لبنان ينفذ إصلاحات مؤجلة في ظل تصاعد الدين العام بدأت الحكومة اللبنانية بتحريك الملفات الاقتصادية المشلولة منذ سنوات، بعد أن أصبحت الإصلاحات الاقتصادية ضرورة ملحة في ظل ارتفاع الدين العام المتراكم إلى أحد أعلى مستويات الديون السيادية في العالم.العرب ليزا بارينغتون [نُشر في 2017/08/31، العدد: 10739، ص(10)]اقتصاد متهالك ومحاصر بالأزمات الإقليمية بيروت – بدأت الحكومة اللبنانية بتطبيق إصلاحات لدعم اقتصادها الهش بعد سنوات سيطرت فيها حالة من الشلل على عملية صنع القرار. ويرى محللون أن الإصلاحات أصبحت ضرورة ملحة للحيلولة دون خروج الدين العام المتزايد عن السيطرة. وكان الرئيس ميشال عون الذي انتخب العام الماضي، قد وقع الأسبوع الماضي قانون زيادات أجور القطاع العام وزيادات ضريبية لتغطية تكلفتها، في إطار سلسلة من الخطوات الحكومية التي دفعت وكالة موديز للتصنيف الائتماني إلى رفع تقديرها للنظرة المستقبلية للبنان من سلبية إلى مستقرة. غير أن تقديرات وزارة المالية تشير إلى أن هذه التدابير لن يكون لها أثر يذكر على الموازنة أو عبء الدين الذي يمثل ثالث أعلى مستوى للدين من حيث معدله إلى الناتج المحلي الإجمالي، وهو أيضا السبب الرئيسي الذي دفع وكالة موديز لتخفيض تصنيف لبنان الائتماني.وسام الحركة: الأمل أن تبدأ الحكومة في معالجة القضايا الكبرى بنفس الجدية والفاعلية ويطالب الاقتصاديون بإجراء إصلاحات أخرى لزيادة الإيرادات والحيلولة دون ارتفاع الدين، بما في ذلك إقرار ميزانية وإصلاح قطاع الكهرباء الذي يحظى بدعم كبير من الدولة وزيادة الضرائب على الوقود وإصلاح عملية تحصيل الضرائب وتحسين مناخ الاستثمار. وقال وسام الحركة الخبير الاقتصادي في البنك الدولي إنه ينبغي “تشغيل الحكومة وتحريك المؤسسات. الأمل أن يبدأوا في معالجة القضايا الكبرى بنفس الجدية والفاعلية”. وقبل انتخاب عون في 31 أكتوبر من العام الماضي ظل لبنان قرابة عامين ونصف العام بلا رئيس للدولة وذلك لعجز البرلمان عن الاتفاق على مرشح. ومنذ ذلك الحين، أخذت حكومة رئيس الوزراء سعد الحريري عدة خطوات لتحسين الاستقرار ودعم الاقتصاد بالموافقة على تشريعات ترمي لتنشيط تطوير صناعة النفط والغاز وإقرار قانون للانتخابات يمهد السبيل لإجراء انتخابات برلمانية العام المقبل. وقالت وكالة موديز إن “النظرة المستقبلية المستقرة تعكس العودة إلى حكومة تؤدي وظائفها بالكامل وهو ما سيدعم تطور زخم الإصلاح”. وتأثر النمو الاقتصادي سلبا في السنوات الست الأخيرة بالحرب الدائرة في سوريا والانقسامات السياسية، وقال مسؤولون إنه انخفض لأقل من واحد في المئة سنويا من ثمانية في المئة في المتوسط قبل الحرب السورية. وقد ارتفع الدين اللبناني بشدة منذ بدأت الحرب الأهلية في سوريا عام 2011. وتقول موديز إن معدل الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي الذي يبين قدرة البلاد على سداد الدين سيصل إلى ما يعادل 140 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في العام المقبل، وهو أحد أعلى مستويات الدين السيادي في العالم. وخفضت موديز السبت تصنيف لبنان الائتماني من “بي 2” إلى “بي 3”، لكنها قالت إنه “من غير المرجح أن تؤدي الإصلاحات الأخيرة في الموازنة إلى خفض العجز في العامين الحالي والمقبل… وسيتطلب الأمر المزيد من التدابير لتغيير المسار التصاعدي للدين”. وفي ضوء انخفاض الإيرادات والنمو يعتمد لبنان على ودائع ملايين المغتربين اللبنانيين في البنوك المحلية. وتشتري البنوك إصدارات الدين الحكومي التي تمول العجز المتنامي في الميزانية والدين.جاربيس إيراديان: زيادات الضرائب قد تسفر عن بعض الضغوط التضخمية مؤقتا لكنها ضرورية غير أن الودائع حساسة للمخاطر السياسية. ويقول الاقتصاديون إن الحكومة تحتاج لتوليد إيرادات أعلى وزيادة النمو لدفع الاقتصاد للوقوف على أرضية صلبة. وقال خبير البنك الدولي وسام الحركة إن مدفوعات الفوائد على الدين في العام الماضي التهمت نحو 48 بالمئة من إجمالي إيرادات الدولة ارتفاعا من 38 بالمئة في عام 2014. ومع إنفاق مبالغ كبيرة على دعم قطاع الكهرباء العتيق لا تبقى للحكومة أي إيرادات تذكر لتطوير البنية التحتية المتهالكة لشبكات المياه والاتصالات والطرق وغيرها، والتي يمثل تطويرها أمرا ضروريا لتشجيع الصناعة المولدة للضرائب والنمو. ويريد صندوق النقد الدولي أن تعمل الحكومة على رفع الضرائب وبخاصة على الوقود وتعزز الالتزام بتسديد الضرائب بما يقضي على نمو الدين، غير أن مجتمع الأعمال في لبنان يقول إن الزيادات المقترحة ستضعف النمو. وقال جاربيس إيراديان كبير اقتصاديي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في معهد التمويل الدولي إن هذه الزيادات قد تسفر عن بعض الضغوط التضخمية في الأجل القصير لكنها ضرورية. وأضاف أنه مقارنة مع دول مثل تركيا والمغرب والأردن فإن “الضرائب في لبنان منخفضة”. وفي غياب القيادة السياسية أدار مصرف لبنان المركزي السياسة في هدوء، فاستخدم حزما تحفيزية وعمليات هندسة مالية مكلفة للحفاظ على استقرار الاحتياطيات الأجنبية واستمرار النمو. وقال رياض سلامة حاكم المصرف إنه سيعمل على تثبيت الاستقرار ما دام الأمـر يتطلـب ذلـك لكـي تصبح الحكــومة أكثـر كفـاءة وتقــر ميـزانيـة وتعـالج العجـز الهيكـلي. وتؤكد مصادر مالية أن الثقة في سلامة عالية، لكن الاقتصاديين والمصرفيين يقولون إن البنك المركزي لا يمكنه تحمل العبء إلى ما لا نهاية. ويرى وسام الحركة أنه “دون تدخل الحكومة بإصلاحات هيكلية فإن سياسات البنك المركزي وحدها لا يمكن أن تحل القضايا الهيكلية في الأجل الطويل”.
مشاركة :