هل يفسر علم النفس السياسي الألغاز المصرية والعربية؟

  • 8/20/2017
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

علم النفس السياسي هو العلم الذي يفسر الظواهر السياسية وسلوك الأفراد والجماعات في المجال السياسي تفسيراً سياسياً؛ ولذلك فهو أحد تطبيقات علم النفس العام. والسؤال: هل تصلح نتائج علم النفس السياسي وتطوراته في فهم السلوك السياسي من الناحية النفسية للأوضاع المصرية والعربية؟ ونختار في هذه المقالة عدداً من الظواهر السياسية التي تحتاج إلى تفسير نفسي؛ تمهيداً لاقتراح العلاج المناسب الذي قد يجمع بين الجوانب المختلفة اللازمة لعلاج هذه الظواهر. الظاهرة الأولى: هي ظاهرة التعذيب في السجون والمعتقلات وأقسام الشرطة إذا كان السجين أو المعتقل تحت ولاية السجن أو الاعتقال فلماذا يجتهد الجنود والضباط في تعذيبه حتى بعد أن تصدر المحكمة حكماً بسجنه، ويشترك في التعذيب جنود وضباط ويتفننون في التعذيب؛ بل إن بعضهم كان يستريح من وصلات التعذيب فيقرأ في القرآن الكريم! ولما سُئل في ذلك ذات يوم، قال إنه لا تناقض بين الأمرين واستعان بالآية الكريمة: "وقل اعملوا"، وكأن التعذيب جزء من العمل وأن الإخلاص فيه تقرب إلى الله؟! يرتبط بذلك منع الأدوية عن السجين أو المعتقل وهو يعلم أن هذا المنع سوف يؤثر على حياته فيصبح قاتلاً عمداً، فما تفسير ذلك من الناحية النفسية؟ هل لغياب القانون والقضاء النزيه المستقل علاقة بهذه الظاهرة التي انتشرت في دول العالم بدرجات مختلفة، وكان أبرزها وأشهرها سجن أبو غريب في العراق وسجن غوانتانامو وغيرهما من السجون الشهيرة في مصر والدول العربية. إذا كان التعذيب والإهانة وتحقير المعتقل وتعجيزه نوعاً من نزع الإنسانية عنه، فهل الغرض هو مجرد إهانة أم التشفي أم الانتقام أم الكيد أم تعظيم الثمن للمخالف للحاكم؟! والغريب أن من يحاول دراسة هذه الظاهرة أو إعداد تشريع لمحاربتها تتصدى له السلطة في مصر ويتم ترهيبه، علماً بأن التعذيب جريمة ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم، ولكن ربما كان سجل الذين ارتكبوا جريمة التعذيب عبر عقود يشهد أنهم أفلتوا من العقاب في النظم المتتالية؛ بل إن الذي عوقب هو من تحدث عنها في حينها رغم أن كل نظام يسمح بالنيل من النظم السابقة حتى في ظل مصر الجمهورية. الظاهرة الثانية: هي ظاهرة تلفيق التهم وصدور الأحكام على أساس التلفيق والتلفيق هو إلصاق عمل يجرّمه القانون بشخص لا علاقة له به؛ أي إنه من الناحية القانونية لا بد من أن يكون العمل مجرَّماً، ولا بد من نسبة الفعل المجرّم إلى فاعل. وقد أوضح قانون الإجراءات الجنائية التفاصيل كافة المتعلقة بأدلة الإثبات وتأكيد أن التلفيق والتعذيب من الجرائم، وأن المحكمة لا تأخذ بالاعترافات التي يدلي بها المتهم تحت التعذيب أو بالتلفيق. والتلفيق يبدأ في محاضر الشرطة، ثم ينتقل ويتم التفنن فيه بالنيابة العامة، ثم يأخذ القاضي في المحكمة بذلك مطمئناً، رغم أنه يضع آية قرآنية خلفه "وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل"! هذه الظاهرة أشارت إليها التقارير الدولية ومنظمات حقوق الإنسان في الدول المتخلفة وحدها، أما بالدول الديمقراطية المتقدمة فإن التلفيق جريمة. وأما في الشريعة الإسلامية، فإن التلفيق يعادل قول الزور وهو من الكبائر، ولكن الانفصال بين أحكام الدين وهؤلاء الذين يشكلون جزءاً من منظومة التنكيل بالخصوم يصبح عندهم التلفيق عادةً وسلوكاً يحتاج إلى تفسير، فهل يصلح القول بأن غياب القانون وغياب الضمير الديني وغياب المروءة وغياب الحد الأدنى من الإنسانية الذي يسمح بالتلفيق- هو السبب أم أن هناك تعقيدات نفسية أخرى تفسر هذه الظاهرة؟ الظاهرة الثالثة: هي نظرة الحكام العرب إلى الشعوب لوحظ أن الحكام العرب يتحالفون وأن الشعوب لا تردّ عليهم بالتحالف، ولكن يردد الحكام العرب في الوقت نفسه أنهم يحترمون شعوبهم وأن السيادة للشعب يمارسها الحاكم بموافقة الشعب، ويتحدثون كثيراً عن الشرعية وهم يقصدون شرعية القهر، فصار الحاكم والمحكوم في العالم العربي بحاجة إلى تفسير نفسي. فالحاكم يتحدث ويكتب بما يخالف الواقع. أما المحكوم، فهو قسمان؛ قسم يعاني الحرمان والقهر، وقسم يستفيد من الحاكم وينضم إلى فرقته وهو يعلم أنه ينافقه وأن ثمن النفاق هو مزايا القرب من الحاكم. من ناحية ثالثة، يعلم الحاكم أن هذه الفئة منافقة وأنه بحاجة بيولوجية إلى النفاق؛ ولذلك فهو يعرف جيداً أن قيمة المواطن لديه بقدر نفاقه، وهو ثمن لا يمكن صرفه، فيقرر الحاكم في أي لحظة التخلي عن المنافق وهو مدرك أن الآلاف يتمنون نفاقه. هذه الظاهرة المركبة في علاقة الحاكم بالمحكوم تحتاج إلى تفسير نفسي ما دامت إرادة الحاكم هي الأساس ورضاه عن المنافق هو محور المسألة. الظاهرة الرابعة: سلوك الشعوب والحكام في الصراع العربي-الإسرائيلي يعلم الحكام والشعوب العربية علم اليقين أن إسرائيل والولايات المتحدة يقدمان الشرعية للحاكم، كما يسهرون على صيانة حكمه، وأن الحاكم الذي يتمرد عليهما أو يدّعي الاستقلال تتصدى له إسرائيل بدعم أميركي؛ ولذلك يميل الحكام وقطاع من الشعوب إلى السكوت عن جرائم إسرائيل، وهذا ينطبق أيضاً على الفلسطينيين. كان التقرب من إسرائيل أو التواصل معها في الماضي جريمة تُلحق العار بصاحبها وهي أكبر من مجرد العمالة للعدو، فصارت العمالة فضيلة وواقعية ومهارة سياسية ما دامت قوة إسرائيل طاغية وأنه لا أمل في التصدي لها ولا بد من الانبطاح للصهيونية. هذا الفريق من الحكام والشعوب يتحدثون عن هذه الظاهرة بشكل مهذب أحياناً وفاجر في أغلب الأحيان، وهم الذين يلحّون على التطبيع مع إسرائيل وعلى ترديد مصطلح السلام، وهو يعني السلام لإسرائيل والضياع للعرب! هذه الظاهرة تحتاج أيضاً إلى تفسير نفسي، وقد يفيد في هذا التحليل القول بأن النظام الذي يتقرب لإسرائيل يجذب إليه الفئة المنتفعة من النظام؛ أي إن المنفعة هي التي تبرر السلوك، وقد انتشرت هذه الظاهرة منذ زيارة السادات للقدس عام 1977. الظاهرة الخامسة: هي نفاق رجال الدين وفسادهم تاريخياً، سجل التاريخ ظاهرة فقهاء السلطان، وهم الفئة التي حرصت على إرضاء السلطان وتبرير فساده بآيات من القرآن والأحاديث. وازدهرت هذه الظاهرة في السنوات الأخيرة، وخصوصاً بعد ضرب التيار الإسلامي وظهور "داعش" وغيرها، صارت تتسم بالفجور لدرجة أن بعض رجال الدين في مصر اعتبروا أن العلاقات المصرية-السعودية وكذلك "عاصفة الحزم" ضد الشعب اليمني مذكورة في القرآن الكريم! بل اعتبر رئيس وزراء مصر أن "تيران" ترجع ملكيتها إلى قريش وأن السعودية وريث قريش! خاصةً أن هذا المستوى من النفاق يقوم به مسؤولون عن الشؤون الدينية، فهل هو إمعان في إرضاء الحاكم وفهم اتجاهه والسير على طريقه في الاستخفاف بالدين أم هو حصد للمنافع وأنهم لا يرجون لقاء ربهم أم أنهم نشأوا يتاجرون بالدين وأن الزج به لإرضاء الحاكم أكثر نفعاً وأعظم حصاداً؟! يرتبط بذلك ظاهرة أخرى؛ وهي ظاهرة فساد رجال الدين الذين يتلقون رشىً على أنها أرزاق مقدرة؛ بل إن أحدهم قد أجاز الرشوة واعتبر أن شرب الخمر لا تثريب عليه؛ بل حتى لا ينقض الوضوء! فهل هو استغلال لجهل الناس أم استقواء بالحاكم على الله أم إيمان بالحاكم من دون الله؟! نعتقد أن التفسير النفسي يجب أن يسبق أي اجتهاد آخر؛ لأن التركيب النفسي لرجال الدين ينطوي على درجة من القهر والكبت، وأن الدخول في هذا الرداء ربما كان رغماً عنه وربما كانوا لا يعتقدون أصلاً في هذا الدين فاستمرأوا الضلالة والإضلال. الظاهرة السادسة: هي الكذب المتكرر من المسؤولين وغياب الضمير والذكاء والاستخفاف بالمخاطبين وغياب الروادع الأخلاقية والتربوية والقانونية والدينية؛ فصار الحاكم على كل المستويات يكذب، وبعض أفراد الشعب يصدّقون، فنحن بحاجة إلى تفسير نفسي للحاكم الذي لا يرى نفسه أو أنه يدرك كذبه ولكنه لا يخشى أحداً، فمن لا يرى الله لا يرى أحداً أمامه. كما أن الفئة التي تصدقه تحتاج أيضاً إلى تفسير نفسي. وتلك ظاهرة في العالم الثالث كله وليست قاصرة على دول معينة، ولكنها مركزة في العالم العربي، فهل العالم العربي له تركيب نفسي مختلف عن الإفريقي أو الآسيوي أو اللاتيني أم أن هذه الظاهرة لها تفسيرات أخرى غير نفسية؟! الظاهرة السابعة: هي مساندة الحاكم حتى في تفريطه بالوطن، وقد رأينا نموذجاً صارخاً لذلك، في التخلي عن "تيران" ومرونة الأتباع عندما استشعروا أن الثقة قد تنهار؛ بل سبقوا إلى مهاجمة السعودية بقسوة، علماً بأن السعودية لم تدّعِ شيئاً ولم تنتظر حتى نهاية الإجراءات؛ بل سارعت إلى ضم "تيران" في خرائط جديدة. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مشاركة :