هل تتغير ذائقة القارئ؟

  • 8/21/2017
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

القاهرة: إبراهيم حمزةبعد وفاة الشاعر «علي محمود طه»، كتب عنه صلاح عبد الصبور، مندهشاً من خفوت الضوء حوله، وحول شعره، بعد أن كان يحتل «نصف قلبه»، متسائلا: ماذا نقل علي محمود طه من إلى حافة الظل الظليل؟، أهو تغير ذوق العصر واختلاف تلك المنطقة الفريدة الغامضة من إدراك الأمة ووجدانها؟، بحيث ما كان يفتن الناس قبل عشرين عاماً لم يعد يفتنهم الآن؟ وفي عصرنا الحاضر تراجعت بلا شك معدلات القراءة بشكل لا خلاف عليه لصالح أشكال أخرى، أبرزها الإنترنت.. فهل تتغير الذائقة بمرور الزمن؟، وهل للإعلام دور في تغيير هذه الذائقة؟ وهل ترتبط قيمة عمل ما بوقت صدوره؟ هل تتغير ذائقة القارئ المحترف؟ يقول الشاعر والناقد «عبد الله السمطي»: أعجبني مصطلح: القارئ المحترف، كأنك تميز هنا بين القارئ الهاوي الذي يقرأ للمتعة، والقارئ المحترف الذي يقرأ للمتعة، ثم للكشف أو القراءة النقدية والمنهجية. بالتأكيد ذائقة القارئ المحترف تتغير بسبب عدة أمور يمكن إيجازها في نقطتين: الأولى: تعدد القراءات في إبداعات من مدارس واتجاهات متنوعة الثانية: تأثير الوعي الثقافي والمعرفي عبر التدرج الزمني والنمو الفكري والمعرفي ونمو الوعي لدى القارئ المحترف. بينما تقول د. سهير المصادفة، من المفترض أن تتغير ذائقة القارئ المحترف. كلنا نتذكر مثلًا كيف بدأنا القراءة ونحن صغار، كنا نقرأ الألغاز والمغامرين الخمسة وروايات أرسين لوبين وأجاثا كريستي، ثم تغير رأينا في هذه الكتب بمجرد وصولنا إلى فترة المراهقة، فاكتشفنا نجيب محفوظ ويوسف إدريس والعقاد وطه حسين وكثيرين غيرهم. في حين يرى الناقد الدكتور حسين حمودة أن ذائقة القارئ يمكن أن تتغير. الذائقة الجمالية موضوع معقد وشائك، وتدخل في تشكيل هذه الذائقة عوامل متعددة جدا، منها ما يتصل بالفرد، صاحب الذائقة، الذي قد يتغير وعيه الجمالي من فترة لأخرى، أو تتغير اهتماماته بما يبحث عنه في العمل الأدبي، أو تتباين نظرته للحياة وللواقع من حوله «المبالغة»، مثلا، كانت تمثل قيمة جمالية في فترات عدة من المجتمع العربي، وبالنظر إلى ميراث «الدموع» في الشعر العربي على سبيل المثال، سوف نجد أن الإشارات للدموع، تعبيرا عن الحزن والفقدان، بدأت ب«وبكيت حتى بل دمعي محملي»، وربما انتهت ب«وما فاض ماء النيل إلا لأنني/‏‏ وقفت به أبكي فراق الحبائب».. وطبعا هناك، بين البداية والنهاية، دموع كثيرة أريقت بقدر كبير من المبالغة، وكان الذين يتلقون الشعر يرون في هذه المبالغة تعبيراً جميلاً نموذجياً.. وإن ظلت هناك قيم جمالية متفق عليها. ويتفق الروائي إبراهيم فرغلي مع فكرة تغير الذائقة، فيقول: بكل تأكيد تتغير ذائقة القارئ مع الوقت، حتى لو لم يكن محترفًا بحسب تعبيرك، فالإنسان يتغير مع مرور الزمن وبدخوله في تجارب جديدة واكتسابه خبرات عديدة، ومن الطبيعي إذًا أن يتغير رأيه، سواء في كتاب أو كاتب أو لون أدبي (بتعبيرك أيضا) وإلا فإنه يكون تمثالا من حجر وليس إنساناً حياً. هذا التغيير بالطبع نتيجة مرور الزمن، وهي كلمة تبدو سهلة وشائعة، لكنها صعبة ولها جوانب عديدة، منها ما يتعلق بالقارئ ومنها ما يتعلق بالكتاب الذي يعيد إنتاج نفسه مع الوقت ومع كل قراءة ومع كل ما يستجد في العالم من حوله، فعلى حد رأي بورخيس في نص له لم تعد رواية دون كيشوت هي ذاتها التي كتبها سرفانتس. أما الأديب محمد عبد النبي فيعتقد أنه بالتأكيد تتغير ذائقة القارئ المحترف في أعمال أدبية كثيرة. فهناك أعمال أدبية مثلا، أو حتى أعمال فكرية بسيطة مثل كتب مصطفى محمود أو أنيس منصور، حين يقرأها شخص في سن صغيرة قد يراها أعمالاً مهمة أو عظيمة، لكن حين تتاح له الفرصة للاطلاع على أفكار أكثر تركيباً وتعقيداً في الأدب والفكر تتغير انطباعاته بالتأكيد. وهناك ربما أيضاً أعمال مركبة ومعقدة يحبها الفرد لتفردها، لكنه قد يقع على كاتب يمتلك نفس الأفكار ويعبر عنها بشكل أكثر وضوحاً فتتغير أفكاره وانطباعاته الأولى. بينما يتجه الروائي محمود الغيطاني، إلى ضرورة تعريف القارئ المحترف قبل الإجابة، فيرى أنه يعني القارئ الذي باتت القراءة لديه أقرب إلى العمل اليومي، أي أنه لا يمكن أن يمر يوم أو يومان من دون القراءة - سواء كانت هذه القراءة اليومية هي كتاب أو مجرد بضع صفحات - لكنه في النهاية حريص على القراءة بشكل منتظم، هنا يكون هذا القارئ مختلفاً عن الآخرين ممن يعتبرون القراءة مجرد تزجية للوقت، أو يقرؤون على فترات متباعدة. هذه القراءة الاحترافية تكسب فكر ورأي هذا القارئ أهمية لا بد من الاعتداد بها، وبالتأكيد من الممكن أن يتغير رأي هذا القارئ في كاتب، أو عمل معين، أو لون من الألوان الأدبية؛ فالحياة ليست ثابتة، وهي تتجه باستمرار نحو التغير، ولكن التغير هنا ليس مجرد تغير مجاني، بل هو تغير نتيجة تراكم الثقافة، والخبرات المعرفية، واتساع الأفق نحو المزيد من المعارف، على سبيل المثال ما كنت أراه جيداً في الكتابة الروائية من قبل، أراه اليوم ساذجاً ومثقلاً للعمل الإبداعي، ففي مجال الرواية كنا نرى أن توضيح الفكرة كان من الضرورة التي لا يمكن الاستغناء عنها من أجل اكتمال السرد، في حين أني أراه اليوم إثقالاً للعمل السردي يؤدي به إلى الترهل والسذاجة؛ لأن الكاتب في هذه الحالة يفترض في القارئ قلة الخبرات المعرفية والغباء، كما أنه دليل على رغبة الكاتب في الثرثرة التي لا داعي لها.هل للإعلام دور في تشكيل ذائقة الناس؟ سؤال اجتمعت الآراء على تأثيره الحقيقي، حيث يرى الناقد د. حسين حمودة أن الإعلام يمكن أن يكون له دور في توجيه الذائقة لدى القارئ، ولكن هذا الدور محدود فيما أتصور، أو على الأقل هو ليس دوراً حاسماً.. بينما يرى الروائي محمود الغيطاني أن تأثير الإعلام على الثقافة أقل عمقاً من غيرها، ولكن ذلك لا ينفي تأثيره الخطير في توجيه الذائقة، وهنا يكمن الخطر الحقيقي؛ فثمة نقاد لهم أسماء ضخمة يحاولون الترويج لعمل ما ويقولون فيه ما لا يراه غيرهم، أي أنهم يزيفون الحقيقة إعلامياً..ويؤكد محمد عبد النبي أن الإعلام ينحاز للأبسط والأقل تركيبية، فالإعلام كان دائما ما يوجه القراء لأعمال أغلبها يمكن القول إنه يميل للسطحية.. الأعمال الخالدة تحتفظ بحد أدنى من الثبات، وسواها عرضة دوماً للتغير، وكل المبدعين تبدلت رؤاهم ونظرتهم لبعض الأعمال، يقول الروائي محمد عبد النبي: في حين اعتبرت أن كتابات زكي نجيب محمود هي أفضل ما قرأت لفترة في الفلسفة، ثم سارتر في فترة لاحقة، تغير رأيي كثيراً بعد قراءة أعمال الأمريكي ديفيد هارفي، والفرنسي رينيه جيرار. الشاعر والناقد عبدالله السمطي، يتذكر قائلا: كنت مفتوناً بأبي القاسم الشابي وعلي محمود طه وناجي في الشعر الرومانسي، ثم كسر هذه الفتنة قراءتي لبشارة الخوري ثم سعيد عقل، لكن عند قراءتي الأعمال الشعرية الكاملة لنزار قباني أثناء المرحلة الجامعية توقفت كثيراً بفعل الصدمة النزارية، واستمرت هذه الصدمة التعبيرية الجمالية زمناً طويلاً، حتى استوعبت نزار وخفت صدمته وإعجابي المفرط بتجربته بفعل قراءات أخرى .

مشاركة :