كان الفقراء في مصر ينتظرون شهر رمضان الكريم كل عام بفارغ الصبر، ليجتمعوا على موائد الرحمن، التي كانت توفر لهم أصنافا من الأطعمة تعجز جيوبهم على دفع ثمنها، لكن جاءت الرياح هذا العام بما لا تشتهي السفن، فقد توارى الكثير من موائد الرحمن، التي كانت تزدحم بها شوارع خلال رمضان، ما دفع الفقراء إلى نعيها والترحم على تلك الأيام، التي حفلت بمشاهد إنسانية عدة في كل حارة وشارع مع أذان المغرب. تراجع لافت وأدى الغلاء والإرهاب إلى تراجع موائد الرحمن الرمضانية حتي اختفت تدريجيًا في مصر، ولم تعد الموائد تمثل الدفء والملاذ الوحيد لكثير من الفقراء الذين لا يقدرون علي توفير متطلبات الغذاء، وكذلك عابرو السبيل الذين حالت ظروف تواجدهم في بيوتهم أن يكونوا بالشارع، كما افتقدها المغتربون والمسافرون وطلاب العلم، والبسطاء. وتبدي أم هاني أسفها على اختفاء موائد الرحمن، مشيرة إلى أنها كانت تذهب للخيمة المجهزة قبل الإفطار بساعتين لحجز مقعد لها، ويؤيدها يوسف الذي لا يستطيع أن يوفر لبناته الثلاث ثمن وجبات الإفطار فبات يتحسر على الأعوام السابقة، التي كان يأخذ فيها وجبات الإفطار والسحور لبناته من تلك الموائد. صراع الفنانات ولاتزال ذاكرةالمصريين، تحتفظ بالمعارك التي كانت تثور سنويا عندما تبارت فنانات بالإنفاق ببذخ على موائد الرحمن، وخرجت حينها فتاوى تحرم الأطعمة المقدمة على هذه الموائد. ارتفاع الأسعار ويرجع الخبير الاقتصادي الدكتور حمدي عبدالعظيم انحسار عدد الموائد الرمضانية هذا العام، إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية مثل الأرز والمكرونة والسكر، مستدركا بقوله: «إن فاعل الخير لا يهمه ارتفاع الأسعار»، لافتا إلى أن وجود سبب أهم وهو الظروف المضطربة وغير المستقرة فى الشارع المصرى بسبب انتشار البلطجية وأعمال التخريب والإرهاب. وأضاف أن أصحاب الموائد خشوا من المشاكل فقرروا توجيه أموال الخير وجهة أخرى مثل مساعدة المحتاجين نقدا أو بتقديم كرتونة رمضان المحتوية على سلع يحتاجها المواطن، كما تفعل الجمعيات الخيرية، مفيدا بأن كثيرا من الجمعيات امتنعت تمامًا هذا العام عن إقامة موائد الرحمن. إرهاب وضرورات أما الدكتور محمد أبوليلة، أستاذ اللغة الإنجليزية، وعضو لجنة الفتوى بجامعة الأزهر، فيقول: «نعاني الآن من الإرهاب الذي بات يخرب ويضرب في كل الأماكن، ومن حق الجميع أن يخاف ولا يغضب من اختفاء موائد الرحمن، حيث إن هذا الأمر تطوعي بالدرجة الأولى لا أكثر»، مدللا بذلك على أن الضرورات تبيح المحظورات، مؤكدا أنه نصح الكثير من محبي الخير بعدم إقامة هذه الموائد هذا العام. حفظ الأرواح أما الخبير الأمني العقيد أشرف أبو الريش بقطاع الأمن الوطني فقال: «يجب على الجميع أن يعي الظروف الأمنية التي تمر بها البلاد وأرواح الناس (مش لعبة)، بل أهم من ملايين موائد الرحمن، كاشفا عن وجود متربصبين برجال الأعمال المشهورين لإفساد فرحتهم بأعمال إرهابية. كارثة المحتاجين وتصف أم أشرف وسالم وأحمد بيومي اختفاء موائد الرحمن بالكارثة، التي حلت بهم، لافتين إلى أنهم كانوا ينتظرون الشهر الكريم من أجل الجلوس عليها وتوفير مستلزمات رمضان من الغذاء الغالي الذي يرهقنا، قائلين:»اختفاؤها كالقشة التي قصمت ظهر البعير، ولا نعلم إلى متي سيتم الدفع بها من جديد أو تمنع والحمد لله على كل حال». الجدير بالذكر أن سقوط نظامي حسني مبارك ومحمد مرسي أدى إلى اختفاء موائد كبيرة كان يتكفل بتمويلها قيادات شهيرة في الحزب الوطني وحزب الحرية والعدالة وجماعة الإخوان، وأبرزها مائدة بحي السيدة زينب كان يتكفل بها الدكتور فتحي سرور رئيس البرلمان المنحل، ومائدة أخرى بميدان الجيزة لرجل الأعمال محمد أبو العينين، وثالثة بشارع جامعة الدول العربية لرجل الأعمال أحمد عز، وأخرى بحي الزيتون للدكتور زكريا عزمي، وموائد أخرى كان يحرص على إقامتها قيادات جماعة الإخوان بالعديد من المحافظات، كما كانت تقام موائد لفنانات شهيرات مثل فيفي عبده، ودينا، ولوسي، ويسرا، وإلهام شاهين بميدان سفنكس وشارع شهاب بالمهندسين. المزيد من الصور :
مشاركة :