تستمر قطر في اقتناص الفرص الاستثمارية المجدية والصفقات المربحة على المدى البعيد، في تحدٍّ واضح للحصار وتجاهُل لما يمكن أن يعكسه من آثار سلبية كما يظن المحاصرون.وفي تنفيذ تلك الصفقات والاستثمارات الخارجية -وبعضها صفقات كبيرة تقدر بالمليارات- تسعى قطر إلى استثمار الفوائض المالية المتحققة، بما يساهم على المدى المتوسط والبعيد في تعزيز ودعم الاقتصاد الوطني، وباعتباره ادخاراً لمستقبل الأجيال القادمة، وهو ما يحتل سلم أولويات حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، في كل توجهات وسياسات وخطابات سموّه بضرورة أن يكون اهتمام الدولة منصباً بشكل دائم وفي كل خططها وتفكيرها نحو مستقبل الأجيال القادمة. صفقة «كتارا» للضيافة وهي الذراع الاستثماري في قطاع الفنادق والمنتجعات لجهاز قطر للاستثمار، والتي استحوذت بموجبها على منتجع سويسري مقابل مليار دولار قبل بضعة أيام، تجسّد بشكل فعلي وعملي هذه السياسات. فقد استحوذت «كتارا» على منتجع «بيرجنستوك» الذي خضع لعملية تجديد وترميم بالكامل، والواقع على بحيرة لوسيرن السويسرية. ويضم المنتجع 4 فنادق فاخرة من فئة 3 إلى 5 نجوم، ويشمل العديد من المرافق والمباني الأثرية، فيما يوفّر أكثر من 1000 وظيفة. سيولة مالية ويتخذ منتجع «بيرجنستوك» موقعاً استراتيجياً على جبال الألب؛ حيث يرتفع قرابة 500 متر عن بحيرة لوسيرن. وقد تم افتتاح منتجع «بيرجنستوك» أول مرة في عام 1873؛ حيث استضاف العديد من الأشخاص القادمين للاستمتاع في مخبأ أشبه بالمعجزة، للتمتّع بعجائب تقنية السكك الحديدية المعلقة. وتأتي صفقة شركة «قطر سولار تكنولوجي» في برلين، أمس الأول، والتي استحوذت بموجبها على حصة نسبتها 49 % من أسهم شركة «سولار وورلد» الألمانية مقابل 100 مليون يورو، لتؤكد على وجود احتياطيات كبيرة وسيولة مالية متوفرة لدى قطر تستطيع استخدامها في الوقت والزمان المناسبين متى شاءت. ولدى شركة «سولار وورلد» الألمانية قاعدة عمالة يصل تعدادها إلى نحو 1700 عامل، فيما تستهدف الشركة تحقيق إيرادات قيمتها 500 مليون يورو خلال العامين المقبلين. وكان سعادة الشيخ عبدالله بن سعود آل ثاني، محافظ مصرف قطر المركزي، قد أكد في تصريحات صحافية، أن قطر تملك احتياطيات مالية ضخمة تمكّنها من التصدي لأي ظروف تتعلق بالحصار المفروض عليها.وقال: «لدينا سيولة تكفي لمواجهة أي نوع من الصدمات. ولدى قطر احتياطيات كبيرة من العملات الأجنبية تصل قيمتها إلى نحو 40 مليار دولار، فضلاً عن الأصول التي يحظى بها جهاز قطر للاستثمار والبالغة قرابة 350 مليار دولار، معظمها عبارة عن استثمارات عقارية وبنكية وتجارية مختلفة في معظم دول العالم». الخصخصة قطر وبحمد الله، لديها فوائض مالية كبيرة تسعى باستمرار إلى استثمارها بشكل إيجابي كلما سنحت لها الفرصة، لكن في المقابل بعض دول الحصار التي سعت منذ البداية إلى التضييق على الاقتصاد القطري والتأثير سلباً على أدائه، هي ذاتها تعاني اليوم من قلة السيولة والفوائض المالية، مما اضطرها إلى اللجوء لسياسة الخصخصة من أجل الحصول إلى بعض السيولة. فالسعودية ستنفّذ خلال الفترة المقبلة أكبر عملية خصخصة في التاريخ، بعد أن قررت طرح 5 % من شركة «أرامكو» -وهي أكبر شركة للنفط في العالم- للاكتتاب العام الأولي. وتقدّر مصادر مطلعة قيمة الحصة التي سيتم طرحها بـ 100 مليار دولار، ليكون بذلك أكبر طرح عام أولي للأسهم على الإطلاق تشهدها الأسواق العالمية، فيما يصل حجم القيمة السوقية لشركة «أرامكو» إلى حوالي تريليوني دولار. وتتنافس بورصتي لندن ونيويورك بشكل شرس على إدراج أسهم الشركة، بينما لم تحسم السلطات السعودية بعد قرارها في هذا الشأن، ولو أن هناك سعياً للتنافس من بورصات هونج كونج وطوكيو وسنغافورة وتورينتو. تحديات أيا كانت التفاصيل والإجراءات المصاحبة لعمية أكبر طرح عام أولي للأسهم، فإن الخطوة بحد ذاتها تؤشر إلى أن الاقتصاد السعودي يشهد مرحلة صعبة من انحسار السيولة، بل وتراجعها وانخفاضها بشكل كبير وربما غير مسبوق عن أي وقت مضى، مما اضطر السلطات السعودية إلى التفكير في التخلي عن جزء من «الدجاجة التي تبيض ذهباً» كما يصفها البعض، وفي ذلك مخاطرة كبيرة يمكن أن تجرّ أكبر شركة للنفط في العالم إلى أمور مستقبلية مجهولة، ووضع جديد بالنسبة لمجلس إدارة الشركة عندما يدخله أعضاء أجانب قد يقومون بتسريب ونقل أسرار غاية في الأهمية عن الشركة وعملها وصفقاتها. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإنه وبالرغم من كل ذلك، فإن قيام هيئة الرقابة المالية البريطانية بتسهيل الطريق أمام طرح أسهم الشركة السعودية في إطار مساعيها للفوز بإدراج أسهمها في بورصة لندن، قد يضر بمركز مدينة لندن المالي، وفقاً لصحيفة الـ «ديلي تلغراف» البريطانية، التي تقول إن «الهيئة قد فرشت السجادة الحمراء لشركة أرامكو السعودية. وأن مقترح تيسير قواعد إدراج الشركات هو جزء من خطط أوسع تقترحها الهيئة لإصلاح الأسواق المالية في بريطانيا، استعدادا لمرحلة ما بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي». فمثلاً، تقول كريس كامينجز، الرئيسة التنفيذية لرابطة الاستثمار البريطانية، التي تمثّل نحو 200 من المستثمرين الذين يديرون استثمارات بأكثر من 5.7 تريليون جنيه استرليني: «إن الإدراج الممتاز من دون حماية المستثمرين لا يُعدّ إدراجاً ممتازاً، ولن يوفر الحماية التي يتوقعها المستثمرون».;
مشاركة :