سمات المنهج الحركي للقرآن الكريم عند سيد قطب

  • 8/29/2017
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

قد يختلف كثيرون في آراء سيد قطب في كتابه في ظلال القرآن، إلا أنه يظل المفكر الإسلامي المهم الذي قدم نظرية متكاملة الأركان للمنهج الحركي للقرآن الكريم، فهو يشرح ويوضح في كتابه أن من حق الإسلام أن يتحرك ابتداء، فالإسلام ليس نحلة قوم، ولا نظام وطن، ولكنه منهج إله، ونظام عالم، ومن حقه أن يتحرك ليحطم الحواجز من الأنظمة والأوضاع التي تغل من حرية "الإنسان" في الاختيار. وحسبه أنه لا يهاجم الأفراد؛ ليُكرههم على اعتناق عقيدته، إنما يهاجم الأنظمة والأوضاع ليحرر الأفراد من التأثيرات الفاسدة، المفسدة للفطرة، المقيدة لحرية الاختيار، من حق الإسلام أن يُخرج "الناس" من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده؛ ليحقق إعلانه العام بربوبية الله للعالمين، وتحرير الناس أجمعين، وعبادة الله وحده لا تتحقق - في التصور الإسلامي وفي الواقع العملي - إلا في ظل النظام الإسلامي، فهو وحده النظام الذي يشرع الله فيه للعباد كلهم، حاكمهم ومحكومه، أسودهم وأبيضهم، قاصيهم ودانيهم، فقيرهم وغنيهم، تشريعاً واحداً يخضع له الجميع على السواء. أما في سائر الأنظمة، في عبد الناسُ العبادَ؛ لأنهم يتلقون التشريع لحياتهم من العباد، وهو من خصائص الألوهية، فأيما بشر ادعى لنفسه سلطان التشريع للناس من عند نفسه، فقد ادّعى الألوهية اختصاصاً وعملاً، سواء ادَّعاها قولاً أم لم يعلن هذا الادعاء. وأيما بشر آخر اعترف لذلك البشر بذلك الحق فقد اعترف له بحق الألوهية، سواء سمّاها باسمها أم لم يسمّها! ويرى قطب أن الإسلام ليس مجرد عقيدة، حتى يقنع بإبلاغ عقيدته للناس بوسيلة البيان. إنما هو منهج يتمثل في تجمع تنظيمي حركي يزحف لتحرير كل الناس، والتجمعات الأخرى لا تمكِّنه من تنظيم حياة رعاياها وفق منهجه هو، ومن ثم يتحتم على الإسلام أن يزيل هذه الأنظمة بوصفها معوقات للتحرير العام، وهذا - كما قلنا من قبل - معنى أن يكون الدين كله لله، فلا تكون هناك دينونة ولا طاعة لعبد من العباد لذاته، كما هو الشأن في سائر الأنظمة التي تقام على عبودية العباد للعباد! ويقول رحمه الله: إن الباحثين الإسلاميين المعاصرين المهزومين تحت ضغط الواقع الحاضر وتحت الهجوم الاستشراقي الماكر، يتحرجون من تقرير تلك الحقيقة؛ لأن المستشرقين صوروا الإسلام حركة قهر بالسيف للإكراه على العقيدة. والمستشرقون الخبثاء يعرفون جيداً أن هذه ليست هي الحقيقة، ولكنهم يشوهون بواعث الجهاد الإسلامي بهذه الطريقة.. ومن ثم يقوم المنافحون - المهزومون - عن سمعة الإسلام، ينفي هذا الاتهام، فيلجأون إلى تلمس المبررات الدفاعية! ويغفلون عن طبيعة الإسلام ووظيفته، وحقه في "تحرير الإنسان" ابتداء. وقد غشى على أفكار الباحثين العصريين - المهزومين - ذلك التصور الغربي لطبيعة "الدين".. وأنه مجرد "عقيدة" في الضمير، لا شأن لها بالأنظمة الواقعية للحياة، ومن ثم يكون الجهاد للدين جهاداً لفرض العقيدة على الضمير! ولكن الأمر ليس كذلك في الإسلام، فالإسلام منهج الله للحياة البشرية، وهو منهج يقوم على إفراد الله وحده بالألوهية - متمثلة في الحاكمية - وينظم الحياة الواقعية بكل تفصيلاتها اليومية! فالجهاد له جهاد لتقرير المنهج وإقامة النظام. أما العقيدة فأمر موكول إلى حرية الاقتناع، في ظل النظام العام، بعد رفع جميع المؤثرات.. ومن ثم يختلف الأمر من أساسه، وتصبح له صورة جديدة كاملة. وحيثما وجد التجمع الإسلامي، الذي يتمثل فيه المنهج الإلهي، فإن الله يمنحه حق الحركة والانطلاق لتسلم السلطان وتقرير النظام، مع ترك مسألة العقيدة الوجدانية لحرية الوجدان، فإذا كف الله يدي الجماعة المسلمة فترة عن الجهاد، فهذه مسألة خطة لا مسألة مبدأ، مسألة مقتضيات الحركة لا مسألة عقيدة.. وعلى هذا الأساس الواضح يمكن أن نفهم النصوص القرآنية المتعددة، في المراحل التاريخية المتجددة، ولا نخلط بين دلالتها المرحلية، والدلالة العامة لخط الحركة الإسلامية الثابت الطويل. ويوضح أن هناك أربع سمات للمنهج الحركي للقرآن الكريم جديرة بالوقوف أمامها طويلاً. ولكننا في هذه الظلال لا نملك إلا أن نشير إليها إشارات مجملة: 1-السمة الأولى: هي الواقعية الجدية في منهج هذا الدين.. فهو حركة تواجه واقعاً بشرياً.. وتواجهه بوسائل مكافئة لوجوده الواقعي.. إنها تواجه جاهلية اعتقادية تصورية، تقوم عليها أنظمة واقعية عملية، تسندها سلطات ذات قوة مادية، ومن ثم تواجه الحركة الإسلامية هذا الواقع كله بما يكافئه، تواجهه بالدعوة والبيان لتصحيح المعتقدات والتصورات، وتُواجهه بالقوة والجهاد لإزالة الأنظمة والسلطات القائمة عليها، تلك التي تحول بين جمهرة الناس وبين التصحيح بالبيان المعتقدات والتصورات، وتخضعهم بالقهر والتضليل، وتعبدهم لغير ربهم الجليل، إنها حركة لا تكتفي بالبيان في وجه السلطان المادي، كما أنها لا تستخدم القهر المادي لضمائر الأفراد.. وهذه كتلك سواء في منهج هذا الدين وهو يتحرك لإخراج الناس من العبودية للعباد إلى العبودية للّه وحده. 2-والسمة الثانية في منهج هذا الدين، هي الواقعية الحركية، فهو حركة ذات مراحل، كل مرحلة لها وسائل مكافئة لمقتضياتها وحاجاتها الواقعية. وكل مرحلة تسلم إلى المرحلة التي تليها، فهو لا يقابل الواقع بنظريات مجردة، كما أنه لا يقابل مراحل هذا الواقع بوسائل متجمدة. والذين يسوقون النصوص القرآنية للاستشهاد بها على منهج هذا الدين في الجهاد، ولا يراعون هذه السمة فيه، ولا يدركون طبيعة المراحل التي مر بها هذا المنهج، وعلاقة النصوص المختلفة بكل مرحلة منها.. الذين يصنعون هذا يخلطون خلطاً شديداً، ويلبسون منهج هذا الدين لبساً مضلّلاً، ويحملون النصوص ما لا تحتمله من المبادئ والقواعد النهائية. ذلك أنهم يعتبرون كل نص منها كما لو كان نصاً نهائياً، يمثل القواعد النهائية في هذا الدين. ويقولون - وهم مهزومون روحياً وعقلياً تحت ضغط الواقع البائس لذراري المسلمين الذين لم يبق لهم من الإسلام إلا العنوان: إن الإسلام لا يجاهد إلا للدفاع! ويحسبون أنهم يسدون لهذا الدين جميلاً بتخليه عن منهجه، وهو إزالة الطواغيت جميعاً من الأرض، وتعبيد الناس للّه وحده، وإخراجهم من العبودية للعباد إلى العبودية لرب العباد! لا بقهرهم على اعتناق عقيدته، ولكن بالتخلية بينهم وبين هذه العقيدة. بعد تحطيم الأنظمة السياسية الحاكمة، أو قهرها حتى تدفع الجزية، وتعلن استسلامها، والتخلية بين جماهيرها وهذه العقيدة، تعتنقها أو لا تعتنقها بكامل حريتها. 3-والسمة الثالثة هي أن هذه الحركة الدائبة، والوسائل المتجددة، لا تخرج هذا الدين عن قواعده المحددة ، ولا عن أهدافه المرسومة، فهو منذ اليوم الأول سواء - وهو يخاطب العشيرة الأقربين، أو يخاطب قريشاً، أو يخاطب العرب أجمعين، أو يخاطب العالمين.. إنما يخاطبهم بقاعدة واحدة ويطلب منهم الانتهاء إلى هدف واحد هو إخلاص العبودية لِلَّه، والخروج من العبودية للعباد.. لا مساومة في هذه القاعدة ولا لين.. ثم يمضي إلى تحقيق هذا الهدف الواحد، في خطة مرسومة، ذات مراحل محددة، لكل مرحلة وسائلها المتجددة. 4 -والسمة الرابعة هي ذلك الضبط التشريعي للعلاقات بين المجتمع المسلم وسائر المجتمعات الأخرى، وقيام ذلك الضبط على أساس أن الإسلام للّه هو الأصل العالمي الذي على البشرية كلها أن تفيء إليه أو أن تسالمه بجملتها فلا تقف لدعوته بأي حائل من نظام سياسي، أو قوة مادية، وأن تخلي بينه وبين كل فرد، يختاره أو لا يختاره بمطلق إرادته، ولكن لا يقاومه ولا يحاربه، فإن فعل ذلك أحد، كان على الإسلام أن يقاتله حتى يقتله، أو يعلن استسلامه. إن المهزومين في هذا الزمان أمام الواقع البائس لذراري المسلمين - الذين لم يبقَ لهم من الإسلام إلا العنوان - وأمام الهجوم الاستشراقي الماكر على أصل الجهاد في الإسلام يحاولون أن يجدوا في النصوص المرحلية مهرباً من الحقيقة التي يقوم عليها الانطلاق الإسلامي في الأرض لتحرير الناس كافة من عبادة العباد، وردهم جميعاً إلى عبادة اللّه وحده وتحطيم الطواغيت والأنظمة والقوى التي تقهرهم على عبادة غير اللَّه، والخضوع لسلطان غير سلطانه، والتحاكم إلى شرع غير شرعه. ومن ثم نراهم يقولون مثلاً: إن اللّه سبحانه يقول: "وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ"، ويقول: "لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ"، ويقول: "وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ، ويقول عن أهل الكتاب: "قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ. فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا : اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ". فالإسلام إذن لا يقاتل إلا الذين يقاتلون أهل دار الإسلام في داخل حدود هذه الدار أو الذين يهددونها من الخارج! وأنه قد عقد صلح الحديبية مع المشركين، وأنه قد عقد معاهدة مع يهود المدينة ومشركيها! ومعنى ذلك - في تصورهم المهزوم - أن لا علاقة للإسلام إذن بسائر البشر في أنحاء الأرض، ولا عليه أن يعبدوا ما يعبدون من دون اللّه، ولا عليه أن يتخذ الناس بعضهم بعضا أرباباً من دون اللّه في الأرض كلها ما دام هو آمن داخل حدوده الإقليمية! وهو سوء ظن بالإسلام وسوء ظن باللّه -سبحانه- تمليه الهزيمة أمام الواقع البائس النكد الذي يواجههم، وأمام القوى العالمية المعادية التي لا طاقة لهم بها في اللحظة الحاضرة، وهان الأمر لو أنهم حين يهزمون روحياً أمام هذه القوى لا يحيلون هزيمتهم إلى الإسلام ذاته ولا يحملونه على ضعف واقعهم الذي جاءهم من بعدهم عن الإسلام أصلاً، ولكنهم يأبون إلا أن يحملوا ضعفهم هم وهزيمتهم على دين اللّه القوي المتين. إن هذه النصوص التي يلتجئون إليها نصوص مرحلية تواجه واقعاً معيناً، وهذا الواقع المعين قد يتكرر وقوعه في حياة الأمة المسلمة. وفي هذه الحالة تطبق هذه النصوص المرحلية؛ لأن واقعها يقرر أنها في مثل تلك المرحلة التي واجهتها تلك النصوص بتلك الأحكام، ولكن هذا ليس معناه أن هذه هي غاية المُنى، وأن هذه هي نهاية خطوات هذا الدين، إنما معناه أن على الأمة المسلمة أن تمضي قدماً في تحسين ظروفها وفي إزالة العوائق من طريقها، حتى تتمكن في النهاية من تطبيق الأحكام النهائية الواردة في السورة الأخيرة، والتي كانت تواجه واقعاً غير الواقع الذي واجهته النصوص المرحلية. إن النصوص الأخيرة تقول في شأن المشركين: "بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكافِرِينَ وَأَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذابٍ أَلِيمٍ إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ". وتقول في شأن أهل الكتاب: "قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ، وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ". فإذا كان المسلمون اليوم لا يملكون بواقعهم تحقيق هذه الأحكام فهم - اللحظة ومؤقتاً - غير مكلفين بتحقيقها - ولا يكلف اللّه نفسا إلا وسعها - ولهم في الأحكام المرحلية سعة يتدرجون معها حتى ينتهوا إلى تنفيذ هذه الأحكام الأخيرة عند ما يكونون في الحال التي يستطيعون معها تنفيذها، ولكن عليهم ألا يلوُوا أعناق النصوص النهائية لتوافق أحكام النصوص المرحلية. وعليهم ألا يحملوا ضعفهم الحاضر على دين اللّه القوي المتين، وعليهم أن يتقوا اللّه في مسخ هذا الدين وإصابته بالهزال بحجة أنه دين السلم والسلام! إنه دين السلم والسلام فعلاً، ولكن على أساس إنقاذ البشرية كلها من عبادة غير اللَّه، وإدخال البشرية كافة في السلم كافة، إنه منهج اللّه هذا الذي يراد البشر على الارتفاع إليه، والاستمتاع بخيره وليس منهج عبد من العبيد ولا مذهب مفكر من البشر حتى يخجل الداعون إليه من إعلان أن هدفهم الأخير هو تحطيم كل القوى التي تقف في سبيله لإطلاق الحرية للناس أفراداً في اختياره. إنه حين تكون المذاهب التي يتبعها الناس مذاهب بشرية من صنع العبيد وحين تكون الأنظمة والشرائع التي تصرف حياتهم من وضع العبيد أيضا، فإنه في هذه الحالة يصبح لكل مذهب ولكل نظام الحق في أن يعيش داخل حدوده آمناً، ما دام أنه لا يعتدي على حدود الآخرين، ويصبح من حق هذه المذاهب والأنظمة والأوضاع المختلفة أن تتعايش وألا يحاول أحدها إزالة الآخر! فأما حين يكون هناك منهج إلهي وشريعة ربانية، ووضع العبودية فيه للّه وحده وتكون إلى جانبه مناهج ومذاهب وأوضاع من صنع البشر العبودية فيها للعباد، فإن الأمر يختلف من أساسه، ويصبح من حق المنهج الإلهي أن يجتاز الحواجز البشرية ويحرر البشر من العبودية للعباد ويتركهم أحراراً في اختيار العقيدة التي يختارونها في ظل الدينونة للّه وحده. والمهزومون الذين يحاولون أن يلوون أعناق النصوص ليّاً ليخرجوا من الحرج الذي يتوهمونه في انطلاق الإسلام وراء حدوده الأولى ليحرر البشر في الأرض كلها من العبودية لغير اللّه، ينسون هذه الحقيقة الكبرى، وهي أن هناك منهجاً ربانياً العبودية فيه للّه وحده يواجه مناهج بشرية العبودية فيها للعبيد! إن للجهاد المطلق في هذا الدين مبرراته النابعة من ذات المنهج الإلهي فليراجعها المهزومون الذين يحملون هزيمتهم وضعفهم على هذا الدين، لعل اللّه أن يرزقهم القوة من عنده، وأن يجعل لهم الفرقان الذي وعد به عباده المتقين. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مشاركة :