارثة الى أخرى... والتي تهدّد بأخذه الى كارثة اكبر! خيرالله خيرالله
مشاركة :