انتشر كثير من عادات النوم السيئة بين فئات كثيرة من الشباب والكبار في المجتمعات العربية، وهذه العادات تؤدي إلى تدهور الصحة العامة بعد عدة سنوات فقط؛ لأن النوم ضروري للجسم لاستعادة النشاط والحيوية، والقيام بعملية الصيانة والتجديد أثناء فترة الراحة.وكثير من الأشخاص لا يعلم ضرر عادات النوم السيئة، ويمكن بسهولة أن تلاحظ بعض هذه العادات من خلال تتبّع أوقات النوم وطريقته، فنجد أن قطاعاً كبيراً من الشباب أصبح كائنات ليلية كما يطلقون على أنفسهم، فهم ينامون نهاراً ويستيقظون ليلاً، عكس الطبيعة وسنن الكون، كما أن بعض الكبار يفعلون ذلك، وتنتقل هذه العادة إلى الأطفال الصغار، فعدم الانتظام في النوم أيضاً من هذه العادات غير الصحية.فبعض الأشخاص يواصِلون الليل بالنهار دون نوم، وذلك أثناء فترات المذاكرة والامتحانات، وفي أوقات العمل المتراكم والضروري، الذي يؤرّق منام صاحبه فيضطر إلى مواصلة الليل بالنهار من أجل الانتهاء منه. ومن العادات المضرّة تغطية الرأس أثناء فترة النوم، وتمتد هذه العادات إلى أوضاع النوم السيئة التي تصيب الجسم ببعض الأضرار، أو النوم على أشياء غير مناسبة لتمدّد الجسم الصحيح، وكذلك تناول الطعام قبل النوم مباشرة، والنوم لفترات قصيرة لا تكفي لراحة الجسم، وكذلك النوم لفترات أطول من المطلوب التي تضر صحة الشخص. وفي هذا الموضوع سنتناول العادات السيئة للنوم عموماً، ونقدّم بعض النصائح للتخلّص من هذه العادات والوقاية من المشاكل الصحية التي تسبّبها. انقلاب الأوضاعتفشّت ظاهرة عدم الانتظام في النوم بين أجيال اليوم من الشباب، وانقلاب الأوضاع وتحوّل الليل إلى نهار، وهذه العادة تؤدي خلال سنوات قليلة إلى ظهور آثارها على أصحابها، فنلاحظ أن هذا الشخص يصبح أكبر من عمره الحقيقي، ويظهر الإرهاق المستمر على بشرته وجسمه، ويشعر بالتعب من أقل مجهود؛ نتيجة انخفاض اللياقة البدنية بصورة مخيفة؛ لأن أجهزة جسمه لديها اضطراب مستمر، فهي تعمل طبقاً للفطرة والطبيعة البشرية، حيث إن التجهيز الطبيعي لها مصمّم على العمل بالنهار والراحة في الليل، وعند تغيير هذه الآلية الطبيعية يحدث اضطراب كبير للجسم، وتعمل هذه الأجهزة مضطرة بحجم أكبر من طاقتها، مما يستنفد جزءاً كبيراً من طاقة أجهزة الجسم خلال سنوات قليلة، وينعكس ذلك على صحة الشخص وقدرته وقوّته، ويظهر مترهلاً ضعيفاً وجهازه المناعي متهالك، ما يسمح بمهاجمة الأمراض له باستمرار. كما أن تناول الأدوية والعقاقير باستمرار يترك آثاراً جانبية على صحة الشخص. وتكشف الدراسات الجديدة أهمية وفائدة النوم الطبيعي أثناء الليل، خاصة مع بداية حلول وقت الليل بعد المغرب، وكذلك الفوائد الصحية التي تعود على الشخص في حالة النوم المبكّر والقيام المبكّر.السمنة والهرموناتتوصلت الدراسات الحديثة إلى أن النوم مع حلول بدايات الليل يعد من طرق الوقاية الطبيعية المؤكدة من الإصابة بمشاكل وأمراض القلب والأوعية الدموية، كما يساعد هذا السلوك الطبيعي على تجنّب مهاجمة حالة الاكتئاب للشخص. ومن الفوائد المباشرة تقليل مشكلة توقف التنفس اللحظي الذي يحدث لدى بعض الأشخاص أثناء فترة النوم، أما التغيير في أوقات النوم فيؤدي إلى إصابة الشخص بمشكلة اضطرابات النوم، وهي مشكلة صحية ليست بسيطة؛ لأنها تسبب حدوث بعض الأمراض.وخطورة عادات النوم غير الصحي هي أنها أحد الأسباب الأساسية للإصابة بمرض السمنة؛ لأنها تؤدي إلى حالة مستمرة من الشهية المفتوحة، والنوم المبكر يعزّز الصحة الجيّدة للشخص والإنتاج المميّز خلال اليوم، وعند تأجيل وقت النوم يحدث خلل نتيجة اختلال الساعة البيولوجية داخل الجسم، ويدخل الشخص في حالة الإصابة بالأرق وصعوبة النوم والاستمرار فيه، ويستيقظ كثيراً ويبذل محاولات حثيثة من أجل العودة إلى النوم، مما يسبب ضعفاً في أجهزة الجسم، التي تحتاج إلى راحة في أوقات طبيعية مصمّمة عليها، لإعادة شحن طاقتها واستئناف نشاطها؛ بل يمكن أن تؤدي هذه العادات إلى استنفاد جزء كبير من الطاقة الداخلية المخزّنة بالجسم، ودخول حالة ضعف شديد تمثّل خطورة حقيقية على حياة الشخص، وذلك عند الاستمرار في تشتيت الساعة البيولوجية للجسم، ويشعر الشخص بالتعب والإرهاق المستمر مع ضعف التركيز وتشتّت الذاكرة والزهايمر المبكر.والجدير بالذكر أن الجسم لن يحصل على كفايته وراحته أثناء النوم بالنهار، حتى لو نام ساعات طويلة، والسبب في ذلك أنه توجد مجموعة هرومونات يُفرزها الجسم أثناء النوم ليلاً فقط، وتتوقف أثناء فترات النوم بالنهار، ما يسبب خللاً عاماً في أداء الجسم وعدم الراحة، ويصبح تعويض الجسم بالنوم نهاراً أمراً صعباً، بسبب ردود أفعال الجسم السلبية.القدرات الذهنيةوكشفت دراسة حديثة أن المهن التي تتطلب العمل في فترات الليل، تسبب العديد من الأضرار، ومنها الإصابة بأمراض القلب والجهاز الهضمي؛ لأن فترات العمل الليلية تسبب اضطرابات جسدية وجسيمة، ويمكن أن تصبح أضراراً صحية طويلة المدى، كما ترتبط نوبات العمل الليلية بارتفاع معدّلات الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني، إضافة إلى الأزمات القلبية، وتسهّل فرص الإصابة بالسرطان.وكشفت الدراسة مدى الخلل الصحي الذي يسبّبه نظام العمل ليلاً داخل أجهزة وخلايا الجسم، وكانت مفاجأة عندما وجدوا سرعة ومعدل الضرر الذي يُحدثه العمل الليلي في الجسم. ومن هذه التأثيرات العميقة حدوث انقلاب كبير في كل شيء، بداية من خلال في إفراز الهرمونات، إلى تقلّب درجة حرارة الجسم، وصولاً إلى اضطراب في القدرات الذهنية ووظائف المخ، والحالة المزاجية العامة، واستقرار الجسم البشري يتم في الإيقاع الطبيعي المبرمج على النوم خلال الليل، والعمل والتحرك والنشاط في النهار، وهذا الإيقاع الطبيعي يُعرف في الأوساط الطبية بالساعة البيولوجية للجسم.ومن خلال متابعة حالات 25 شخصاً يعملون من خلال النظام الليلي، أظهرت النتائج والتحليلات لهؤلاء الأشخاص أن 10% من الجينات التي تم فحصها خلال العمل بالنهار، كانت منضبطة ومتوازنة ومبرمجة بدقّة، وعندما بدأ هؤلاء الأشخاص تحويل نظام عملهم من الصباح إلى الليل، فقدت هذه الجينات البرمجة الطبيعية الدقيقة، وبدأت في التخريف والاضطراب. اضطرابات الجيناتوتصاب أكثر من 90% من الجينات المسؤولة عن تحديد فترات النوم واليقظة بحالة من الاضطراب والتخريف؛ نتيجة عادات النوم السيئة وغير المنتظمة، مما يجعل الشعور بالتعب دائم ومستمر لدى هؤلاء الأشخاص، كما تحدث هذه الحالة أيضاً لدى الأشخاص المسافرين إلى دول بعيدة بسبب اختلاف التوقيتات، وأثناء الاستمرار في العمل بنظام النوبات الليلية في بعض المهن، مثل الأطباء والممرضات، وبعض رجال الإعلام والصحافة، وبعض المهندسين في المواقع الليلية للبترول والغازات، ولدى الطلاب في فترة الدراسة والامتحانات، ولدى عدد كبير من الشباب والفتيات الذين يسهرون على مواقع التواصل الاجتماعي طوال الليل. وفي فترات الإجازات الصيفية يسهر كثير من الأطفال ويتعرضون لخطورة كبيرة في بداية حياتهم. ومعروف علمياً أن أجهزة الجسم لها إيقاع خاص بها مبرمج طبقاً لنواميس الطبيعة ومرتبط بها، ومع معاندة النظام الطبيعي والعمل في فترات الليل، فإن هذه الأجهزة تفقد هذا الإيقاع المتناغم مع الطبيعة، ويحدث تضارب في أوقات عمل الدماغ والقلب مع باقي أجهزة الجسم، وهذا يفسر لنا عدد الشباب الذين أصيبوا بمرض السكري من النوع الثاني في عمر الشباب، وكذلك الأمراض الكثيرة التي انتشرت بصورة غير مسبوقة بين قطاع كبير من الشباب، وحالات الموت المفاجئ دون وجود أي معاناة ملحوظة أو شديدة، وكثرة انتشار أمراض السرطانات المختلفة بين كل الفئات العمرية، بداية من الأطفال إلى كبار السن. ضغوط نفسية وعصبية تشير الدراسات الحديثة إلى أن عادات النوم السيئة لها مردود سلبي وسيىء على الصحة العامة للشخص، وكشفت الدراسة أن الخلود للنوم ساعة واحدة قبل حلول منتصف الليل يعادل 3 ساعات من النوم بعد منتصف الليل، فهو ما يطلق عليه النوم العميق والهادىء الذي يحتاجه الجسم لإعادة تجديد النشاط، كما أن الحرمان من النوم يقود إلى التوتر وزيادة الضغوط النفسية والعصبية، ويفقد الشخص القدرة على الانتباه الجيد، ومن ثم اتخاذ قرارات غير صائبة، بالإضافة إلى عدم السيطرة على ضبط النفس، ووجدت الدراسة علاقة قوية بين عادات النوم السيئة وبين فقدان ضبط النفس، والذي يساعد على اتخاذ القرارات الصحيحة في حال كانت هناك فرص ورغبات متضاربة، ويعود ذلك بالإيجاب على مستقبل الفرد وحياته الشخصية، وأوضح الباحثون أن عادات النوم السيئة تتضمن النوم في أوقات غير مناسبة وغير متناسقة، وأيضا قلة ساعات النوم والتي تسبب مشاكل صحية جسيمة، مثل التخمة وزيادة الوزن وارتفاع ضغط الدم المستمر.
مشاركة :