هل يجدر بالدولة أن تبيع الفقراء؟ بقلم: عبدالجليل معالي

  • 8/29/2017
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

الخصخصة هي جزء من سياسات الإصلاح الاقتصادي التي ظهرت في بداية الثمانينات وعقد التسعينات، وهي إفراز من إفرازات سياسات التعديل الهيكلي.العرب عبدالجليل معالي [نُشر في 2017/08/29، العدد: 10737، ص(12)]مناهضو الخصخصة يتزايدون في المجتمعات الغربية في أماكن عديدة من العالم، بما في ذلك العالم الموغل في الرأسمالية، تنتظم مظاهرات تعبر عن رفض فئات واسعة للخصخصة ولآثارها الواقعة أو المحتملة. رفض تلك الفكرة ينهل من أدبيات الاقتصاد السياسي التي طالما شددت على دور الدولة في الاقتصاد وصونه وتعديله من جور الرأسمالية المتوحشة. الخصخصة هي جزء من سياسات الإصلاح الاقتصادي التي ظهرت في بداية الثمانينات وعقد التسعينات، وهي إفراز من إفرازات سياسات التعديل الهيكلي، على أن الخصخصة كفكرة لم تكن وليدة تلك اللحظة بل هي أقدم من ذلك، ولكننا نشير إلى بداية الاهتمام وفرضها وإشاعتها في العالم وفي المنطقة العربية. النقاش حول الخصخصة، سواء كان دفاعا أو معارضة، يتمحور حول دور الدولة في الاقتصاد. وكان السؤال هو أي دور اقتصادي للدولة في هذه التحولات الاقتصادية الكبرى؟ وهل يفترض بالدولة أن تنسحب وتتخلى حتى عن القطاعات التي طالما اعتبرت من صميم إشرافها؟ جدير بالتذكير أن الدولة، في العالم العربي خاصة وفي ما عرف بالدول النامية عموما، منذ نشوء دولة الاستقلال أولت أهمية خاصة بالتنمية، خاصة في حقبة الخمسينات والستينات وبداية السبعينات، وحتى في التجارب الاقتصادية الموسومة بالليبرالية كان للدولة الدور المركزي في رسم الخطط التنموية. على أن التخبط والارتجال الاقتصاديين، إضافة إلى المتغيرات الاقتصادية الكبرى التي طرأت على العالم، تضافرت لتسقط فشل الدولة على الفكرة برمتها، ولتفرض نزوعا نحو التقليص من دور الدولة ثم تخليها تماما عن التخطيط الاقتصادي والدور التدخلي التعديلي. مفارقة أولى هنا مفادها أن ربط الفشل التنموي والاقتصادي بدور الدولة، لا ينتبه لكون الفشل نابع من قصور الإدارة الاقتصادية لا من الملكية ذاتها، وأن عشريات القصور التنموي ليست ناتجة من فكرة إشراف الدولة ذاتها بل من السياسات والتطبيقات، وتبعا لذلك وبما أن التشخيص كان خاطئا فمن الطبيعي أن يكون الدواء غير مناسب.التصدي للخصخصة هو تصور يكتسب حججه ومشروعيته باطراد حتى في الدول الرأسمالية نفسها، لأن الرأسمالية المتوحشة تعيش اليوم أزمة خانقة على جميع المستويات أن نخصخص القطاعات الاقتصادية الكبرى، فذلك يعني إدخال قوى السوق وآليات العرض والطلب والمنافسة إلى اقتصاد الدولة، وهو ما سيؤدي بالضرورة إلى نتائج وخيمة تتمثل في محاورها الكبرى في إضعاف دور الدولة، التدخلي والتعديلي، في الإشراف المباشر على الاستثمار، وتبعا لذلك في تفعيل النمو، وهو ما يعني أيضا أن إجراءات الخصخصة تستهدف الفئات الضعيفة وذات الدخل المحدود، عبر إلغاء أو تحديد الدعم الحكومي لبعض السلع والمواد الأساسية، فضلا عن تقليص الإنفاق الحكومي على الخدمات الاجتماعية. ظهرت قراءات كثيرة تشير إلى ضرورة وأهمية الخصخصة في صنع ديناميكية اقتصادية تسرع من نسق الإنتاج وخلق الثروة ومواطن الشغل، والحال أن الخصخصة الرديفة لتقليص تدخل الدولة ومداخيلها، عبر بيع مؤسسات وشركات وطنية تنشط في مجالات مربحة، تزيد من معدلات البطالة لأنها ستنقل الفكر المسير للعملية الاقتصادية من البعد الاجتماعي الذي كان سائدا في الاقتصاد التدخلي وإشراف الدولة، إلى بعد آخر لا يؤمن إلا بالربح وتقليل الكلفة والضغط على العمال وتوسيع هامش الربح، فضلا عن تحرير السوق والركون إلى توريد المنتجات الأجنبية للحلول محل المنتجات المحلية وفرض مفاهيم تنافسية لا تراعي قدرات أو إمكانيات الطبقات المتوسطة الأكثر استهلاكا، فتحرير التجارة الخارجية والتخفيض في التعريفة الجمركية على السلع المستوردة تامة الصنع هي سياسة تلقي بظلالها القاتمة على الصناعة الوطنية المحلية. خصخصة قطاعات مثل التعليم والصحة والنقل، وإخضاعها لقواعد السوق، هما استهداف لقدرات الطبقات المتوسطة والفقيرة، ويمثلان أيضا قطعا للعلاقة بين هذه القطاعات المحورية وبين التنمية من ناحية، وحرمان الدولة من إرساء برامجها التنموية التي كانت تجد في هذه القطاعات مجالا لتطبيقها من ناحية أخرى؛ التعليم بالنسبة للمجالات الثقافية والتنموية، والصحة بالنسبة للأبعاد الاجتماعية، يمثل مقدمة للمشاريع التنموية. فهل يمكن أن تؤمّن المؤسسات الخاصة كل هذه الرهانات؟ ورد في كتاب “رأس المال الاحتكاري” الذي اشترك في تأليفه بول باران مع بول سويزي أن “الأمر الفصل في الكفاءة الاقتصادية هو الإدارة الناجحة التي تنظم الفائض الاقتصادي”، وهذا يعني أن المقولات التي تنطلق منها دعوات الخصخصة من كون إشراف الدولة على الاقتصاد هو قرين للفساد، هي مقولات فاقدة للوجاهة لأن السبب لا يكمن في من يشرف على الاقتصاد بل في كيفية الإشراف ومدى كفاءته. ولا شك أن التصدي للخصخصة، خاصة في قطاعات محددة، ليس رفضا عدميا لليبرالية أو نكوصا حالما إلى الأيديولوجيات الاشتراكية الحالمة، وإنما هو تصور يكتسب حججه باطراد حتى في الدول الرأسمالية نفسها، لأن الرأسمالية المتوحشة تعيش اليوم أزمة خانقة لا حل لها سوى بإيلاء البعد الاجتماعي ما يستحقه من عناية، ولعل اضطلاع الدولة بدورها في التعديل وفي حماية الفقراء وفي فرض قواعد العملية الاقتصادية، هو أولى مراحل تثبيت هذا التصور.

مشاركة :