"لم أجد نفسي إلا ابن الثالثة والعشرين أمام لحظة مصيرية، وحال دام عمره أكثر من الثلاثين عاماً، وحياة مضت بذكريات لم أعلم موقفها حتى الآن.. إنها انكسار للواقع وهروب من الأجل اللاحق، إنها لحظة شكّ في كل ما كان مفرحاً فيما مضى، ويقين لكل ألم تعايشت معه، إنها كلمة جعلتني منقسماً وأصابني الشيب تخونني فيها ملامحي، وأنني اليوم لن أكون سعيداً مرة أخرى. لماذا أدعوكما أبويّ ولم تكونا في رعاية بعضكما البعض قط، هل استحالة العِشْرة قضت أن تحكم الآن بالانفصال؟! هل أنتما واعيان بما تفعلانه؟ فمتى بدأ كرهكما؟ وكيف أُصبتما بقراركما هذا صواباً لكما، وجعلتماني أراكما إلا زناة مارسوا الفجور دون الحب، وأنا عهد وريث لتلك الرذيلة القانونية فقط.. كيف كنتما تتبادلان الحب معي؟ وهل كنت فيصلاً للنزاع فقط بينكما أم حاجزاً أم حجة للاستمرار في تلك الأكذوب؟ لا أعي لماذا كانت الحياة". توقعات مجيدة اقتحمها الاختيار الخاص دون مراعاة معيشية بلغ الزمن كاهله، وتبدد حتى أصبح الاستنزاف حتمياً، ولم يكن هناك حال للهروب حتى بلغ الجهد العدم والفناء موجود وسط الأنفاس.. وهل يحييها غرام آخر بفتاة فقط لتسلسل معتاد للأحداث والتكرار يغلب على أيامنا. "لم أتفهم لمَ بعد هذا الانقسام الذي بلغ أيامكم تلك؟ لماذا الشيب يفصلكما عما كنتما؟ فأين ذاك الحب الذي عاهدتماني به ربما يجب عليكما تعلّم التعوّد مرة أخرى.. لا أن يفصلكما عجزكما أن تكونا كما كنتما.. كما كنت أجتمع معكما". يصاب كبار السن بحالة من الفتور النفسي وعرضة أكبر لمرض الاكتئاب المزمن، بالإضافة إلى أمراض الشيخوخة، وما يرافقها من فقدان الأبناء -كما يشعرون- أو بمعنى أفضل استقلالهم.. فيتخذ كلا الطرفين من الآباء حالة من الانفصال أيضاً حتى يصير كل منهما بغرفة منفصلة حتى يسودهم حالة الصمت العاجز عن الحياة.. وبعض الأبناء لا يعون أن فتور تلك العلاقة يزداد ضعفه وكأنه لم يكن هناك رصيد كافٍ من الحب منشود قيمته في الماضي. أظن أن هناك حالة من الصدمة حينما لا يتفهم الأبناء الخلاف أو الانفصال النفسي الذي يحدث بين الآباء وعدم إمكانيتهم لاستدراك تلك الحياة، وخصوصاً وصول الأبناء لحالة من الوعي والنضج الممكن. ومحاولاتهم للهروب من عقلية تبدو طفولية، لكنها ضاقت أن تحتمل العالم مرة أخرى، فأسباب النزاع قد تكون تراكمات مضى عليها عشرات السنوات أو خلافات غير منطقية ساذجة.. ولكن وصولهم لحالات الطلاق.. في مرحلة عمرية كهذه، أو انقسام، وتحول كل منهما إلى شخص مستقل عن الآخر وكأنه يريد حريته منه.. ما يقلق البناء ووجودهم في ضغط لا يُحتمل وغير مفهوم.. مما يجعلهم متورطين أن يكونوا مُخلصين، لكنهم لا يعلمون أن أدوارهم في الأسرة تقتصر فقط على أن يكونوا أبناء وليس آباء لآبائهم.. "مش عارف أقول لخطيبتي إيه.. أن أهلي بيطلقوا وأنا لسَّه بتجوز.. أو بحاول أعمل بيت.. ليه أمّي بتلح عليّ أني أفتح بيت وهمّ فشلوا أنهم يعملوا واحد ولا همّ هيعوضوا نقصهم فيّ.. خايف يكون مستقبلي همّ.. خايف أعمل في ولادي زي ما همّ قرروا يعملوا ده.. ولما سألتهم انتو ليه أخدتوا القرار ده؟ يردوا إحنا كبار وعارفين بنعمل إيه.. وكأني معزول من حياتهم.. ولما قمت بدوري البطولي وحاولت أرجع المياه لمجاريها.. وقلت لهم عشان خاطري بلاش تنفصلوا.. وعيشوا منقسمين تحت سقف واحد.. قالوا لي مش هنقدر.. وساعتها قلت لهم يا ريت كنتوا أخدتوا القرار ده من زمان.. لكن أعيش معاناة طول عمري معاكم بخلافات وينتهي بفضيحتي كمان.. يبقى انتو كده بتقتلوني فعلاً". وهناك مأساة دائماً لا تنتهي ولا تقل وطأةً عن انفصال زوجين في زمان مبكر من حياتهما.. لكن صرخة أحدهما حينما نادى والديه في مواجهة تخيلية في جلسة نفسية أمام كرسيين فارغين.. حتى صاح بهما وهو يرتعش خوفاً من أن يفقد أمانه، قائلاً: "رجاءً أبي وأمي لا تنفصلا". ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
مشاركة :