القاهرة: «الخليج»لم تكن الواقعية السحرية مجرد تيار ظهر فجأة، أو نشأ بالمصادفة أو انبثق لمجرد أن كاتباً ما عنّ له أن يدخل في رواية ما أو مجموعة قصصية بعض العوالم الغريبة التي نطلق عليها صفة العجائبية، لكن الواقعية السحرية على العكس من ذلك، ظهرت نتيجة لمجموعة من العوامل الفاعلة والمؤثرة، من بينها عامل التطور الإبداعي، وقد تحدث عن ذلك الناقد خواكين ماركو، حيث رأى أنه من بين المفاجآت العديدة التي انطوت عليها رواية «مئة عام من العزلة» التناول الذي حدث لما هو سحري وما هو عجائبي، وهما أمران كان عصر النهضة الأوروبية قد وقف ضدهما، واعتبرهما من مخلفات العصر الوسيط، عندما نادى بشعار سيادة العقل، لكن العالم السحري على الرغم من ذلك، ظل موجوداً في عناصر فولكلورية عديدة، استمرت بصورة عملية إلى أيامنا الحاضرة. يظهر ذلك العالم السحري بصفة خاصة في الثقافة الشعبية، التي احتفت بالسحر والرقي والتعاويذ، وكانت لها جذورها الممتدة في العصر الوسيط، وقد حورب هذا الاتجاه بشدة من قبل محاكمة التفتيش، وفي عصر التنوير، لكن الاهتمام بهذا العالم السحري الغامض لم ينقطع أبداً.ومن الأشياء المهمة التي يرصدها د. حامد أبو أحمد في كتابه «الواقعية السحرية في الرواية العربية» أن كتّاب أمريكا اللاتينية الذين كتبوا في هذا التيار اعترفوا بأن «ألف ليلة وليلة» كانت جزءاً من تكوينهم، وفي ذلك يقول جارثيا ماركيز في حوار معه نشر عام 1967: «إننا نحن كتاب أمريكا اللاتينية لم ننتبه إلى أن حواديت الجدة تنطوي على أشياء خيالية تفوق الوصف، يؤمن بها الأطفال عندما تحكى لهم ويسهمون في صياغتها وهي أشياء غريبة جداً تبدو وكأنها مأخوذة عن»ألف ليلة وليلة»إننا نعيش محاطين بأشياء غريبة وخيالية في حين أن الكتاب يصرون على أن يقصوا علينا وقائع غير مباشرة ليس لها أهمية».ويذكر ماريو بارجاس يوسا أن أول كتاب عرفه في حياته، وعمره سبع سنوات فقط هو كتاب «ألف ليلة وليلة» وظل أحد ستة أو عشرة كتب يحملها دائماً في أسفاره، أو توضع على مكتبه، ولبورخيس مقال مهم عن مترجمي الليالي إلى اللغات الأوروبية، وهو يعكس مدى اهتمام بورخيس بالليالي، وتأثره بها، سواء في كتاباته النقدية أو في قصصه، ومنها القصة المشهورة «الألف» التي ظهرت في مجموعة تحمل هذا الاسم، وكانت لها أصداء واسعة في جميع أنحاء العالم.الليالي العربية جزء مهم في تكوين الواقعية السحرية، وعلى حد تعبير «أبو أحمد» فإن الجذور التراثية العربية تمنحنا الحق في أن يكون لنا باع طويل في الواقعية السحرية، وهذه الجذور تتبدى في الكتب وأعمال كثيرة، من بينها: «ألف ليلة وليلة كتاب التيجان في ملوك حمير السير الشعبية عجائب الهند رحلة السيرافي كتاب الأغاني»، وغيرها كتب كثيرة تدخل في مجالات السرد بالمفاهيم التي نعرفها الآن، وتفتح المجال للخيال بدون أية عوائق أو سدود، وتغوص في ميادين وعوالم غريبة ومدهشة.التراث العربي زاخر بالروايات والأخبار التي ندرسها الآن لا من باب الصدق أو الكذب، وإنما من وجهة نظر أخرى، تدل ضمن ما يسمى في الغرب بالخلق الفني، أي استخدام الخيال في صنع حكايات وأخبار تدخل في باب الأساطير، على نحو ما نرى في كتاب التيجان، ومن ثم تدخل ضمن الواقعية السحرية بمفهومها الحديث، ولا شك أن كل التيارات والمذاهب والاختراعات في الفنون والعلوم والآداب هي تراث إنساني مشترك، ومن ثم فإن لنا إسهاماتنا البارزة في الواقعية السحرية، لكن مع شرط مهم هو أن نضع الأمور دائماً في موضعها الصحيح.
مشاركة :