فدوى سليمان الشاعرة والممثلة وأيقونة الثورة ترحل في باريستمكنت الثورة السورية منذ بدايتها أن تكشف الوجه الحقيقي للكثير من الفنانين والمثقفين والعاملين في الفضاء العام، إذ تعددت المواقف من الثورة، والتي كان أغلبها منكرا للقتل الممارس ضد الشعب السوري، لكن مواقف أخرى جعلت الكثير من الرموز الفنيّة في سوريا تفقد بريقها، إلى جانب أنها كشفت عن وعي سياسي وإيمان عميق لدى الكثرين بالفعل الثوري، إذ لم يكتفوا بالكلام، بل وقفوا إلى جانب الشعب السوري في الساحات، وهتفوا جميعا ضد النظام القمعي مطالبين بالحرية والمساواة والعدالة.العرب [نُشر في 2017/08/18، العدد: 10726، ص(14)]قوية كفراشة هشة كجبل باريس - فارقت الحياة في باريس، الخميس، الفنانة والممثلة السورية فدوى سليمان، وذلك بعد صراع طويل مع مرض عضال. الفنانة فدوى سليمان، من مواليد عام 1970، وهي خريجة المعهد العالي للفنون المسرحية في دمشق قسم التمثيل، ظهرت في أعمال درامية كثيرة ومتنوعة، نذكر منها مسلسل “أمل” و”الشقيقات” و”هوى بحري” و”نساء صغيرات” و”الطويبي” و”طيبون جداً”. كما كان لها ظهور في فيلم “نسيم الروح”، إضافة إلى أعمالها التلفزيونيّة السوريّة والمدبلجة. وشاركت الفنانة في مسرحيات كثيرة حيث عملت في العديد من الإنتاجات المسرحية، إلى جانب مشاركتها في العديد من المهرجانات المسرحيّة الفرنسية والعربيّة. إضافة إلى التمثيل اشتهرت سليمان بكتاباتها الأدبية المميزة، إذ ألفت في الشعر والمسرح عددا هاما من النصوص، فصدر لها في المسرح نص “العبور” الذي ترجم إلى الفرنسيّة، كما أصدرت مجموعة شعرية بعنوان “كلما بلغ القمر” عن دار الغاوون، إلى جانب أعمال أخرى من المفترض أن تنشر بالفرنسيّة. الفن للشعب انضمت فدوى سليمان مع بداية الثورة السورية إلى صفوف المتظاهرين في مدينة حمص المحاصرة، هاتفة ضد النظام وضد الفتنة الطائفية التي كان ومازال النظام يحاول زرعها بين أفراد الشعب السوري، فسليمان وقفت إلى جانب الشهير عبدالباسط الساروت ليهتفا بالشعارات والأناشيد التي حركت قلوب السوريين، وشحنت مشاعر الكثيرين، سواء من المتظاهرين حينها أو من المتفرجين في بيوتهم.الفنانة الراحلة آمنت بدور الفن في الثورة السوريّة، وكيف كان للنشاط الفني الدور الكبير في إيصال أصوات السوريين ورغم أن الفنانة تنحدر من طائفة رئيس النظام السوري، فإن ذلك لم يثنها عن الوقوف إلى جانب شعبها، فقد كانت تؤكد مرارا على أنها لا تنتمي إلى أي طائفة، وأنها تنتمي فقط إلى الشعب السوري وريث المدنية والحضارة، وأن ثورته ستنجح رغم تآمر الساسة عليه؛ إذ كشفت في تصريحات كثيرة، آلية عمل النظام في سوريا، والتي تعتمد على “تقسيم المجتمع السوري طائفياً” حسب ما صرّحت به مرارا، لوسائل إعلام مختلفة. للفنانة الراحلة مواقف سياسية وفكرية وصفت بالجريئة والجوهرية، نظراً إلى ما تتضمنه من تسمية للأشياء بمسمياتها الحقيقية، حيث دأبت على الإشارة إلى “طائفية” نظام الأسد. وعلى عكس الكثيرين ممن اختاروا الصمت أو أخذ مسافة من الثورة السورية، حضرت الفنانة بين الجموع لتهتف وتندد بممارسات النظام، تحت تهديد القتل والاعتقال الدائمين، إذ وصل الحد بالنظام السوري إلى إشاعة خبر موتها عام 2012 على يد “إرهابيين”، لتنفي بعدها سليمان ذلك، وإثر التضييق الدائم عليها رحلت إلى باريس لتستقر هناك حتى وفاتها. في باريس لم تتوقف سليمان عن نشاطها في سبيل الثورة السورية ونصرة الشعب السوري، فبالرغم من تصريحاتها الأخيرة حول الإجراءات البيروقراطية التي تواجهها في العاصمة الفرنسيّة باريس، عملت سليمان بالتعاون مع الكثير من الشعراء الفرنسيين على نشر الوعي بالثورة السوريّة والنشاط السلميّ عبر جولات مختلفة في المدارس لتعريف الطلاب بالقضية السوريّة وفتح مجال النقاش معهم في سبيل نشر الوعي بحقيقة ما تمر به سوريا. كما نُظمت لها محاضرة في جامعة السوربون بعنوان “الفن في مواجهة السلاح”، وفيها تتحدث عن دور الفن في الثورة السوريّة، وكيف كان للنشاط الفنيّ دور كبير في إيصال أصوات السوريين، إلى جانب دور الثورة في إعادة تعريف الفن السوري وتطوير لغته وتقنيات التعبير المرتبطة بما تمر به سوريا، وخصوصاً أن حدثا هائلا بحجم الثورة لا يمكن تجاهله، إذ كان سبباً في كسر احتكار النظام للمؤسسة الفنية، ما سمح للكثيرين من المهمشين أو المبعدين عن الساحة الرسمية بالعمل والإنتاج وتقديم تجارب تحاول التأسيس لثقافة سوريّة تتجاوز سياسات النظام وهيمنته.على عكس من اختاروا الصمت أو أخذ مسافة من الثورة السورية، حضرت الفنانة بين الجموع لتهتف وتندد بممارسات النظام قوة الفراشة ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بكلمات الرثاء والنعي إثر رحيل سليمان، فالأخيرة رمز من رموز الثورة السوريّة، وأيقونة رأى فيها الكثيرون تعبيراً عن النضال السلميّ وموقفاً للفنان المؤمن بقضيته وقضية شعبه. وتداول الكثير من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي خبر وفاتها، معتبرينه خسارة للفن وللثورة السورية، حيث كانت اسما لامعا وخيّرت أن تكون فنانة الشعب بوقوفها إلى جانبه في محنته التي مازال يمر بها. ونشر الفنان السوري فارس الحلو، الذي يقطن في باريس، نعيًا لسليمان في صفحته على “فيسبوك”، كتب فيه “الزميلة والصديقة والبطلة فدوى سليمان.. ننعى إليكم وفاة الفنانة السورية التي أجبرت العالم على رؤية الحقيقة إثر مرض عضال”. نقرأ من ديوان سليمان وصفاً لنفسها من نص شعري لها كتبته في باريس: لِي قُوَّةُ الفَرَاشَهْ/ وَضعْفُ ثَورْ/ وَلِي هَشَاشَةُ الجِبَالْ/ وَصَلابَةُ خَيْطِ العَنكَبُوتْ/ وَلِي ضَجِيْجُ أَرْجُلِ النَّمْلَهْ/ وَصَمْتُ البَحْر/ وَلِي مَوتُ الحَياةِ في الشَّرْنَقَهْ/ وَحَيَاةُ المَوتِ فِي السَّائِرِينْ/ وَخُضْرَةُ أَوْرَاقِ الخَرِيفِ/ وَاصْفِرَارُ العُشْبِ فِي آذَارْ/ وَلِي تَـمُّوزُ/ لَنْ يَعُودَ بِتَمُّوزْ/ وَلِي مِنَ الأيَّامِ لَحْظَهْ/ حِيْنَ يَأخُذُ القَلْبُ اسْتِرَاحَتَهُ الأبَدِيّه/ يَنْتَهِيَ كُلُّ شَيءْ/ لِيَكُونَ لِي/ مَا لَـمْ يَبْدَأْ بَعْدْ/ أَو بَدَأ”.
مشاركة :