الفجوة في الرواتب بين الجنسين معضلة مستعصية عن الحل في مختلف مجتمعات العالم على حد سواء، ولا يبدو أنها في طريقها إلى الزوال، خاصة في ظلّ عجز الحكومات عن التعامل مع الأسباب الهيكلية لغياب المساواة في الرواتب، وإحجام أرباب الأعمال عن نشر بيانات تظهر الفوارق بين أجور ومكافآت الجنسين العاملين لديهم. وتبدو الفجوة في الرواتب أكثر إيلاما وبشكل أوضح عندما تكون المرأة هي المسؤولة الوحيدة عن إعالة أسرتها، مما يعني أن أثر عدم تساوي رواتب الجنسين لن يؤثر على فرد واحد بل على عائلات ومجتمعات بأكملها. ورغم أن التمييز الموجّه ضد العاملين بسبب الجنس أصبح غير قانوني في عدد متزايد من البلدان فإن الملايين من النساء تعانين من التمييز في مكان العمل لسببين، وهما السن والنوع، بالإضافة إلى التركيز المتزايد على المظهر الخارجي للمرأة. الاختلافات البيولوجية أظهرت الكثير من الأبحاث أن الحياة المهنية في الشركات والمؤسسات أقل سخاء بالنسبة إلى النساء، سواء من الناحية المالية أو من ناحية تقلد المناصب الوظيفية العليا. ويسيء أرباب العمل في الغالب تقدير إمكانات النساء وقدراتهن، ويفترضون أنه من الصعب عليهن التعامل مع المراكز القيادية أو العمل لساعات طويلة دون تعب. وتضطر النساء بسبب التصور العام بأن “طبيعة” الرجال أقدر على تولي المناصب العليا والمهمات الشاقة، للعمل أكثر بكثير للوصول إلى نفس المناصب، إلا أنهن يكتشفن أنه حتى بعد وصولهن إليها يستمر البعض في التشكيك في “حقهن” في تولي تلك المناصب. وما يثير الاستغراب إلى حدّ ما التقرير السنوي لتفاصيل رواتب الصحافيين الكبار العاملين في هيئة الإذاعة البريطانية (بي. بي. سي) الذي كشف عن فجوة هائلة بين ما يتقاضاه الرجال والنساء، إذ أن ثلثي نجوم بي بي سي ممن يتقاضون أكثر من 150 ألف جنيه إسترليني هم من الرجال.أحمد قران الزهراني: المرأة العاملة في السعودية لا تختلف عن الرجل في شيء ورفعت وتيرة الجدل حول التمييز الوظيفي الذي تتعرض له النساء مذكرة داخلية خاصة بعملاق التكنولوجيا غوغل -سربها أحد المواقع- ربطت الفروق في الرواتب بين الرجال والنساء بالاختلافات البيولوجية بين الجنسين، وواصفة الأمر بالطبيعي وبأنه لا علاقة له بالتمييز الجنسي. ويأتي هذا الجدل في وقت تجري فيه الحكومة الأميركية تحقيقات بشأن شكاوى تلقتها حول فروق الرواتب بين الرجال والنساء، وتسعى للتأكّد من أن هذه الفروق لا تعبّر عن تمييز جنسي بين الرجال والنساء. ويصل متوسط الراتب السنوي للمرأة التي تعمل بدوام كامل في الولايات المتحدة الأميركية إلى 39.621 دولارا، مقابل 50.383 دولارا للرجل. وتعني تلك الفجوة، التي تصل إلى 10.762 دولار أن النساء في الولايات المتحدة يحصلن على 79 بالمئة فقط مما يحصل عليه نظراؤهن من الرجال. ويعرف المحلّل المالي وضاح الطه الفجوة في الرواتب بين الجنسين على أنها الفرق في متوسط ما تكسبه النساء قياسا بمتوسط ما يكسبه الرجال وبالوقت الكامل أو في الأعمال الذاتية المستقلة وعادة ما يشار إليها بنسبة مئوية. ويعطي الطه الذي يعمل في مراكز دبي المالية مثالا على ذلك بالقول “إذا كان متوسط ما تكسبه النساء في مجتمع ما 65 بالمئة فمعنى ذلك أن متوسط ما يتقاضينه يعادل 65 بالمئة أو 0.65 من متوسط ما يتقاضاه الرجال وأن حجم الفجوة 35 بالمئة”. وقال في تصريح لـ”العرب”، “عندما تكون هناك عوامل أخرى تؤخذ بعين الاعتبار تكون عملية الاحتساب أكثر تعقيدا، وتكون هنالك مفاهيم محددة لقياس الفجوة من خلال مؤشر يسمّى المؤشر العالمي لقياس الفجوة بين الجنسين، هذا المؤشر مكون من 4 مؤشرات فرعية بحسب المنتدى الاقتصادي العالمي”. مظلة النساء تبرز في العالم العربي الكثير من النساء كمصدر إلهام وتأثير في العديد من القطاعات والمجالات، لكن ذلك لا يعني أن كل الدول العربية ترحّب بانتقال المرأة من عالمها التقليدي إلى عالم أكثر حداثة وتطورا. وذكر تقرير فجوة الرواتب الذي أعده المنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2016 أن دول منطقة الشرق الأوسط ووسط آسيا جاءت في مقدمة الدول التي تعاني من عدم التكافؤ في الرواتب بين الجنسين، بينما جاءت دول غرب أوروبا ضمن أقل الدول التي تعاني من عدم المساواة بين الجنسين في العمل. وضاح الطه: الأثر الإيجابي مزدوج لحل مشكلة الفجوة في الرواتب وعلى مستوى العالم العربي تصدر اليمن المرتبة الأولى لقائمة الدول التي تعاني فيها النساء من عدم المساواة في الراتب بينهن وبين الرجال، فيما جاءت الإمارات العربية المتحدة كأقل دولة عربية تعاني فيها النساء من هذه الفجوة بين الجنسين. وطالب الطه الدول العربية بإجراء إصلاحات ضرورية تستهدف القضاء على الفوارق في الرواتب بين النساء والرجال لأن الأثر الإيجابي مزدوج لحل مشكلة هذه الفجوة بين الجنسين، وفوائده ليست على الصعيد الفردي فحسب بل على الصعيد الاجتماعي والاقتصاد ككل. ولا تسعى أغلب الأنظمة العربية في الاستراتيجيات التي تضعها لمحاربة الفقر إلى محاولة تضييق الفجوة بين الجنسين رغم أنها تمثل السبب الرئيسي في التدهور الاقتصادي وانعدام الاستقرار في العديد من المناطق. ففي تونس على سبيل المثال على المرأة أن تعمل سنة و37 يوما ليتساوى راتبها مع الراتب السنوي للرجل الذي يعمل لنيله سنة فقط، وهذا يعني أن راتب المرأة التونسية يقل عن راتب الرجل بمعدل 14.6 بالمئة، حسب ما كشفت دراسة قام بها المعهد العربي لأصحاب المؤسسات والوكالة الألمانية للتعاون الدولي. وقالت ريم قاسم الصحافية بوكالة تونس أفريقيا للأنباء لـ”العرب”، “يمكن الحديث عن مساواة حقيقية بين المرأة والرجل سواء من حيث الراتب أو الوصول إلى مواقع القرار أو غير ذلك، حين تترجم الشعارات المرفوعة والخطابات السياسية إلى مبادرات تشريعية فعلية ويقع تطبيق القوانين”. وأضافت قاسم “رغم ما حققته المرأة التونسية من مكاسب سواء على مستوى ما تضمنته مجلة الأحوال الشخصية من حقوق أو غيرها من الإصلاحات الاجتماعية والسياسية، إلا أنها على المستوى الاقتصادي ما زالت بعيدة عن المساواة التامة مع الرجل”. وأوضحت أن “قانون الشغل في تونس قد ساوى نظريا بين الجنسين في حق العمل والراتب وفرص الارتقاء والتغطية الاجتماعية وحق التقاعد وفي الضمانات عند الطرد من الشغل، إلا أن الواقع ليس مطابقا تماما للقوانين”. وترى قاسم أن “معركة الدفاع عن حقوق المرأة ما زالت متواصلة وأن المكاسب التشريعية التي حصلت عليها المرأة التونسية عموما في حاجة إلى يقظة مؤسسات الدولة وتضافر جهود المجتمع المدني ليتم تنفيذها وفقا لمقتضيات القانون، ولا يبقى الحديث عن المساواة بين الجنسين مجرد شعارات فضفاضة”.ريم قاسم: المرأة التونسية ما زالت بعيدة عن المساواة التامة مع الرجل وفي مصر تتقاضى حوالي 54.4 بالمئة من النساء المصريات رواتب أقل من أزواجهن، وتحصل 5.4 بالمئة من النساء على رواتب أعلى من أزواجهن، فيما لا تتعدى نسبة الزوجات اللواتي يتقاضين نفس ما يتقاضاه أزواجهن 18 بالمئة. غير أن إيمان سالم مؤسِّسة الموقع الإلكتروني “أمينة توداي للمرأة” ترى أن رواتب الجنسين، وخاصة في مجال الإعلام تكاد تكون متقاربة، نظرا لأن المهام الوظيفية التي يقومون بها متشابهة إلى حد كبير. وشددت سالم لـ”العرب” على أن “المشكلة الحقيقية بالنسبة إلى المرأة المصرية تكمن في صعوبة حصولها على فرص عمل تتوافق وإمكانياتها وكفاءتها”. وأضافت “غالبا ما تكون المرأة الضحية الأولى للبطالة، أولا لكونها أنثى ولا تستطيع التأخر في العمل مثل الرجل، وثانيا لطبيعة دورها الأسري كزوجة وأمّ، مما يفرض عليها البحث عن عمل بدوام جزئي ولذلك فهي عرضة -على أكثر الاحتمالات- لأن تبقى بلا عمل”. الطريق إلى المساواة في المملكة العربية السعودية يتخطى عدد الإناث الذكور في الجامعات كما تتزايد أعداد المتقدمات لشغل الوظائف والعاملات عن أيّ وقت مضى، لكن الطريق إلى المساواة في الرواتب بين الجنسين ما يزال طويلا. وأكدت دراسة سعودية أعدتها مؤسسة الملك خالد الخيرية على تضاعف فجوة الرواتب بين الجنسين في سوق العمل السعودي بمقدار 3 مرات خلال عامين فقط، أي بنسبة 332 بالمئة. وكانت فجوة الأجور بين الجنسين في عام 2014 قد بلغت 324 ريالا (86.40 دولارا) لصالح الرجال، وارتفعت في عام 2016 لتصل إلى 1077 ريالا (287.20 دولارا). ودعت الكاتبة السعودية آمنة الذروي إلى توفير قدر أكبر من العدالة في الرواتب بين الرجال والنساء من خلال تفعيل سياسات تضمن ذلك. وقالت الذروي لـ”العرب”، “الفجوة في الرواتب بين الجنسين غير مبرّرة وتظل دون تغير في معظم دول العالم على الرغم من معرفة الحكومات بتزايد متطلبات الحياة الحديثة، ومثل هذا الأمر صعّب على المرأة المعيلة لأسرتها توفير الرفاه المعيشي لها ولمجموع الأفراد الذين يكونون في كفالتها”. وأضافت “في الدول العربية ما زالت المرأة تقاتل يوميا وفي جميع الاتجاهات لتنال جزءا من حقوقها الكثيرة المهضومة، إنها تعاني وبشكل عام من عدم المساواة مع الرجل وعلى أوسع نطاق، ولكن هذا لا ينفي الجهود التي تبذلها بعض البلدان لتحقيق العدالة الاجتماعية وسد الفجوة في الرواتب بين الجنسين بمختلف الوظائف”.إيمان سالم: مشكلة المرأة المصرية الحقيقية تكمن في صعوبة حصولها على عمل وواصلت “أما بالنسبة إلى المرأة السعودية فقد استطاعت أن ترقى إلى أعلى المراتب وتتبوأ أعلى المناصب بفضل الرعاية الكبيرة التي وفرتها لها الدولة في العهد الجديد الذي زخر بتطورات متسارعة وفعالة فسحت المجال للمرأة لمزيد تفعيل دورها بمجتمعها أسوة بالرجل”. وذكرت الذروي أن “نظام العمل في السعودية يمنع أي تميز في الرواتب بين العاملين والعاملات في عمل ذي قيمة متساوية إستنادا إلى القرار الوزاري رقم (1/2370) الصادر عام 2010، ولكن ذلك لا يتطابق تماما مع واقع الحال الذي تعيشه المرأة السعودية”. وأوضحت أن “المرأة السعودية احتلت المركز الأخير بين دول الخليج، ومرتبة متأخرة بين عدد من الدول العربية من حيث الراتب الذي تتقاضاه مقارنة براتب زميلها الرجل نظير أدائهما نفس العمل”. فيما يرى الأكاديمي السعودي أحمد قران الزهراني أن التفرقة في الرواتب حالة شائعة في مختلف دول العالم، مشيرا إلى أن المرأة تمثل الضحية الأولى للاستغلال الوظيفي. وقال الزهراني لـ”العرب”، “تتعرض المرأة في العديد من المؤسسات إلى الاضطهاد المادي والمعنوي ولا تحصل على حقوقها أسوة بالرجل، فرغم أن العمل يكون أحيانا هو ذاته الذي يؤديه الجنسان وبنفس التوقيت والزمن والجهد، فغالبا ما تنال المرأة راتبا لا يعادل كفاءتها وجهدها ويتم هضم حقوقها دون وجه حق”. وأضاف “قد تكون مفاجأة للكثيرين أن المرأة العاملة في السعودية لا تختلف عن الرجل في شيء في نظام العمل، بل إن حقوقها في الإجازات أكثر من حقوق الرجال نظرا لطبيعة ظروفها من حمل وولادة ورعاية للأسرة”. وأوضح الأكاديمي السعودي “أما فيما يخص الراتب فالمرأة تتساوى مع الرجل في كل المخصصات المالية، فنظام العمل في وزارة الخدمة المدنية لا يفرّق بين الجنسين في أيّ جانب من الجوانب، بل شدد في أدبياته على أن الموظف للوظيفة وليست الوظيفة للموظف بمعنى أن الوظيفة لا تتغير بتغير جنس الموظف”. وواصل “السلم الوظيفي في جميع القطاعات لا يتغير بتغير الجنس سواء من حيث الإجازات أو المكافآت أو الرواتب، فعلى سبيل المثال أساتذة الجامعات من الجنسين والمدرسون في القطاع التعليمي العام والأطباء والموظفون من الجنسين رواتبهم وحوافزهم المادية هي ذاتها ودون تفريق”. وختم الزهراني بقوله “مجالات عمل المرأة في السعودية كانت سابقا محدودة وهذا لا يعود إلى الأنظمة بقدر ما يعود إلى العادات والتقاليد، ولكنها الآن اتسعت وشملت أغلب مجالات العمل.. أما فيما يتعلق بالرواتب والعائدات المالية فهي حسب الأنظمة لا تفرّق بين الرجل والمرأة”. صحافية من تونس
مشاركة :