"أضر شيء على الإنسان هو الجهل.. وأضر آثار الجهل هو الخوف".. الكواكبي. كنت أستمع إلى المذياع في سيارة أجرة وقد كان المذيع يسأل سؤالاً عن مدرسة في مدينتي بُنيت في عهد الاستعمار البريطاني، وسُميت باسم الحاكم الإنكليزي للمدينة، ولم أعرف الجواب.. لم أعرف المدرسة المقصودة التي اتضح أنها من أكبر وأشهر مدارس المدينة، فكرت كم أنا جاهلة حقاً.. ولكن أليس هذا هو المطلوب؟! التجهيل في بلادنا سياسة، وهو يحصل بشكل ممنهج بالذات فيما يخص التاريخ.. وأنا أقول التاريخ؛ لأنه -بجانب الدين- الحقل الأوسع للتزوير والتحريف والتلاعب.. فهم يدّرسون التاريخ بشكل انتقائي فج، ويظهرون منه ما يتماشى مع سياساتهم ورغائبهم ورؤيتهم للأمور حتى ولو كان ذلك باقتطاع الأحداث من سياقها، وهم بهذا لا يخونون التاريخ فحسب، بل يصادرون حق الناس في معرفة صحيحة للماضي معرفة تؤهلهم لفهم الحاضر ومشاكله، مما يساعدهم في حلها، بمعنى آخر سياسة التجهيل هذه جريمة، وهي سبب مهم في كمّ المصائب التي نكتوي بنارها. خذ مثلاً الشيعة.. أكاد أزعم أن أكثر من 90% من أهل السنة لا يعرفون عنهم ولا عن مظلومياتهم المدعاة شيئاً. لدينا حركات منهم تقاتل في العراق وسوريا الآن ثأراً للحسين، ومعظمنا لا يعرف عن كربلاء ولا عن قتل الحسين إلا النزر اليسير. والأمر نفسه ينطبق على القوميات والإثنيات العِرقية المختلفة في بلادنا، فهؤلاء أيضا لا نعرف عنهم شيئاً.. لا عن تاريخهم ولا ثقافاتهم ولا لغاتهم ولا طموحاتهم.. كم واحداً منا يعرف عن الأيزيديين أو الأمازيغيين أو الشركس مثلاً؟ قُل الأمر نفسه عن الأديان الأخرى.. فالذي نعرفه عن معتقداتهم ليس بالكثير. عشنا عقوداً ونحن في أوهام لذيذة ساذجة عن منطقة ذات طيف واحد ولون واحد وحلم واحد ومصير واحد مشكلتها الوحيدة هي إسرائيل، حتى جاء غزو العراق وثورات الربيع العربي؛ لتكشف عن كل الوحوش التي كانت تربض في فناءاتنا، ونحن آخر مَن يعلم.. جاءت لتفجعنا بكمّ التشظي الذي نحياه ونحن غافلون.. جاءت لتصفعنا بكم الأطياف والألوان والأحلام والمصائر التي تموج بها منطقتنا.. جاءت لتُعرّي جهلنا بواقعنا ومعطياته.. الجهل الذي يكاد أن يودي بنا جميعاً؛ لأنه سبب في رسم مستقبل وواقع لمنطقتنا ضد تطلعاتنا ومصالحنا، والذي نكاد نفقد وجودنا كأمة كنتيجة له. غادرت سيارة الأجرة وأنا أفكر بكم المعلومات التي نجهلها.. عن أنفسنا وبلدنا ومنطقتنا وتاريخنا وما يخص أعداءنا كذلك.. ثقافتهم وتاريخهم ومنطلقاتهم وخططهم.. هذا فضلاً عن العلوم والمعارف المختلفة التي تتزايد باطراد. وأخذت أُسائل نفسي كيف السبيل للإلمام بهذا كله؟ هل نحن مطالبون بمعرفة كل شيء أو على الأقل شيء ما عن كل شيء؟ ومتى يتسنى للمرء أن يقول بأنه يمتلك المعرفة وكل إنسان جاهل بأمور كثيرة؟ كل ما أعرفه أن هذه مسؤولية كل منا تجاه نفسه ووطنه وأُمته، وأن المعرفة محيط كبير ينقضي عمر المرء وهو يسبح فيه، وواهِم مَن يظن أنه قد يصل إلى الشاطئ يوماً. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
مشاركة :