موضوع المساواة بين المرأة والرجل في المجتمعات العربية والإسلامية يثير الجدل مجددا بملامسته مسألة الميراث والدعوة إلى تعديل الكفة بين الجنسين.العرب [نُشر في 2017/08/22، العدد: 10730، ص(12)]جدل يعود للواجهة تونس _ إنّ مجرد طرح موضوع المساواة بين المرأة والرجل بوجه عام، هو إقرار ضمني بعدم وجود هذه المساواة من أصلها داخل مجتمعات بشرية كثيرة عبر التاريخ، وعلى مختلف عقائدها وثقافاتها كما أن هذه المقاربة تتضمن الإشارة الصريحة إلى خلل ما، يخص غياب المناصفة بين الجنسين، وهذا طبعا لصالح الذكر على حساب الأنثى إلاّ في ما ندر من نماذج لمجتمعات أمومية أو أوساط معينة وضيقة لا تعمّم ولا يقاس عليها. أمّا في المجتمعات العربية والإسلامية فالأمر يبلغ غاية الحساسية ولا ينفك يثير الجدل ويسيل الحبر ويهيج المنابر بين دعاة المساواة من جهة وغلاة التشدد من جهة أخرى وما بينهما من أدعياء الوسطية والاعتدال والقائلين بالخصوصيات الثقافية والتقاليد الاجتماعية والأعراف التربوية والأخلاقية. الجدل عاد في الأيام الماضية وبوتيرة أشدّ وطأة بل وبحدّة تكاد لم تعشها الأوساط الاجتماعية والمدنية والحقوقية والدينية من قبل، ذلك أنّ الأمر هذه المرة قد لامس واحدا من أشدّ الجوانب حساسية وإشكالية في موضوع المساواة بين الرجل والمرأة، وهي مسألة الميراث والدعوة إلى تعديل الكفة بين الجنسين فترث الأنثى نفس ما يرث الرجل وبتساو مطلق لا لبس ولا استثناء فيه، وذلك أسوة بالذكر المتهم في المجتمعات الإسلامية بالهيمنة وهضم حقوق المرأة، وهو أمر يرى فيه أصحابه تحريما للمحلل وتحليلا للمحرم. الدعوة إلى المساواة في الإرث بين الرجل والمرأة أطلت برأسها وبشكل صريح من تونس، البلد الذي قد يتوقع منه الكثير في هذه المغامرة التشريعية لما له من أسبقية في سن أكثر القوانين جرأة في مجال الأحوال الشخصية منذ خمسينات القرن الماضي حين أقدم الزعيم التونسي الحبيب بورقيبة على منع تعدد الزوجات في سابقة تاريخية اعتبرها خصومه المحافظون تطاولا على التشريع الإسلامي وتحريما لما حلله الله في القرآن بينما يرى فيها مؤيدوه اجتهادا مشروعا واحتفت بها المرأة كمكسب لا يمكن التفريط فيه ثم ما لبثت أن غدت قناعة راسخة في المجتمع التونسي على مختلف فئاته بما في ذلك المتدينون الذين لا يجدون في الأمر تعارضا مع الشريعة الإسلامية أما جماعات الإسلام السياسي فتأرجحت مواقفهم بين المسك بوسط العصا وابتلاع المسألة على مضض مع بعض المخاتلة، وبين الرفض الذي يصل إلى حد التكفير كما هو الحال لدى التيارات الجهادية والسلفية. ردود الفعل إزاء الدعوة التي أطلقها منذ أيام، الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي؛ الوزير في حكومة بورقيبة بالأمس، ورئيس تونس اليوم، جاءت حادة ومتشنجة من المؤيدين والمعارضين على حد سواء، إلى درجة يمكن التحدث فيها عن معسكرين اثنين لكنّ اللافت أن السجال قد تجاوز الجغرافيا التونسية نحو العالمين العربي والإسلامي. لقد حمي الوطيس وارتفع الصراخ بين الفريقين المتخاصمين أكثر من البلد المعني بتعديل هذا القانون خصوصا في الشقيقة الكبرى مصر حاضنة مؤسسة الأزهر التي ما انفكت تقدم نفسها كمرجعية وحيدة للفتاوى والنظر في التشريعات الإسلامية مما أثار غضب واستياء بعض شيوخ جامع الزيتونة ومناصريهم الذين رأوا في الأمر شأنا محليا وأنكروا هذا النوع من الوصاية غير المبررة، وهو ما يذكّر بمناكفات عديدة دارت عبر التاريخ بين هذين المؤسستين العريقتين. ربما غاب عن أذهان التونسيين الذين ينكرون على غيرهم في العالمين العربي والإسلامي التدخل في الأمر، هو أن الدعوة إلى المساواة في الإرث التي أطلقها رئيسهم، لا تخص شأنا سياسيا داخليا ولا تتعلق بخيار اقتصادي أو ثقافي، بل بنص تشريعي عابر للحدود ومرتبط بالمقدس في أذهان الكثير من المسلمين مهما اختلفت جنسياتهم وأعراقهم فلا مجال بالنسبة إليهم للحديث عن خصوصيات اجتماعية أو عصبيات إقليمية وقطرية من قبيل السيادة الوطنية وغيرها، لكن المشكلة أن الرافضين لهذه الدعوة من غير التونسيين قد تجاوزوا مجرد الرفض والمعارضة إلى حد التشكيك في صحة عقيدة المجتمع التونسي، ووصل الأمر لدى غلاة التشدد إلى درجة التكفير والتحريض الذي وصل إلى حد الاستباحة والحث على “التقويم القسري” -إن لزم الأمر- حتى في حال قبلت غالبية التونسيين فكرة المساواة في الإرث وعن طريق استفتاء شعبي، إذ أن الديمقراطية نفسها مرفوضة من أساسها لدى الأوساط السلفية على اعتبارها “بدعة وافدة من بلاد الكفار”. ثمة مساواة أجدر وأنفع من المساواة في الإرث لدى قسم كبير من الناس -علمانيين كانوا أم متدينين- وهي المساواة في فرص العيش الكريم والمساواة في المواطنة والوقوف تحت مظلة القانون. للمزيد: المناصفة لا تعني العدالة ميزان بكفة مائلة
مشاركة :