كأس العالم لكرة القدم في قطر أصبح موضوع المساءلة والشبهة والشك، وهذا غيض من فيض لمخاطر العمل كواجهات لدول ومشاريع كبيرة استخباراتية وأهداف عابرة لما نراه واقعا أمامنا.العرب حامد الكيلاني [نُشر في 2017/09/06، العدد: 10743، ص(9)] غابت الولايات المتحدة الأميركية وتخلت عن مسؤولياتها كدولة عظمى أثناء إدارة الرئيس السابق باراك أوباما التي استمرت لدورتين انتخابيتين، وجربت فيها خلال الدورة الرئاسية الأولى دعم ثورات ما عرف بالربيع العربي، وبدلا من ذلك الربيع استوطنت التنظيمات الإسلامية كبديل معول عليه ضد التطرف ونمو ظاهرة الإرهاب. توالت التداعيات من تونس إلى مصر وليبيا وتبعتها سوريا. تدخل الناتو في ليبيا كان سببا رئيسيا في ما بعد لتراجع أميركي على الساحة الدولية انطلاقا من مقتل السفير الأميركي كريس ستيفنز في بنغازي إثر الهجوم على القنصلية في 11 و12 سبتمبر 2012 من قبل عناصر إسلامية متشددة. تعرضت الإدارة الأميركية ووزيرة الخارجية حينها هيلاري كلينتون إلى انتقاد من الكونغرس كان من ردات فعله إعادة النظر في السياسة الخارجية، وشد لجام القرارات المهمة وفسح المجال لتمرير سياسة تعتمد على النأي عن التورط في الأزمات والاعتماد على القيادة من المعسكر الخلفي. خضعت الإدارة الأميركية إلى مرحلة تجريب واختبار من الدول الكبرى وخاصة روسيا لمدى استقرار القرار الأميركي في مغادرة الساحة الدولية، إلى طاولة حوار سياسي مفتوح لمعالجة وقائع دموية على الأرض. وقائع تفاقمت إلى انهيارات متتالية في العقد الإنساني للمجتمع الدولي. ورغم استعراض كاريزما أوباما وتهديده للنظام في سوريا بعدم تجاوز الخط الأحمر الذي ألزم به إدارته لتفادي هجوم بسلاح كيميائي محتمل بعد أنباء وتقارير عن ارتكاب مجازر محدودة بأسلحة كيميائية لم تكن خاضعة لتحقيق دولي من خبرات المنظمات المعنية، إلا أن الضربة المتوقعة حصلت في 21 أغسطس 2013 وسقط جراءها مئات الضحايا من المدنيين الأبرياء في الغوطة الدمشقية. توقع العالم أن جريمة إبادة تقع ضمن بند جرائم ضد الإنسانية سيدفع النظام الحاكم في سوريا ثمنها نقدا وعاجلا، ليس فقط كعقاب لإيقاف الحرب وسلسلة الخسائر الفادحة بين المدنيين أو دمار المدن، إنما لمنع أي تهاون قادم ومن أي جهة دولية تحاول عدم الالتزام بالتحذيرات الصارمة الصادرة من البيت الأبيض وشخص الرئيس الأميركي الذي اختار اللون الأحمر كخط أقصى للردع، لأن درجة الأحمر تسلسل أعلى للاستنفار الأمني في الحالات الطارئة. روسيا التفّتْ على الإنذار الأميركي وألقت حبل النجاة للنظام السوري، وكذلك لإدارة أوباما حين سربت استعداد النظام للتخلص من أسلحته الكيميائية وبإشراف دولي. العبور فوق الخط الأحمر لم يكن في الحقيقة عبورا للنظام الحاكم من عقاب كاد أن يؤدي به إلى حتفه، بل هو عبور روسي إلى منطقة آمنة تأكدت فيها مع رئيسها فلاديمير بوتين ووزير خارجيتها سيرجي لافروف أن أميركا تغيرت في رؤيتها السياسية والاقتصادية، وأن بقايا سنوات فترة حكم أوباما ستكون فترة قبول بأزهد العروض لترحيل الأزمات إلى مرحلة لاحقة. التحفز الروسي للانقضاض على أوكرانيا أعقبه ضم شبه جزيرة القرم بعد الاستفتاء وتوقيع بوتين على الاتفاقية في مارس 2014. حصل ذلك في فترة زمنية دفعت بعض أعضاء مجلس النواب الروسي للاستخفاف حتى بالعقوبات الأميركية والأوروبية مطالبين بالمزيد من العقوبات. الخروج عن المألوف في العلاقات الدولية كان ثمرة لما زرعته إدارة أوباما من فلسفة لقضايا محورية أحدثت فصلا بين واجبات دولة كأميركا في قراراتها ورؤيتها الإستراتيجية لشبكة قواتها العسكرية وهيئاتها الدبلوماسية، وبين انسحاب أوباما إلى وجهة مصالح أخرى وصفت أميركا بأنها ليست منظمة للصليب الأحمر تقدم خدماتها في مواقع الكوارث. الانقلاب حصل بمجيء الرئيس دونالد ترامب لإدارة البيت الأبيض. ولأن المهمات لم تكتمل لذا كان المقياس لدرجة حرارة القرارات والمواقف للسياسة الأميركية الجديدة هو الهجوم الكيميائي على مدينة خان شيخون السورية. كان هذا بعد الهيمنة الروسية على مقدرات السياسة والجغرافيا في سوريا، رد الفعل السريع كان بتوجيه صواريخ توماهوك إلى قاعدة الشعيرات الجوية. السؤال كان ومازال: كيف يتجرأ النظام في سوريا على ارتكاب حماقة استخدام سلاح كيميائي سافر لمرة ثانية متحديا الإدارة الأميركية؟ ورغم أنه مبعث للشكوك حول من استخدم السلاح الكيميائي في التفنيدات الروسية، إلا أن الإرادة التي تقف خلفه لا يمكن أبدا أن تكون إرادة نظام منهار يتشبث بكل قوته للبقاء في الحكم ومتابعة سلطته. انعقد مجلس الأمن في اجتماع طارئ لمناقشة التجربة النووية لكوريا الشمالية وتحديها لأميركا والمجتمع الدولي والتي أدخلت العالم في نفق المخاوف من حرب نووية، بما يعيد إلى الأذهان الإجراءات المعاقة خلال عقدين كانت فيهما كوريا الشمالية تستعد لامتلاك الصواريخ الباليستية وغير التقليدية القادرة على حمل رؤوس نووية وتكللت بالتجربة النووية الأخيرة. تتحمل إدارة أوباما فشل معالجتها السياسية بالمفاوضات والحوار أو بالعقوبات أو التهديد بما هو أكثر ردعا لمنع حيازة وانتشار السلاح النووي في يد نظام كالذي في كوريا الشمالية. أوباما وإدارته توجها كذلك إلى ترحيل السلاح النووي الإيراني بالاتفاق المريب مع ملالي طهران في اتفاق الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن مضافة إليها ألمانيا. الاتفاق الآن محل جدل وشد وجذب بين السلطات الإيرانية والرئيس دونالد ترامب الذي يهدد بمراجعته أو إلغائه بما أغضب إيران وجرها للتصريح عن قدرتها بإعادة تخصيب اليورانيوم خلال أيام بعد إلغاء الاتفاق. مجلس الأمن في السنوات السابقة أذعن للفيتو الروسي وبه أخفق المجلس عن اتخاذ أي قرار يتعلق بالمأساة السورية حتى لو كان لقضايا إنسانية. نظرة بسيطة وليست فاحصة تثبت لنا أن المحور الروسي الصيني الإيراني الكوري الشمالي والسوري يُغرد مرتين؛ مع السرب وخارجه. إذا تطلعنا إلى واجهات العرض في الدكاكين المباشرة للسياسة الدولية لرأينا كوريا الشمالية وزعيقها النووي، ومعها إيران بتمددها في العراق وسوريا ولبنان واليمن وممارساتها لإثارة الفتن والشحن الطائفي ودعم صريح للتنظيمات والميليشيات المصنفة في قائمة الإرهاب مع تجارب لإطلاق صواريخ باليستية مستمرة؛ أما النظام في سوريا فهو مسرح لأكبر عملية تهجير سكاني أغرق أوروبا والعالم باللاجئين، ولم يتأخر في تنفيذ أي واجب حتى لو كان شكليا ضد بقائه في السلطة، لأنه على يقين أن مصيره على محك لعبة المساومات الدولية على المنطقة وتأثيرها على مناطق الصراع على النفوذ في العالم. انعقد مجلس الأمن بدعوة من ثلاث دول أعضاء ما عدا روسيا والصين لبحث الخطر النووي لكوريا الشمالية. لماذا لم يكن لأميركا دور في فترتين رئاسيتين للرئيس أوباما للحد من امتلاك كوريا الشمالية للسلاح النووي؟ ماذا لو تهورت بيونغ يانغ؟ هل تكفي العقوبات والحد من التمويل؟ هل تسعى كوريا الشمالية إلى مفاوضات مماثلة للاتفاق النووي مع إيران؟ ماذا عن الرأي القائل بالسماح لبيونغ يانغ لدخول النادي النووي وفق ضوابط المنظمة الدولية المختصة؟ غض الطرف عن بيونغ يانغ سيكون بادرة لفتح الباب لسباق امتلاك الأسلحة النووية حيث لا يمكن السيطرة عليه. ما هي الحلول غير الدعوة إلى وساطات من أطراف محايدة أو طروحات تخفيض متوازن ومتواز للعقوبات والتهديدات الكورية الشمالية؟ كوريا الشمالية وما تجريه من تجارب، هل هو اكتفاء ذاتي علمي وتقني وعسكري ومالي؟ من غير المعقول أن يحصل التطور بهذه السرعة ومن دون تعاون مع خبرات وتجارب دول متقدمة خبيرة في هذا المجال، لذلك وجدت دول صغيرة تقوم بدور البديل عن الدول الكبيرة في المشاهد الخطرة ودولة مثل سوريا بحاكمها أو كوريا الشمالية وأيضا إيران التي تستخدم سياسة التأجير من الباطن كما تفعل بالعراق حيث تركت الشعوب عرضة للجوع والموت والتهجير. فالصين منذ الآن تتحسب إلى هجرة مليونية من شبه الجزيرة الكورية إذا وقعت الحرب، نووية كانت أو بأسلحة سرية أخرى أقل وطأة. الأغرب هو سقوط دولة قطر في فخ الدور البديل في واجبات المحور الروسي الإيراني. فالمناظرة التلفزيونية بين المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل زعيمة حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، ومنافسها الأول في الانتخابات مارتن شولتز مرشح الحزب الاشتراكي عمقت مضمون ردود الفعل تجاه مواقف الدول من الإرهاب. فعند سؤال المحاور لكليهما عن اعتقادهما في تنظيم قطر لكأس العالم لكرة القدم عام 2022 هل هو أمر جيد نعم أم لا؟ كان جوابهما لا ليس جيدا. كأس العالم لكرة القدم في قطر أصبح موضوع المساءلة والشبهة والشك، وهذا غيض من فيض لمخاطر العمل كواجهات لدول ومشاريع كبيرة استخباراتية وأهداف عابرة لما نراه واقعا أمامنا. كاتب عراقيحامد الكيلاني
مشاركة :