لدى السياسيين والإعلاميين، على حد سواء، مقولة يستشهدون بها، عندما يتم الحديث عن تشكيل لجنة للتحقيق، مفادها: إذا أردت قتل أي مشروع فما عليك إلا أن تشكّل له لجنة، فهذا يعني أن تكتب نهايته، لأن العرف السائد في الأدبيات السياسية أن اللجان هي المقبرة الشرعية للتخلّص من مشاريع تشكّل عبئاً على الحكومة أو الذين يناط بهم الالتزام بنتائجها، وتكون في الغالب على حسابهم. مناسبة هذا الكلام، أن في ديرتنا تحصل أحياناً أشياء عكس ما هو متبع، أي إننا قادرون على إثبات الجوانب الإيجابية في مجتمعنا، ولدينا القرار والرجال على أن نأتي بغير ما يتوقعه الناس أو اعتادوا عليه.. بالأمس قرأنا ــــ وبسرور بالغ ــــ أن التحقيق بشأن غرق الشوارع وجسر المنقف الذي حدث في شهر مارس 2017 وأدى إلى خسائر وتعطيل وأضرار، توصل إلى تحميل المقاول خطأ ما حدث بشأن عدم تشغيل المضخات الخاصة بالجسر، إضافة إلى تعويض 24 مواطناً تضرروا جراء السيول التي صاحبت هطول الأمطار. ومن باب التذكير، نقول إن البلاد عاشت يوم 25 مارس 2017 ليلة مفزعة، حيث حوّلت الأمطار معظم الشوارع إلى ما يشبه البحيرات، وحوصرت عشرات العوائل من المواطنين والمقيمين، وبلغت الأزمة ذروتها في المنقف والصباحية، وكانت الأكثر تضرراً بسبب تجمع المياه في نفق الصباحية بارتفاع تجاوز المتر، يومها خرجت الأصوات تطالب بمحاسبة المقصّرين والغائبين عن التأهّب لمثل هكذا حالات، وبعدها رفعت قضايا من قبل مواطنين تضررت أملاكهم وسياراتهم، ثم رفعت وزارة الأشغال تقريراً مبدئياً إلى مجلس الوزراء بشأن «كارثة جسر المنقف»، حيث أشارت في حينه إلى تغيب المقاول ومعه مفاتيح محطات التصريف.. وقيل بعد شهر إن الوزير الجديد للأشغال عبدالرحمن المطوع يواجه هذا الملف كنوع من التحدي لكيفية تعاطيه معه، ووجهت أسئلة نيابية إلى الوزير بهذا الخصوص. أخيراً، وضعت التحقيقات أوزارها بعد طول انتظار وأحيل الملف إلى النيابة وجرى تحميل المقاول المسؤولية نتيجة خطئه وتعويض من تضرر من المواطنين، أي إن النهاية كانت شفافة واتخذ فيها القرار ولم تجر الطمطمة أو وضعها في الأدراج وإخفاؤها نتيجة ضغوط سياسية كما جرت العادة، ومتنفذون يقفون وراءها.. وبعيداً عن أي اعتبار ولا علاقة لنا بالأسماء، سواء من تضرر أو شارك في التحقيق أو خلافه، المهم عندنا هو النتيجة والنهاية التي وصلت إليها لجنة التحقيق. وهذا درس لمن يملك ملفات مشابهة بأن يحذو حذو وزير الأشغال ويشكل حافزاً لهم، كما هو الآن في ملف الشهادات المزورة الذي تتقاذفه الأيدي، من وزير إلى آخر، ومن قيادي إلى آخر، والكل متخوّف من إعلان نتائجه لأن المتضررين أسماء كبيرة ولامعة! والسؤال أيضاً: ماذا بشأن لجنة التحقيق باستجواب رئيس الوزراء؟! وماذا بشأن لجنة تحقيق شركة «الكويتية»؟! وماذا بشأن لجنة تحقيق الجناسي؟! وماذا بشأن لجنة التحقيق في تجاوزات الموانئ؟! وماذا بشأن لجنة التحقيق بنفوق الأسماك؟! وماذا بشأن لجنة تحقيق تجاوزات المكاتب الصحية في الخارج؟! وغيرها العشرات من لجان التحقيق!! د. إبراهيم بهبهانيebraheem26.com babhani26@
مشاركة :