كتاب ينتقد النيوليبرالية ويقدم قراءة جديدة للنوع الإنساني بقلم: عمار المأمون

  • 8/19/2017
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

الباحثة النسوية إليزابيث بوفينيلي تسعى في الكتاب إلى انتقاد مفاهيم السياسات الحيوية الغربية التي هيمنت على التصور الإنساني للحياة وأشكالها.العرب عمار المأمون [نُشر في 2017/08/19، العدد: 10727، ص(15)]الباحثة تعمل على مساءلة التقسيمات التقليدية لمفاهيم الحياة والموت هيمنت صورة الإنسان والفكر الإنسانوي على تاريخ الأفكار والعلوم منذ بدايات عصر التنوير ليصبح الإنسان مركز العالم، وعلى أساس حضوره المركزي في هذا الكون تمحورت العلوم والفلسفة والنظم السياسية والاقتصادية بوصف الإنسان معيار القياس والصلاحية، فهو المراقب الخارجي الذي تتولد الأفكار عنه ويُخضع الكون والعالم من حوله لمفاهيمه وتعريفاته. وعملت الباحثة والأكاديمية النسوية إليزابيث بوفينيلي لأكثر من عشرين عاما على تطوير نظرية نقدية لليبرالية المتأخرة، إذ لها العديد من المؤلفات المرتبطة بنظرية الجندر والأنثروبولوجيا الإنسانية والدراسات الثقافية، كما شغلت العديد من المناصب الأكاديمية في العديد من الجامعات ومراكز الأبحاث في الولايات المتحدة، وحاليا تعمل كأساتذة للأنثروبولوجيا ودراسات الجندر في جامعة كولومبيا في الولايات المتحدة، ومؤخرا صدر لها كتاب “جيوأنطولوجي- قداس لليبرالية المتأخرة” عن منشورات جامعة ديوك، وفيه تحاول بوفينيلي فهم التقسيمات الحيوية والثقافية التي تتبناها الليبرالية المتأخرة للهيمنة على الحياة وتجليات هذه الهيمنة من وجهة نظر علمية وثقافية وسياسية. وتسعى بوفينيلي في الكتاب إلى انتقاد مفاهيم السياسات الحيوية الغربية التي هيمنت على التصور الإنساني للحياة وأشكالها، وتنطلق من رؤيتها هذه من تعريف السياسات الحيوية بوصفها “مجموعة من التقنيات التي تعتمد على الخصائص البيولوجية الأساسية للنوع الإنساني بوصفها هدفا للاستراتيجيات السياسية واستراتيجيات السلطة والهيمنة”، إذ تسعى لدراسة تشكيلات السلطة وأشكال إثباتها، كحالة السلطة الملكية التي كانت تستعرض سيادتها عبر الكرنفالات وطقوس العقاب العلنية والتأديب لمخالفي سلطة الملك، ثم التغيرات التي حصلت مع ظهور الجمهوريات، وتقنيات العقاب والمراقبة والتأديب التي تتبعها الدولة التي تحتكر تعريفات الحياة والموت، سواء عبر مؤسساتها كالسجون والمشافي العقلية أو عبر البنى القانونية والنصوص التشريعية. واعتمدت الكاتبة في ذلك على تراث الفرنسي ميشيل فوكو ودراسته لتطور علم الأحياء وآليات سيادة الدولة من جهة أخرى، وكيف استفادت السلطة السياسية من تقسيمات “حياة” و”موت” الطبية والعلمية، ووظفتها لخدمتها لتكرس نفسها بوصفها من يمنح الحق بالحياة وبالموت، فالسلطة تمارس سيادتها على الجسد البشري ومفرزاته وتتحكم بالخاضعين لها بما يضمن استمرارها واستمرار النوع البشري واقتصادياته بوصفه مُنتِجا ومُنتَجا في آن واحد، وهذا ما يتجلى حاليا بأشدّ أشكال الهيمنة المتمثلة بالليبرالية المتأخرة. وتعمل بوفينيلي على مساءلة التقسيمات التقليدية لمفاهيم الحياة والموت، إثر التغيرات التي شهدها القرن العشرين كالانعطافة الألسنيّة وما نتج عنها من إعادة للنظر في التعريفات السابقة إلى جانب التطور التكنولوجي الهائل وظهور مفاهيم السايبورغ والاستنساخ، وتطور مفاهيم الجندر والدراسات ما بعد الكولونيالية والتعرف على ثقافات ومجتمعات لا تتبنّى الشكل الغربي والتقسيمات التقليدية للطبيعة والثقافة والمرتبطة بالحياة والموت والجنس ونظام الأسرة، أي بصورة أدقّ. وحسب الأنثروبولوجي إيدواردو فيفروس دي كاسترو الاحتمالات الأخرى الممكنة لرؤية للعالم، حيث مركز الطبيعة ليس الكائن البشري، بل هو جزء منها وأحيانا أدنى من غيره. ويتجلى ذلك عبر توسيع مفهوم الثقافة، فالخصائص الرمزية لما هو ثقافي-إنساني تنسحب على باقي الموجودات من كائنات وأنظمة حيوية وأشكال جديدة للحياة لا يكون الجسد البشري مرجعيتها المثالية، أو ما يمكن أن يسمّى بالأنطولوجيا ما بعد الإنسانوية. وتتجاوز بوفينيلي في الكتاب المفاهيم التي وضعها فوكو لتفسير تقنيات الهيمنة والسيطرة السياسية في الحضارة الغربية، وتقترح تقسيمات جديدة ومفاهيم مغايرة تتبنّاها الليبرالية المتأخرة وتعتمد فيها على الأنثروبولوجيا ودراسات الجندر والعلوم التكنولوجية، هذه التقسيمات الثلاثة هي “الصحراء” أو احتمالات الحياة الممكنة في مكان ما، و”الأنيمسيمية” وهي أشكال الحياة بأكملها سواء كانت حيوية أو روحانية والتي نجدها في المجتمعات البدائية، وأخيرا “الفايروس” بوصفه شكل الحياة التي من الممكن أن توجد ضمن فضاء ما، وتشمل الإنسان والكائنات الدقيقة وأيّ نظام يصلح أن يتم فيه الانقسام الخلويّ. وهذه التشكيلات، عند بوفينيلي، هي تعريفات تقنية ومفاهيم تمارسها الليبرالية المتأخرة للسيطرة على “الحياة” عبر تسخير العلوم والتكنولوجيا وإعادة فهم الظواهر الطبيعية بما يخدم استمرارها، وذلك بتبنيها أسطورة “الكربون” بوصفه أساس الحياة، ورصد وجوده و”انقساماته” بما يخدم استمرارها، كالأبحاث الموجهة لدراسة الفضاء وإمكانية وجود حياة هناك، فالسياسة واتحادها مع العلم والاقتصاد هي الصيغة الخفية التي تتسلّل عبرها الليبرالية المتأخرة لا فقط للهيمنة على الفضاء الخاص، بل لداخل الخلايا نفسها بوصفها ماكينات للإنتاج.

مشاركة :