تدوينة غاضبة للسبسي الابن تعيد ملف التعديل الوزاري إلى المربع الأوليسيطر الغموض على ملف التعديل الوزاري الذي ينكب رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد على إجرائه منذ نحو أسبوعين، وذلك في ظل تواصل تضارب الرؤى بين حزبي حركة نداء تونس وحركة النهضة.العرب الجمعي قاسمي [نُشر في 2017/09/05، العدد: 10742، ص(4)]الرأي رأيه تونس - تراجعت أجواء الانفراج التي سادت نهاية الأسبوع الماضي حول توصل رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد إلى صيغة توافقية حول التعديل الوزاري، لتسيطر أجواء التشاؤم من جديد على هذا الملف الذي يشغل اهتمامات مختلف الأوساط السياسية في البلاد. ولم تتمكن التسريبات المُتناقضة التي تواترت الاثنين، في تبديد أجواء التشاؤم وإزالة الغموض الذي يُحيط بهذا الملف الذي جعل الشاهد يصطدم بعدة عراقيل. وأرجع برلمانيون هذا التراجع إلى تدوينة غاضبة نشرها الأحد، المدير التنفيذي لحركة نداء تونس حافظ قائد السبسي، نجل الرئيس السبسي، حذر فيها الشاهد من “الانقلاب” على نتائج انتخابات 2014. وقال النائب البرلماني مصطفى بن أحمد لـ”العرب”، “إنه وللأسف الشديد مازالت المشاورات المرافقة للتعديل الوزاري المُرتقب لم تخرج من دائرة التعطيل، وبالتالي لاشيء رسمي لغاية الآن، والمسألة قد تطول نسبيا”. وأرجع ذلك إلى ما وصفه بـ”إصرار بعض الأطراف الحزبية على التمسك بمبدأ المحاصصة في التعديل الوزاري، وهو إصرار قد يطيل الحديث حول ملف التعديل الوزاري، رغم أن البلاد بحاجة إلى الخروج بسرعة من حالة الغموض والضبابية الراهنة إلى الإعلان عن حكومة متجانسة وقادرة على رفع التحديات”. وحذر من مواصلة الأحزاب الضغط على الحكومة، داعيا في المقابل الشاهد إلى التحرك لوضع الأحزاب أمام مسؤوليتها الوطنية في هذه المرحلة الحرجة. واعتبر النائب الصحبي بن فرج أن تعثر الشاهد في الإعلان عن التعديل الوزاري سببه إصرار بعض الأحزاب على الاستئثار بالحكومة بذريعة الحجم البرلماني، وذلك في إشارة واضحة إلى حركة نداء تونس. وقال لـ”العرب”، إن “الغموض هو سيد الموقف الآن رغم أجواء التفاؤل التي سادت في نهاية الأسبوع الماضي، لذلك أتوقع أن تتواصل هذا الضبابية ريثما تنضج الأمور على قاعدة مراعاة التوازنات العامة، والمصلحة الوطنية العليا للبلاد”.الصحبي بن فرج: الغموض سيد الموقف الآن رغم أجواء التفاؤل التي سادت نهاية الأسبوع وتكاد كل القراءات تُجمع على أن تدوينة السبسي الابن أعادت خلط الأوراق من جديد، ودفعت مختلف الأطراف المعنية بهذا التعديل الوزاري للعودة إلى المربع الأول. ويتضح من خلال التحركات التي تكثفت الاثنين، وخاصة منها اجتماع الرئيس الباجي قائد السبسي مع رئيس حركة النهضة الإسلامية راشد الغنوشي، أن لها صلة مباشرة بهذا المُستجد الذي لا يخرج عن سياق صراع المصالح بين حركتي النهضة الإسلامية ونداء تونس. ومثل اللقاء الذي جمع السبسي بالأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة نقابية في البلاد) نورالدين الطبوبي، فرصة لاستعراض ملف التعديل الوزاري. وقال الطبوبي إن اللقاء أكد على أهمية تضافر كل الجهود وتوفير الظروف الكفيلة بتمكين الحكومة من معالجة الملفات الصعبة ودفع الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية نحو الأفضل. وقال السبسي الابن في تدوينته التي نشرها فور عودته إلى تونس بعد زيارة لفرنسا وإسبانيا، إنه “في خضم ما وقع تداوله من عديد الأطراف حول موضوع مراجعات التركيبة الحكومية، أريد التأكيد ما يلي: إن النداء لن يقبل هذه المرة ومن جديد الانقلاب على نتائج الاختيار الشعبي الذي تجسد في نتائج انتخابات 2014”. وقبل هذه التدوينة، برزت مؤشرات تؤكد أن الظروف المحيطة بالتعديل الوزاري نضجت، وأن رئيس الحكومة يوسف الشاهد حسم أمره، إذ أعد قائمة بتشكيلة فريقه الحكومي الجديد الذي كان يُفترض الإعلان عنها قبل نهاية الأسبوع الجاري. وبحسب مصادر مقربة من قصر الحكومة بالقصبة، فإن التشكيلة الجديدة للفريق الحكومي حافظت على عدد من الوزراء الحاليين، مع تمكينهم من حقائب وزارية غير التي يتولونها حاليا، بالإضافة إلى إدخال أسماء حزبية جديدة لتولي عدد من الحقائب، وخاصة منها حقيبة العدل. وحاول يوسف الشاهد في هذه التشكيلة الجديدة مسك العصا من الوسط، لتفادي تضارب المواقف والتقديرات والحسابات السياسية، حيث سعى إلى إرضاء حركة نداء تونس التي تطالب بتعديل حكومي واسع، وكذلك أيضا الاستجابة لموقف حركة النهضة التي تتمسك بتعديل جزئي، بالإضافة إلى استمالة بعض الأحزاب الأخرى القريبة منه. غير أن ما توصل إليه الشاهد بعد مشاورات مضنية وشاقة، لم يُرض السبسي الابن، الذي سارع فور عودته من الخارج إلى نسف نتائج تلك المشاورات من خلال تدوينته المذكورة التي أعاد فيها التذكير بأن حركة نداء تونس “هي الحزب الذي تحصل على ثقة الشعب التونسي وعلى تكليفه بأمانة الحكم، وذلك إثر فوزه بأعلى الأصوات في الانتخابات التشريعية والرئاسية”. وفازت حركة نداء تونس خلال الانتخابات التشريعية التي جرت في أكتوبر 2014 بـ86 مقعدا برلمانيا، غير أن الخلافات والانشقاقات التي عرفتها أثرت على حضورها البرلماني. وأصبحت تحتل المرتبة الثانية من حيث عدد المقاعد، خلف حركة النهضة الإسلامية التي حافظت على مقاعدها التي فازت بها في انتخابات 2014، وعددها 69 مقعدا. وأثارت تلك التدوينة ردود فعل متباينة، حيث سارع محسن مرزوق الأمين العام لحركة مشروع تونس إلى الرد عليها بالتأكيد على أن حركة نداء تونس استوفت شرعيتها الانتخابية. وتتطلع الأوساط السياسية على وقع هذه التطورات، إلى مفاجأة لتبديد أجواء التشاؤم، ولتحريك الجمود السياسي المرافق لملف التعديل الوزاري الذي بدأ يرتبط تدريجيا بالانتخابات البلدية (المحلية) المُقبلة التي مازالت تتأرجح على وقع الحسابات الحزبية.
مشاركة :