الفنان الياباني تارو إيزومي في معرضه المعنون بـ”بان” المقام حاليا بقصر طوكيو الباريسي على إعادة صناعة هذه الصور، لكن دون أبطالها، من خلال عدد من أعمال التجهيز الخاصة به، وهي أعمال ناقدة لحالة التسليع الرياضي الذي اجتاح العالم بمتابعيه ولاعبيه على حد السواء. وفي القسم الأول من المعرض عدد من أعمال التجهيز التي صنعها إيزومي المرتبطة بعوالم الرياضة، هي مبنية من أدوات وأشياء يومية تحيط بنا، كراس وطاولات وغيرهما، فككّها إيزومي ليصنع قطع أثاث لا وظيفية، هدفها إعادة تشكيل الجسد بوضعيات تطابق الصور الشهيرة لنجوم الرياضة في الملاعب، فإيزومي يصنع ماكينات “للبارودي”، يتموضع الجسد اللارياضي فيها محاكيا “بطولة” الرياضي، هي تجهيزات آمنة لا خطر فيها على الجسد، إذ لا يحتاج أحدهم إلى المهارة الرياضية أو إلى سوء التقدير لخلق الوضعية اللاطبيعية للجسد كحالة الرياضي.إيزومي أشبه بلاعب خفة يدعو المتابع مشاركته الحيل والمزاح، ويستخدم الأغراض من حوله مشوها وظيفتها التقليدية إيزومي يتيح المجال أمام أي أحد كي يتموضع ويخلق صورته الأيقونية، فالأخير استخدم أشخاصا عاديين، لا محترفين، فاتحا الدعوة إلى اللعب أمام الجميع، حيث لا خصوصية جسدية ولا اقتصاد عالميا وإعلاميا لخلق سياق الصورة، مجرد أدوات بسيطة لخلق أول لذة للعب، لذة المحاكاة، أما الجسد اليومي الذي يستخدمه إيزومي، فهو لا اقتصادي ولا ميكانيكي، ولا يهدف إلى الربح كحالة الرياضي، هو فقط يمارس اللعب ببدائيته وحساسيته الساخرة والناقدة. يفعّل إيزومي تقنيات البارودي النقدية، بوصفها تعيد إنتاج البنية الأصلية بمكونات مختلفة، فجمهور أعماله من المهتمين بالفن الذين يراقبون بصمت، لا كالجماهير الرياضية المحتشدة التي ترقص وتهلل أثناء اللعب، أما الأجساد التي استخدمها ليست مدرّبة ومجهزّة، هي لأشخاص عاديين يمكن استبدالهم بأي أحد، لا كأجساد الرياضيين المختارين بعناية، هذه المقاربة بالرغم من أنها تبدو طائشة وأقرب للبورليسك والكوميديا الجسدية، إلا أنها تنتقد أنظمة الصناعة الثقافية والشعبية التي تخلق الأبطال الرياضيين، وترسخ سياسات الاستعراض الجسدي، بوصف الرياضة سلعة تتجاوز التسلية، إذ تدفع مهارة الجسد إلى الأقصى، ليُشعّ مجدا أو ليثير الشفقة إثر هفوة أو سقطة ما. في القسم الثاني من المعرض ندخل أرض مجزرة ما بعد حداثية، لنرى أحذية مسمّرة في الأرض، وصيادين يطلقون الأسهم على الشاشة، ثم قفصا يحوي شاشتين، في الأولى صورة لرجل، والأخرى ببغاء يردد ما يقوله الرجل بسذاجة، التشكيلات الباقية كلها تسائل العلاقة بين الفريسة والصياد، لندخلها بوصفنا شهودا على المجزرة التي حدثت، فتسجيلات الفيديو للأداء الذي شهدته القاعة تُعرض أمامنا دوما، يرافق ذلك عواء بعيد، وكأننا ندخل أرضا للهزيمة، شهودا صامتين، كما نجد في منتصف الصالة صورا لما يشابه عارضات الأزياء، لكن واحدة منهم فقط هي التي يسلط عليها الضوء، الباقي في الظلام، وكأنهم تجارب فاشلة أو أشباح أو أخطاء لا تصلح للعرض. إيزومي أشبه بلاعب خفة يدعونا لمشاركته الحيل والمزاح، يستخدم الأغراض من حولنا مشوّها وظيفتها التقليدية، ما كان كرسيا أصبح حاملا لفخذ أحدهم، وما كان قرص غرامافون أصبح طُعما لصيد قادم، هي خدع للحواس والإدراك تخلق لدى المشاهد الرعب، لتليه الدهشة المرتبطة بتنقية صناعة هذه التجهيزات، وهذا ما ينطبق على الجدار القرميدي الهائل الذي نراه ما إن ندخل صالة العرض المظلمة، لنشاهده فجأة يرتعش، فهو مجرد إسقاط على شاشة ضخمة، أما الحقيقة، فهي التي نراها على الشاشة الصغيرة المقابلة، مجرد شخص يتأمّل جدارا فارغا، لينسحب ذلك على كل مكونات المعرض، الحقيقي والفني أمامنا، فأيّهما نصدق؟
مشاركة :