الكاتب الذي يستنزف عمره في تجويد عمله الإبداعي لبلوغ مستوى فني مرموق، يقدم جهد عمله لدور النشر التي تحصد أرباح بيع الكتاب ولا يحصل هو على أي مردود سوى بضع مقالات نقدية وعروض صحفية لكتابه.العرب لطفية الدليمي [نُشر في 2017/08/30، العدد: 10738، ص(14)] الأدب ليس مهنة للعيش، والأدب ليس هواية أناس مترفين، الأدب شيء آخر تماما، قد يكون مهنة تدر المال لدى قلة من كُتّاب عالمنا الذين لا يشكلون ربما سوى نسبة ضئيلة من كتاب عالمنا، وقد يكون الأدب هواية لمتبطل مترف يشغل وقته في كتابة مذكرات ركيكة يعيد تحريرها وتجويدها (كاتب شبح)، يمنحها ألقا إبداعيا ويعززها بوقائع درامية مختلقة تضفي أهمية على الكتاب ويتقاضى أجراً يخفف من عوزه، أما الشهرة فينالها المتبطل المترف. لا يصلح الأدب باعتباره فعالية ذهنية وتخييلية في الغالب ليصبح مهنة يعتاش منها الكاتب، فنادرا ما نجد أدباء يقتاتون على ما تدره كتبهم من أموال، وحتى في البلدان القارئة التي تؤمن حقوق الكُتّاب لا نجد سوى القلة من الأدباء الأحياء يعيشون من ريع كتبهم التي تبيع ملايين النسخ، وفي مقدمة هؤلاء تقف جي. كي. رولنغ كاتبة هاري بوتر التي حظيت بالملايين جراء نشر رواياتها الفانتازية وتحويلها للسينما ومعها الكاتب ستيفن كنغ ملك روايات الرعب الذي صرّح مرة بأن رصيده يزداد عشرة ملايين دولار أسبوعيا من أرباح إعادة طبع رواياته التي ترجمت إلى خمس وثلاثين لغة، إضافة إلى دان براون الذي يتبرع بالملايين للأعمال الخيرية من أرباح روايات الإثارة البوليسية التي يكتبها وتتحول إلى أفلام سينمائية، لا يعني كون هؤلاء في مقدمة الكتّاب على قائمة أعلى المبيعات أنهم الأفضل بين كتاب زمننا، أبدا؛ فموضوعة “البيست سلرز″ لا تعتمد الجودة والمستوى الفني، بل تتحكم بها التجارة وذائقة جمهور واسع من القراء الذين يعشقون قصص السحر والإبهار المفرط والأعمال البوليسية المثيرة المعتمدة على البحوث التاريخية والعلمية واستخدام التقنيات المتطورة. يذكر الباحث الفرنسي “برنار لاهير” في دراسة له بعنوان “وضعية الأدب- الحياة المزدوجة للكُتّاب” أن معظم الكُتاب ممن نشروا ما بين كتابين إلى سبعة كتب لا يعيشون من مردود كتبهم بل إنهم مرغمون على العمل في مهن مختلفة لتوفير تكاليف العيش وهي مهن متعددة قد تكون لها علاقة أو صلة ما بعالم الكتابة كالتعليم والصحافة والترجمة وتصحيح بروفات الطباعة في دور النشر أو التخصص بكتابة عروض الكتب الصادرة حديثا للملاحق الثقافية. ففي فرنسا التي يصدر فيها نحو 60 ألف كتاب سنويا لعشرات الآلاف من الكُتّاب لا يصل إلى مستوى الكتاب الأكثر مبيعا إلا خمسة عشر كاتبا فقط. وفي بلداننا لا يحقق التفرغ للكتابة الإبداعية عيشا كريما للأديب فليس من كاتب عربي بلغت مبيعات كتبه عتبة الثلاثين ألف نسخة، وحتى لو بلغت مبيعاته هذا الحد فإن الأرباح ستكون من حصة دار النشر وحدها إلا إذا كان الكاتب بشهرة نجيب محفوظ مثلا أو كان هو الناشر والكاتب وهي حالة نادرة لم تحدث إلا مع واحد أو اثنين من الكتاب العرب. ويتماثل واقع الكاتب العربي مع أوضاع مجتمعاتنا المزرية، فالكاتب الذي يستنزف عمره في تجويد عمله الإبداعي لبلوغ مستوى فني مرموق، يقدم جهد عمله الذي أمضى في إنجازه عاما أو اثنين لدور النشر التي تحصد أرباح بيع الكتاب ولا يحصل هو على أي مردود سوى بضع مقالات نقدية وعروض صحفية لكتابه، وقد ينجح الكتاب فتعيد دار النشر طبعه مرارا دون أن يحصل الكاتب على أي ربح غير نسخ معدودة من كتابه، هذه هي الحقيقة التي تدفع الأدباء للعمل في مهن أخرى من أجل قوت يومهم وقد يدفع معظمهم ثمن طباعة كتبهم. كاتبة عراقيةلطفية الدليمي
مشاركة :