خطاب العاهل المغربي يعزز توجه بلاده الاستراتيجي نحو العمق الأفريقياختار العاهل المغربي الملك محمد السادس التطرق للعلاقات المغربية الأفريقية والإجابة على المزاعم الداخلية والخارجية حول خيار الرباط تعميق علاقاتها مع دول أفريقيا، مفاجئا بذلك الرأي العام المغربي الذي توقع أن يكون خطابه تكملة لخطاب عيد العرش الذي ألقاه نهاية يوليو الماضي.العرب محمد بن امحمد العلوي [نُشر في 2017/08/22، العدد: 10730، ص(4)]العاهل المغربي: أفريقيا هي المستقبل الرباط - قال العاهل المغربي الملك محمد السادس في خطاب بمناسبة عيد الشعب والثورة، إن “توجه المغرب إلى أفريقيا لن يغيّر من مواقفنا، ولن يكون على حساب الأسبقيات الوطنية، بل سيشكل قيمة مضافة للاقتصاد الوطني وسيساهم في تعزيز العلاقات مع العمق الأفريقي”. وشدد الملك محمد السادس على أن هذا التوجه كان له أثر إيجابي ومباشر على قضية وحدتنا الترابية، سواء في مواقف الدول أو في قرارات الاتحاد الأفريقي”، في إشارة إلى قضية الصحراء المغربية. وقال المحلل السياسي حسن زرداني إن العاهل المغربي وجه رسالة على المستويين الوطني والإقليمي أو الدولي بأن التوجه الحديث للمغرب يرتكز بالأساس على ضرورة تقوية العلاقات مع الدول الأفريقية في ظل غياب تكتّل مغاربي قوي. واعتبر زرداني في تصريح لـ“العرب” أن الملك محمد السادس يدرك جيّدا أن تنمية المغرب مرتبطة ارتباطا وثيقا بتنمية أفريقيا، مؤكدا أن “مصلحة المغرب هي من مصلحة أفريقيا في إطار شراكة استراتيجية تضامنية مع الأشقاء الأفارقة وفي إطار مبدأ رابح رابح يعود بالنفع على الجميع”. وقال صبري الحو، الخبير في القانون الدولي في تصريح لـ“العرب”، إن الملك محمد السادس أجاب على خصوم المغرب الذين يزعمون أن المغرب يبيع الوهم للأفارقة، بتوضيح أن شراكة المغرب مع الأفارقة منصبة على مشاريع تدر الربح المشترك، ليعرض ما يتوفر عليه المغرب من خدمات وتجربة ومواد أولية، والأفارقة على علم بيّن بذلك. وأضاف أن العاهل المغربي أجاب على منتقدي التوجه نحو أفريقيا داخليا والذين يروّجون لأن المغرب ينفق أموالا على الأفارقة، المغاربة أولى بها. وأكد الملك محمد السادس أنه “إذا كانت 2016 سنة الحزم والصرامة وربط القول بالفعل في التعامل مع المناورات التي كانت تستهدف النيل من حقوقنا، فإن 2017 هي سنة الوضوح والرجوع إلى مبادئ ومرجعيات تسوية هذا النزاع المفتعل حول مغربية الصحراء”.التوجه الحديث للمغرب يرتكز بالأساس على ضرورة تقوية العلاقات مع الدول الأفريقية في ظل غياب تكتل مغاربي قوي ولفت الخطاب الملكي إلى أن هذا النهج الحازم والواضح مكّن من وضع مسار التسوية الأممي على الطريق الصحيح، ومن الوقوف أمام المناورات التي تحاول الانحراف به إلى المجهول. وتابع الملك محمد السادس أن هذا ما أكده تقرير الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتريس، وقرار مجلس الأمن لأبريل الماضي، سواء في ما يخص الالتزام بمرجعيات التسوية وتثمين مبادرة الحكم الذاتي كإطار للتفاوض أو في تحديد المسؤوليات القانونية والسياسية للطرف الحقيقي في هذا النزاع الإقليمي. وتزامن خطاب 20 أغسطس مع تعيين المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة الألماني هورست كولر والذي يتميّز بواقعيته في حل الأمور. وقال زرداني إن نجاح المغرب في الحد من انحراف ملف الصحراء على مستوى الأمم المتحدة بإرجاعه إلى مبادئ ومرجعيات تسوية هذا النزاع المفتعل، سيشكل مناسبة سانحة لانطلاق مفاوضات جديدة وهادئة لحل سلمي وعادل وواقعي يقوم على أساس مبادرة الحكم الذاتي. ويرى صبري الحو أن عودة المغرب إلى الاتحاد الأفريقي نجحت في تحييده ونزع الضغط الذي كان يمارسه لصالح الخصوم قبل العودة، رابطا الانفراج الحالي بسياسة المغرب الجديدة في أفريقيا. وأكد ملاحظون أن المغرب عازم على الاتجاه نحو تعزيز موقعه داخل القارة الأفريقية. ولفت العاهل المغربي إلى أن سياسة المغرب القارية ترتكز على معرفة دقيقة بالواقع الأفريقي، أكدتها أكثر من خمسين زيارة أداها إلى أكثر من تسع وعشرين دولة، منها أربع عشرة دولة منذ أكتوبر الماضي، وعلى المصالح المشتركة من خلال شراكات تضامنية رابح رابح. ووقّع المغرب عدة اتفاقيات مهمة منها اتفاق مع نيجيريا في مايو الماضي على إقامة مشروع طموح لمد أنبوب للغاز يربط بينهما. كما وقع البلدان برتوكول اتفاق لإقامة هذا مشروع العملاق الهادف إلى إنشاء أنبوب يصل بين البلدين مرورا بعشر دول أفريقية عبر ساحل غرب أفريقيا على المحيط الأطلسي، وقد يمتد ليصل إلى إسبانيا. وبحسب الملك محمد السادس فإن خير مثال على توجه المغرب نحو أفريقيا “تلك المشاريع التنموية الكبرى التي أطلقناها، كأنبوب الغاز الأطلسي نيجيريا-المغرب، وبناء مركبات لإنتاج الأسمدة بكل من إثيوبيا ونيجيريا، وإنجاز برامج التنمية البشرية لتحسين ظروف عيش المواطن الأفريقي، كالمرافق الصحية ومؤسسات التكوين المهني وقرى الصيادين”. وأضاف “تكللت هذه السياسة بتعزيز شراكات المغرب الاقتصادية ورجوعه إلى الاتحاد الأفريقي والموافقة المبدئية على انضمامه للمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا”. وشدد العاهل المغربي على أن “أفريقيا هي المستقبل والمستقبل يبدأ من اليوم”. وأضاف “من يعتقد أننا قمنا بكل ذلك فقط من أجل العودة إلى الاتحاد الأفريقي، فهو لا يعرفنا”. وخلص الزرداني إلى أن أغلب الخطابات الأخيرة للملك محمد السادس كانت تركّز على أفريقيا وهو ما عكسه خاصة خطاب دكار، إذ أعلن العاهل المغربي عن عدم تسامحه مع أعضاء الحكومة الذين يرفضون الانسجام في دبلوماسيتهم مع الدبلوماسية الملكية التي تهتم بقضايا أفريقيا. ويرى زرداني أن العاهل المغربي يتطلع لأن تكون السياسة المستقبلية للحكومة شاملة ومتكاملة تجاه أفريقيا، كما ينتظر من الوزراء أن يعطوا للقارة السمراء حقها.
مشاركة :