بدأ مجدى العمروسي مُقدمة كتابه «أعز الناس» عن عبدالحليم حافظ، قائلاً:«عبدالحليم لم يكُن صديقًا لقادة الثورة، بقدر ما كان صديقًا للثورة نفسها ذاتها، وأى حب أو صداقة أو علاقة اندفاع تجاه أى من رجالات الثورة وقادتها، كان من أساسياته ودوافعه والمحرك لهُ، حبه للثورة وتجاوبه مع مفهومها وأهدافها وجوهرها ومبادئها التى ظهرت بها، منذ أن اعتبر عبدالحليم نفسه ابنًا من أبنائها وأحد مظاهرها». كان المُشير، عبدالحكيم عامر، أحد رجال الثورة التى أحبّها عبدالحليم حافظ، وجمعتهما سويًا علاقة فريدة، كانت قوية أحيانًا وبعيدة أحيانًا أخرى، حيث كتب، منير عامر، في سلسلة نشرتها مجلة «صباح الخير»، يقول:«عبدالحكيم عامر يكاد يمثل الجسر الأساسي بين ثورة 23 يوليو وبين عبدالحليم حافظ، ولم يهتز هذا الجسر إلا بعد واقعة الخلاف الشهيرة بين سيدة الغناء العربي، أم كلثوم، وبين حليم في الاحتفال بذكرى الثورة المصرية عام 1964، فقد وقفَ عامر حينها بشكل واضح مع أم كلثوم». كان عبدالحكيم عامر هو الأكثر قربًا من عبدالحليم حافظ، فهو الذى أزال العقبات أمام سفر حليم في رحلته للعلاج بأمريكا بعد يوليو 1963، وقام بنفسه بعمل الإجراءات الإدارية للسفر، ويُقال أيضًا إن الثورة هى السبب الحقيفي وراء وجود حليم، حتى أن ظهوره كان في نفس اللحظة التى أعلن فيها عن ميلاد الجمهورية، وقد استفاد من رغبة الثورة في أنّ يعبر عنها، ولكن تقربه كان من خلال حفل أٌقيم في الجزائر، وفقًا للكاتب، كمّا كان عبدالحليم يتواجد بشكل مكثف في مكتب المشير، واستمرت بينهما العلاقة حتى حدوث أزمة أم كلثوم عام 1964، ولكن استمرت العلاقة بينه وبين شمس بدران الذى توسط للصلح بينه وبين أم كلثوم، حيث وفر للعندليب مسرح الإسكندرية ليغنى فيه أغنية «يا أهلاً بالمعارك».عبد الحليم حافظ يا اهلآ بالمعارك ٢٣ يوليو ١٩٦٥ No Description وفي كتاب «الفنانون والمخابرات» للكاتب، طاهر البهي، يقول إن «عبدالحليم قد حقق بعض المكاسب من خلال علاقته بالمشير، منها مثلاً شقة الزمالك التى عاش فيها حتى أيامه الأخيرة، وأحيانًا كان يطلُب من المشير تسهيل شراء سيارات (نصر) لبعض أقاربه ومعارفه»، وعلى الصعيد الفني، كان عبدالحليم يساعد زملاءه من الفنانين في طلب موعد من عبدالناصر، وكان كل ذلك يتم من خلال علاقته بالمشير. وفي السياق نفسه، تكسّرت العلاقة بين حليم والمشير على أعتاب أزمة حليم مع السيدة أم كلثوم، بعدما لاحظ حليم وقوف المشير بقوة إلى جانب كوكب الشرق، وانحيازه لرغبتها في اختيار الموعد المتميز الذى رأته، يحقق انتشارًا أفضل لأغنيتها الوطنية والعاطفية مع الاستئثار بإذن ضيوف الحفل الكِبار، وعن ذلك الخلاف بين مشير وحليم، يقول مجدي العمروسي:«كانت ليلة 23 يوليو تقام فيها حفلة ينظمها الجيش، ضيف الشرف فيها هو جمال عبدالناصر، والداعى فيها عبدالحكيم عامر نيابة عن الجيش، وكان يُدعى لإحياء مثل هذه الحفلات الصفوة من الفنانين وعلى رأسهم أم كلثوم وعندليب الغناء». وأضاف:«كان ترتيب الحفل أن تغني سيدة الغناء أغنيتها الوطنية، ثم تحضر العشاء مع عبدالناصر ومعها عبدالوهاب وعبدالحليم، ثم الساعة 12 يغني عبدالحليم في الوقت المميز»، وفي عام 1964، أعدّت أم كلثوم قصيدة وطنية، وأرادت أن تأخذ الموعد الذى اعتاد عبدالحليم الغناء فيه، فقالت للمشير:«المسرح حر جدًا، وليس به تكييف، وأنها تتعب من التأخير وأضافت حسب رواية مجدى العمروسي (أنا عاوزه أغني أغنيتي الوطنية وبعدها العاطفية وأروّح، وأترك لكم المسرح بعد ذلك أنتم أحرار فيه». وعندّما صعد عبدالحليم على المسرح، كان غاضبًا بشدة وبعدما انتهى من الغناء، قال:«إنه شرف عظيم أن يختم أى مطرب حفلاً تغنى فيه سيدة الغناء، أم كلثوم، ولكن اللى أنا مش متأكد منه، إن كان ده شرف ولا مقلب من أم أكلثوم»، وفي اليوم التالي، تم إبلاغ حليم بأن المشير عامر يريد رؤيته في المعمورة، وما إنّ شاهده، حتى قال:«إيه اللى إنت قولته إمبارح ده؟ هى أم كلثوم اللى بتنظم الحفل واللا الجيش؟». وعندما حدث ذلك، كاد حليم أن يبكي وهو يسمع هذه النبرة من المشير، وردّ عليه قائلاً:«شوف يا فندم أنا مطرب صغير، وسيادتك الرجل الثاني في مصر، ممكن تمنعني من الغناء، توديني السجن الحربي، ممكن تخرجني من مصر، لكن لا يمكن أبدًا سيادتك أو أى مخلوق يقدر يخلينى أنزل عن كرامتى وأعتذر لأى مخلوق مهما كان، ولو كانت الست أم كلثوم». ونادى عبدالحليم على صديقيه:«يالا يا مجدي، يالا يا على وخرجوا جميعًا من الغرفة وسط صياح المشير (يا شمس يا شمس، حوش المجنون ده»، وفي العام التالى 1965، اختار المشير، أم كلثوم، لتحيي عيد الثورة منفردة بدون حليم، وردّ عبدالناصر بتنظيم حفل خاص في الإسكندرية لحليم. ورغم ما حدث بين المشير وعبدالحليم إلا إن حليم لم يتركُه وقت أزمته مع عبدالناصر، كان يزوره دائمًا في فيللته بالجيزة عندما تحولت إلى ترسانة مسلحة. وفي حوار نُشر في «المصري اليوم»، سنة 2008، مع الإذاعي وجدي الحكيم، قال إن عبد الناصر لم يكن متحمسًا إطلاقًا لعبد الحليم ففي عصر عبد الناصر كان عبدالحليم ملء الآذان والأسماع لكنه كان يعامل معاملة الكومبارس، فكان وهو مريض ويريد أن يسافر يذهب للمصنفات الفنية ليستخرج شهادة يحصل بها علي تأشيرة للسفر للعلاج. وأضاف:«هناك ٣ أزمات واجهها عبد الحليم لم ينصفه فيها عبدالناصر.. أول أزمة عندما استدعاه صلاح نصر وهدده لأنه كان مستاء من علاقة عبدالحليم بالملك فيصل (وكانت العلاقة بين الملك فيصل وعبدالناصر متوترة في ذلك الوقت) وبسبب زياراته المتكررة لمصطفي أمين في السجن، ويوم وصله الاستدعاء اتصل بي وسألني عن أرقام تليفونات رؤساء تحرير الصحف العربية واتضح فيما بعد انه اتصل بكل رؤساء التحرير وأخبرهم بأمر الاستدعاء وقال لهم (أنا رايح لصلاح نصر لو ما رجعتش تبقوا إنتو عارفين اللي فيها) وقبل ما يوصل المخابرات كانت الدنيا اتقلبت وقابله صلاح نصر بألفاظ بذيئة ووصل الخبر لعبد الحكيم عامر فاتصل بصلاح نصر وحذره من المساس بعبدالحليم بينما عبدالناصر لم يتحرك». وأكمل كلماته بـ:«ومع أن عبدالحليم كان يقصد عبد الوهاب ولم يكن يقصد أم كلثوم إلا أنها رفضت بعد ذلك أن تشترك في أي حفلات مع عبدالحليم وساندها في ذلك عبدالناصر، فبرغم شعبية عبدالحليم الجارفة إلا أن عبد الناصر لم يعطه فرصة واحدة للغناء في احتفالات ٢٦ يوليو.
مشاركة :