بعد سنوات من الجدل الحاد والأسئلة المتواترة، يبدو أن ملف تمويل قطر لقوى الاسلام السياسي في تونس سيجد طريقه نحو القضاء، حيث أعلن الحزب الدستوري الحر أنه أودع شكوى لدى وكيل النيابة العامة بالمحكمة الابتدائية بتونس، للمطالبة بفتح تحقيق جزائي ضد حزب حركة النهضة وكل من سيكشف عنه البحث في ما نسب إليهم من اتهامات بتلقي تمويل من دولة قطر. ودعا الحزب في الشكوى إلى الاستماع إلى شهادة الدبلوماسي ووزير الخارجية الأسبق أحمد ونيس، التي اعتبر أنها «جاءت قاطعة في الموضوع»، وتفعيل اتفاقيات التعاون القضائي مع دول شقيقة وصديقة قصد الاستماع إلى شهادات الشهود من غير التونسيين. وذكر الحزب بأنه وجه رسالة إلى رئيس الحكومة بتاريخ 28 يونيو الماضي مرفقة بجملة من المؤيدات والقرائن الجدية، للمطالبة بفتح تحقيق جدي حول التمويلات المذكورة، غير أنه التزم «صمتاً رهيباً»، بحسب نص البلاغ. وعبر الحزب عن ثقته التامة في أن القضاء التونسي لن يدخر جهداً في استعمال كل الطرق القانونية المتاحة للبحث والتحقيق في هذا الملف «الخطير على مناعة تونس والسيادة الوطنية والأمن القومي» والتوصل إلى إماطة اللثام على الأطراف المتدخلة فيه. ثراء الأحزاب وكانت رئيسة الحزب الدستوري الحرّ التونسي المحامية عبير موسى أكدت أن الحزب دعا رئيس الحكومة يوسف الشاهد إلى فتح تحقيق حول التمويلات الأجنبية للأحزاب السياسية وخصوصاً حركة النهضة التي حصلت على تمويلات قطرية، لم تكن بدافع التشهير والتشويه بل بدافع الوطنية. وأشارت خلال مؤتمر صحافي إلى أن بعض السياسيين والأحزاب أصبحوا يتمتعون بثراء فاحش، وأن القاصي والداني يعلم أن «الساحة السياسة ملوثة بالمال السياسي الأجنبي». وقالت إن حزبها يمتلك قرائن جدية تفيد بتلقي حزب النهضة لتمويلات من قطر إلى جانب تقارير دائرة المحاسبات الصادرة في 2015 حول تلقي أحد المترشحين للانتخابات الرئاسية تمويلاً بـ4.6 ملايين دينار وضع في حسابه الخاص دون الكشف عن اسمه، على حد تعبيرها. كما طالب الحزب في بيان: بالتثبّت من مدى توجيه تمويلات لشبكات تسفير الشباب إلى بؤر التوتر وتتبع المتورطين فيها أحزاباً كانوا أو أشخاصاً، ودعا إلى فتح تحقيق جدي حول التمويلات الأجنبية التي تتلقاها أحزاب سياسية بطرق مختلفة عن طريق جمعيات أو عن طريق إدخال المال خلسة من خلال استغلال النفوذ أو من خلال التحويلات البنكية عبر البنك المركزي والتحري في كل التصريحات والتقارير وغيرها من الشبهات التي تحوم حول الثراء الفاحش والإمكانيات الخارقة للعادة التي تتمتع بها أحزاب تونسية. وقالت زعيمة الحزب عبير موسى: «قمنا بما أملاه علينا ضميرنا تجاه هذا الشعب الذي اعتبرته منظومة ما بعد 14 يناير 2011 بضاعة تباع وتشترى، حيث لم تحترمه الطبقة السياسية المهندسة لكل سمي بالربيع العربي وتفانت في جلب عشرات وربما مئات الملايين من الدولارات لشراء أصواته وبلوغ السلطة بفضل تمويلات مشبوهة من خارج البلاد تم ضخها لتنفيذ الأجندات المرسومة مسبقاً». وأردفت موسي أن «ملف تمويل الأحزاب من الخارج موثق بمؤيدات على مكتب رئيس الحكومة، والكرة في ملعبه ليفتح أهم ملف فساد في تونس والذي أنجرت عنه بقية الملفات المطروحة». الحليف الأبرز يذكر أن حزب حركة النهضة، الذي يمثل الجناح التونسي من جماعة الإخوان، يرتبط بعلاقات وطيدة مع دولة قطر، ويعتبر حليفها الأبرز في تونس إلى جانب حزب «حراك تونس الإرادة» الذي يتزعمه الرئيس السابق منصف المرزوقي. وأشارت تقارير إعلامية إلى أن الحزبين يحظيان بدعم سياسي وإعلامي من حكام الدوحة، فيما نفى القيادي الإخواني راشد الغنوشي ما راج عن حصول حركته على 150 مليون دولار من قطر لتمويل برنامجه في 2011. وتحدث مراقبون عن دعم مالي سخي قدمته قطر لحركة النهضة خلال السنوات الماضية لتنفيذ برامجها الحزبية والتصدي للشارع التونسي الذي عبر في مناسبات عدة عن رفضه لحكم الإسلاميين ومحاولاتهم التمكن من مفاصل الدولة.
مشاركة :