الرقابة المستمرة لم تفسد للود قضية مع الـ «سوشال ميديا»

  • 8/29/2017
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

الأرجح أنّ التحدي الذي طرحته الصين في الذكاء الاصطناعي يحرّك أيضاً مجموعة من الأسئلة عنها، إذ يتبادر إلى الذهن سريعاً أنّ الصين واقتصادها، يملكان أبعاداً متشعبّة مع ثورة المعلوماتية والاتصالات المتطوّرة. ويعطي موقع «علي بابا» Ali Baba للتجارة الإلكترونيّة («إي كومِرس»e- commerce) نموذجاً باهراً عن ذلك الأمر، فهو يحتلّ الموقع الأول في ذلك النوع من المواقع، إضافة إلى كونه من أضخم المؤسّسات في الاقتصادين الرقمي والتقليدي. وفي أحد المناحي التي تميّز الصورة الرقميّة للصين، يظهر أيضاً أنّ شبكات التواصل الاجتماعي في بلاد «العم ماو»، ما زالت «مستقلة» عن بقيّة الـ «سوشال ميديا» عالميّاً. ويستدرج ذلك الأمر القول أيضاً بأنّ محركات البحث الصينيّة التي يهيمن عليها محرّك «بايدو» Baidu الشهير، «مستقلة» أيضاً عن محرّكات البحث عالميّاً. واستطراداً، بديهي القول إن هناك من يرى في تلك «الاستقلاليّة» عزلة خانقة خلف «سور الصين الرقمي العظيم» للرقابة الصارمة للحزب الشيوعي الصيني الذي ما زال ممسكاً بالسلطة والنظام والدولة فيها.   ذكرى فشل كلينتون والبنتاغون قبل سنوات قليلة، حاول محرك البحث «غوغل» اختراق ذلك «السور»، وساندته وزيرة الخارجية آنذاك هيلاري كلينتون ولجان في الكونغرس والبنتاغون. وربط الكونغرس والبنتاغون بين السماح لـ»غوغل» بالعمل بحريّة في الصين، والاستمرار في علاقات البلدين تجاريّاً وسياسيّاً. ولم يجد ذلك نفعاً. وانتهت تلك المحاولة إلى فشل ذريع، بل أن الحكومة الصينيّة لم تخف أبداً أنها تتمسك بفرض رقابتها على الانترنت، وقدّمت لذلك ذرائع لا يتسع المجال أمام عرضها ونقاشها. وفي حقل الـ «سوشال ميديا»، تهيمن شركة «تنسنت» Tencent التي يعتقد أنها مجرد واجهة للحكومة الصينيّة، على شبكات التواصل الاجتماعي عبر موقعها «كوزون» Qzone. وتضم شبكة «كوزون» قرابة 640 مليون حساب نشط، وهي الأولى للتواصل بين الناطقين باللغة الصينيّة أيضاً. وإذا كانت شبكات الإعلام الاجتماعي تعني للجمهور العالمي مواقع كـ «فايسبوك» و «تويتر» و «يوتيوب» و «إنستاغرام»، فإنها بالنسبة إلى بلاد «العم ماو»، لا تعني سوى كلمة واحدة: «كوزون»! الأرجح أن ذلك مظهر مكثّف آخر لمعنى العيش المنغلق خلف «سور» رقمي عظيم، بل لعله يفوق «سور الصين العظيم» بما لا يقاس. ووصل عدد سكان جمهوريّة الصين الشعبيّة إلى 1.4 بليون نسمة، يعيش قرابة 65 في المئة منهم في مناطق حضريّة. ويستخدم 642 مليون شخص الإنترنت من داخل الصين، ما يساوي انتشاراً لتلك الشبكة مقداره 47 في المئة، وتستحوذ شبكات الـ «سوشال ميديا» على معظم ذلك الجمهور (قرابة 630 مليون شخص)، ما يمثّل قرابة 46 في المئة من السكان. وإذ تضمّ الصين 1.3 بليون مستخدم للخليوي، ما يساوي 93 في المئة من السكان وهي إحدى أعلى النسب عالميّاً، فإن عدد الحسابات النشطة على الـ «موبايل سوشيال ميديا» يزيد على 520 مليوناً، ما يعني انتشاراً بين السكان بقرابة 40 في المئة، ما يفوق قليلاً المعدلّ العالمي (38 في المئة).   فجوة الاتصال بالموجات في منحىً متّصل، يظهر فارق كبير بين أعداد من يصلون إلى الانترنت عبر الخطوط الأرضيّة الثابتة (75 في المئة) وبين من يتّصلون بها عبر الأجهزة اللاسلكيّة (25 في المئة). ويبعد ذلك قليلاً عن المعدل العالمي للاتصال بالانترنت عبر الأجهزة اللاسلكيّة (38 في المئة). وفي المقابل، تنقلب تلك الصورة إلى عكسها تماماً في استخدام «موبايل سوشال ميديا». إذ سجّل قرابة 550 مليون حساباً نشطاً على تلك الشبكات، من أصل قرابة 630 مليون مستخدم لشبكات التواصل الاجتماعي عموماً. ويعني ذلك ببساطة، أنّ صورة «سوشال ميديا» مرتبطة في شكل وثيق بالأجهزة اللاسلكيّة النقّالة، وليس بالكومبيوتر المكتبي ولا المحمول. في ذلك المعنى، يبدو أنّ ظاهرة التدوين الإلكتروني («بلوغز»)، تراجعت في شكل قوي في الصين. ويتّفق ذلك مع الحرب الطاحنة التي شنّتها الحكومة الصينيّة على المُدوّنات الإلكترونيّة وأصحابها الذين يقبع جزء منهم في السجن، فيما نجحت فئة قليلة منهم في مغادرة البلاد إلى الدول الغربيّة. وتصل المدّة التي يقضيها الصيني على شبكات الـ «موبايل سوشال ميديا» Mobile Social Media إلى قرابة ساعتين وأربعين دقيقة، مقارنة بقرابة 4 ساعات من اتصال الفرد الصيني بالانترنت عبر الأجهزة كافة. ويلاحظ أنّ زمن التواصل الاجتماعي للفرد الصيني عبر الأجهزة كافة، سواء متنقّلة أم ثابتة، يصل إلى ساعة و45 دقيقة، ما يعني أنّ مستعملي الأجهزة المتنقّلة (خليوي، «تابلت»، «لاب توب»...)، يقضون وقتاً أطول على شبكات التواصل، ما ينسجم مع الصورة العامة للـ «موبايل سوشال ميديا». وعلى سبيل المقارنة، لا يقضي الفرد الصيني سوى قرابة ساعة ونصف يوميّاً في مشاهدة التلفزيون! هل تتدخل السياسة والرقابة الحكوميّة الصارمة في ذلك الرقم، بمعنى انصراف الناس عما ربما يعتقدون أنه يُدار من قِبَل السلطة المركزيّة للحزب الشيوعي الصيني؟ لماذا لا تحول الرقابة الحكوميّة الصارمة دون استخدام الصينيين للانترنت على نطاق واسع؟

مشاركة :