المعنى في بطن الشاعر! - مقالات

  • 8/19/2017
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

تخاطبني ولكن لا أراها تلعق من دمي حساءَها... ولا أردُّها! علمتني الأشواقَ كيف أعيشُها لا وجه، لا تاريخ... أسمعها تناديني: «تعال»! تعشق زوارها، ثم تصلبهم فى خشوع مطر فوق معطفها مطر فوق أحلامها تأمل هذه القصيدة جيداً، واجعل قدراتك التأويلية تعمل بأقصى طاقاتها التفسيرية، وأعد قراءة النص بتمعن وتركيز. هل أعدت قراءة النص؟ أعد قراءة النص لو سمحت! لو نجحت في تأويل هذا النص، فهذا يعني أنك تستحق جائزة الدولة التشجيعية على قدراتك التأويلية التي تؤهلك لمنصب المستشار المقرب للرئيس دونالد ترامب بلحمه ودمه وتكشيرته، لأنك ستكون قادراً على تأويل كل السلوكيات الغريبة وغير المبررة لنا ولشعبه ولمعشر الجن... وكان بودي لو كتبت لك واحدة أو اثنتين كمثال لهذه السلوكيات ذات المنحى الغريب، ولكنك تعلم كما أعلم أن ليس كل ما يتمناه المرء يكتبه. كذلك، إذا استطعت تأويل هذا النص الشعري، فأنت بذلك تتفق ضمنياً مع أدباء كبار وفلاسفة عظام حول أن الشعر يعتمد على الصورة والتشبيه والكلمة، أما الفكرة العامة أو المعنى المترابط فهو غير ذي أهمية كبيرة بالنسبة إلى النص الشعري الحديث. أما إذا رأيت أن هذا النص الشعري سخيف وغير ذي معنى أو فكرة، فأنت تتفق بذلك ضمنياً مع نظرية الشيخ حسني في فيلم «الكيت كات» حول أن كل شيء في الوجود عليه أن يكون ذا معنى أو فكرة حتى الموسيقى نفسها وصوت الطير في خلفيتها... خلفية الموسيقى طبعاً. وإذا أردت رأيي الذي غالباً أغيره في كل مرة أزيح فيه غطاء سريري وحتى قبل أن أفرش أسناني «الأفويت»، فسأقول لك إنني أميل إلى رأي الشيخ حسني رحمه الله، وأنا هنا لا أحاول أن أحكم على الشعر أو أقيّمه فنياً، لكن أيضاً من الصعب علينا أن نسمع مجرد صور شعرية ثم يطلب منا أن نستخدم قدراتنا التأويلية لربط أفكار ومعان لم يقصدها أو يعرفها الشاعر نفسه وليست موجودة إطلاقاً في برواز القصيدة، وإذا اعترضنا أو أبدينا رأينا حول أننا لم نفهم ما المقصود، يخرج علينا في الذاكرة معلم اللغة العربية وهو يقول: «المعنى في بطن الشاعر يا جاهل»! أو أحد كبراء الصالونات الثقافية ليقول لنا: «ما الذي يعرفه ناثر مثلك في سرديات الشعر الحديث؟». فأقسم له بالله أنني جاهل في القديم والحديث معاً، ولكنني أيضاً أشعر بإسهال فكري كلما سمعت مجموعة جمل مركبة لا تخاطب إلا صاحبها، ثم يطلب مني أن أحلل وأفسر وأقوم بعملية تأويل سرقة البنك المركزي فيها أسهل من تأويل النص... وإلا فأنا أجهل من حمار جحا! ليكن للشعر الحديث حريته المطلقة في تذوق الجمال وصنع العبارة، ولكن عليه أيضاً أن يراعي أنه يخاطب آخرين، فاعترافات الروائي الناشئ تقول إنه حتى الورقة التي ترسلها لعامل المصبغة من أجل ملابسك، هي مخاطبة للآخر وأننا لا نكتب لأنفسنا. إننا يا إخوان ننشد المعنى... ذلك المعنى الذي عندما غاب لم تعد البوصلة الداخلية لوعينا قادرة على الاستقرار أو حتى أن تشير ولو بطرف خفي إلى تلك الجهة التي لا نراها ولكننا نأملها. وينبغي أن احترم نفسي وأشير إلى أن هناك شعراء كباراً وصغاراً رائعين يكتبون شعراً حديثاً بمعنى وفكرة لا يختلف عليها اثنان، ولكنني أناشد ضميركم الحي أن يحكم بالحق، هل يعقل أن أقول: «أتعاطى القهوة والكافيين... فأقلبه يصبح بترولاً... أمشط شعري بالتعقيد... وأسف أسف تراب الزهد... وأصيح قبيل الفجر بأعلى الصوت... قبيل النوم ياعمال العالم اتحدوا... دعه يعمل... دعه يمر». ملاحظة غير ذات معنى: الأبيات الشعرية التي في مقدمة المقال عبارة عن أبيات شعرية مجتزأة من شعراء مختلفين تم صمغهم. كاتب كويتي moh1alatwan@

مشاركة :