في منتصف الشهر الجاري، وافق مجلس الوزراء على مشروع مرسوم بتشكيل المجلس الأعلى للتخطيط والتنمية برئاسة سمو رئيس مجلس الوزراء، ورفعه إلى سمو الأمير. وكما جرت العادة عند الإعلان عن أي تشكيل حكومي عالي المستوى، تعالت الاصوات المعارضة للتشكيلة لأسباب مختلفة: منها ما هو مرتبط برغبة بعض الجماعات في ترسيخ حالة الاحباط واليأس في المجتمع، كما أن بعض الكتل تعاني من أحقاد شخصية تجاه أحد أعضاء المجلس الأعلى، وهناك من ينتقد لأنه لم يجد اسمه في التشكيلة، فضلا عن من لديه مبرراته الموضوعية. وأنا أيضا لدي بعض الملاحظات السلبية على التشكيلة الجديدة للمجلس الأعلى، ولكنني أرى عدم جدوى طرحها ومناقشتها في هذا المقال، بعد موافقة مجلس الوزراء على التشكيلة. ولكنني في الوقت ذاته، أرى في المجلس الأعلى الجديد العديد من نقاط القوة ومنها التنوع الواسع في مؤهلات وخبرات اعضائه، فتجد بينهم المهندس والاقتصادي وحملة شهادات عليا، بل أن بينهم من يحمل أكثر من شهادة دكتوراه. وفيهم من عمل في التخطيط والتنمية، ومن عمل في رسم وتنفيذ سياسة الدولة الخارجية، ومن عمل في الاستثمارات بتشعيباتها، ومن عمل في الصناعات النفطية وغير النفطية. وبينهم من كان عضوا في مجلس الامة لدورة واحدة أو أكثر، ومن حمل حقيبة أو حقائب وزارية في حكومات متعددة. لذلك أرى أن المجلس الأعلى يمتلك المقومات المطلوبة لرسم سياسات ناجعة ثم تقويمها، واقتراح خطط تنمية قابلة للتنفيذ ثم ترشيدها، فضلا عن زيادة فعالية الاستراتيجيات التنموية من خلال تقديم التوصيات المناسبة إلى مجلس الوزراء ثم رصد نتائج تطبيقها. والتشكيلة الجديدة ضاعفت من احتمالات اقرار مشروع تطوير الجزر الخمس وإحياء طريق الحرير بنسخته الصينية المحدثة، وإدراجه ضمن المشروعات الاستراتيجية المصممة لتحقيق رؤية «كويت جديدة 2035» التي تتضمن استعادة الدور الريادي الاقليمي للكويت كمركز مالي وتجاري، وإرجاع الدور المفصلي للقطاع الخاص في قيادة التنمية الوطنية، وإعادة رسم خريطة أدوار الحكومة وأجهزتها ومؤسساتها. هناك مقومات أخرى تزيد من فرص تبني مشروع الجزر الخمس من قبل المجلسين، تأتي في مقدمها النشاط التمهيدي المكثف للمشروع. فإلى جانب النشاط الاعلامي التسويقي المكثف، زار وفد صيني البلاد لمدة اربعة أيام في يوليو الماضي، ضم عددا من كبار الخبراء من جهات حكومية معنية بالبنى التحتية والمشاريع العملاقة، كان من بينها بنك التنمية الصيني ومجلس الدولة للتنمية والإصلاح ومعهد التخطيط المدني والجمعية الصينية لمناطق التنمية وشركة المواصلات الحكومية ومجموعة الطاقة الدولية الصينية. هناك تطور واضح في فلسفة التخطيط التنموي في الكويت، حيث تم ربطه بالأمن الوطني الشامل عبر بوابة الديبلوماسية الاقتصادية. ومشروع الجزر الخمس خير مثال على مساعي ترسيخ الاستقرار في منطقة شمال الخليج من خلال استرجاع العلاقات الاقتصادية المتميزة مع الجارتين ايران والعراق واستحداث شراكة تنموية شاملة مع دولة عظمى، هي الصين. على الجانب الآخر من نهر التنمية الوطنية الشاملة، على ضفة الهواجس، تقف خشيتي من أمور عدة، من بينها أن تكون المستجدات التنموية الأخيرة والمنظورة سببا لتفاقم الخلل في العلاقة النسبية بين ركائز رؤية 2035، وأخص بالذكر الموقع النسبي للركيزة التنموية الخاصة بتوفير رأس مال بشري إبداعي. ففي البعد الزمني، يجب أن تكون هناك أسبقية لهذه الركيزة على غيرها لأنها معنية بتوفير القوى العاملة المطلوبة لتحقيق الركائز الأخرى. وعلى نطاق الخطط الاستراتيجية المشمولة في الرؤية، يفترض أن يراعى التكامل والتناغم بين ركيزة الثروة البشرية مع المشاريع في الركائز التنموية الأخرى. فعلى سبيل المثال، ينبغي أن توفر عقود تلك المشاريع مواقع لتدريب طلبتنا، ودرجات وظيفية لانتداب اعضاء هيئة التدريس والكادر المعاون - لأشهر - خصوصا المنتسبين منهم إلى جامعات التعليم التطبيقي. كما يجب مضاعفة البحوث العلمية والاستشارات التخصصية والفحوصات المختبرية في مؤسسات التعليم العالي بدرجة تمكن الجامعات من مواكبة وخدمة الأنشطة في تلك المشاريع، والمساهمة في تنمية وتنويع الاقتصاد الوطني. هذا التحول في مكانة الجامعات الأكاديمية والتطبيقية لا يمكن أن يتحقق ما لم يتم ربط مواردها المالية بالخدمات التي تقدمها للمجتمع من قبيل التدريس والبحوث والدراسات والاستشارات والفحوصات والدورات. مداخيل أي جامعة - حكومية كانت أم خاصة - يجب أن تتناسب طرديا مع الخدمات التي تقدمها كما وكيفا، فتزيد مداخيلها كلما استقبلت أعدادا أكبر من الطلبة، وأعداد الطلبة المستجدين الذين يقبلون عليها يزداد كلما زاد الطلب على خريجيها في أسواق العمل. هذا التحول في ميزانية الجامعات الحكومية يجب أن تديره وزارة التعليم العالي لتفادي ظهور جامعات كرتونية. من جانبي، أوصي وزارة التعليم العالي بدراسة تطورعلاقة الحكومة البريطانية بجامعاتها، والاستفادة منها في صياغة العلاقة المستقبلية بين الوزارة والجامعات الحكومية... «اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه». abdnakhi@yahoo.com
مشاركة :