دولة كردية مزمعة وصراع مديد بقلم: عدلي صادق

  • 9/5/2017
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

في تجربة الأكراد الأولى، لإعلان دولة كردية، كان مسرح المحاولة هو أقصى شمال غربي إيران الذي أعلن فيه الأكراد جمهورية مهاباد.العرب عدلي صادق [نُشر في 2017/09/06، العدد: 10743، ص(8)] كان حُلم إعلان الدولة الكردية يراود الأكراد منذ أن تأسس أنموذج الدولة الوطنية في المشرق العربي، بعد اندثار الدولة العثمانية. غير أن المشكلة التي جعلت تحقيق هذا الحلم سببا في تسميم العلاقة بين الشعب الكردي وشعوب دول المشرق وأممها، هي طبائع الرهانات الكردية على الآخرين. اليوم، تحتفي إسرائيل بفكرة الدولة الكردية، وتُكرس فرضية عدائها للجوار العربي وصداقتها مع الصهيونية واصطفافها معها. ورغم المبدأ الأخلاقي الذي يدعونا كعرب إلى تأييد حقوق الأمم في تقرير مصيرها، إلا أن إعلان قيام الدولة الكردية، على حساب الأراضي العربية في العراق وسوريا، ومن دون التوافق ووضع صيغ استقلالية للأكراد لا تخصم من حقوق العرب؛ يجعل عنصر استضعاف الأمة العربية حصرا، والاستقواء بالدول المتنفذة في العالم وفي الإقليم، هو قاعدة الحسبة العربية وفرضياتها واستحداث مظلومية أخرى لهم. فالأمة الكردية ومجموعاتها العرقية الأربع، في كردستانها الكبرى، تنتشر في شمالي إيران، وشمالي غرب العراق وفي أجزاء من تركيا وأذربيجان وسوريا، وحيثما تقع جبال طوروس وزاكوس في شمالي غرب آسيا. على الرغم من ذلك، كانت وجهة الاستنزاف الكردي لأوطان الدول المتداخلة مع مناطق تواجد الأكراد، تركز أساسا، على العراق، منذ أن تم تعيين حدوده النهائية، في أعقاب الحرب العالمية الأولى. وقد جرى على الدوام استغلال الزعامات الكردية لعوامل كثيرة مواتية لهم في الدولة العراقية، لا سيما بعد أن خرج العراق بعد ثورة يوليو 1958 من دائرة نفوذ الغرب. فمنذ ذلك الحين دخلت إسرائيل إلى المشهد الكردي، كحليف يشجع على استمرار التمرد، لإضعاف العراق، والاستحواذ على جزء معتبر من ثرواته، والتركيز على كركوك العربية الغنية بالبترول. في تجربة الأكراد الأولى، لإعلان دولة كردية، كان مسرح المحاولة هو أقصى شمال غربي إيران الذي أعلن فيه الأكراد جمهورية مهاباد. فقد أعلنت تلك الجمهورية في ديسمبر 1945 باقتناص فرصة النزاع على النفوذ، بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة، وبشفاعة القوات الروسية التي دفع بها جوزيف ستالين إلى التوغل في الأراضي الإيرانية. وعندما نشأ صراع النفوذ بين أميركا والاتحاد السوفياتي في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وتوغلت قوات السوفيات في الأراضي الإيرانية مع بدء تصفية حسابات العملاقين مع القيادات المحلية في دول المشرق أو غربي آسيا، كان لدى ستالين ما يقنعه بأن الشاه رضا بهلوي تعاطف مع النازيين وساندهم سرا، وكان هتلر يتعاطف مع ذلك الشاه رغم إعلانه الحياد في الحرب العالمية الثانية. وعندما توغل ستالين وهرب رضا بهلوي، وجرى تنصيب ابنه محمد رضا بهلوي، وبدأ الاتحاد السوفياتي في اصطناع كيانات موالية له في محيط إيران، بادر مصطفى البارزاني، والد مسعود رئيس إقليم كردسان حاليا، إلى إعلان جمهورية مهاباد بمساعدة زعيم محلي يُدعى قاضي محمد. ومثلما كانت الكيانات الناشئة بشفاعة الأبعدين والطامعين بلا مستقبل، فقد استهل الشاه الابن، محمد رضا بهلوي حياته السياسية، بالارتماء في أحضان الأميركيين لكي يضغطوا على السوفيات لسحب قواتهم من الأراضي الإيرانية، وهكذا كان، ليصبح الجيش الإيراني كفيلا بالإجهاز على جمهورية مهاباد بعد 11 شهرا من إعلانها، فهرب الزعيم العراقي الكردي البارزاني إلى بلاده، بينما ألقت القوات الإيرانية القبض على الزعيم الإيراني الكردي قاضي محمد، وأعدمته في العام 1947 في ساحة عامة. في أواخر عقد الخمسينات أرسلت إسرائيل للأكراد في شمالي العراق، بعثة عسكرية ومعدات وبعثة طبية. ومن المفارقات أن المهمة الإسرائيلية في شمالي العراق كانت برئاسة الجنرال آرييه لوبا إلياف الذي أصبح في ما بعد ناشط سلام، يدعو إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة على أراضي 1967. اليوم تحتفي إسرائيل المتطرفة بفكرة الدولة الكردية، التي تراها حليفا لها في قلب المنطقة، له ميزات إستراتيجية كون هذه الدولة ستشمل أراضي عراقية وسورية. قبل أن يصل كاتب هذه السطور إلى حدود مساحتها، ننوه بأن الشر الإرهابي المتلطي بالدين الإسلامي، ومعه الجموح أو الشر الطائفي على الجانب الآخر، كانا من الأسباب الجوهرية التي أضعفت العراق وأضعفت الأمة ومكنت للغزاة وخلطت الأوراق، وأراحت إسرائيل ووضعت الأسس لصراع مديد، يتعين على الأمة أن تخوضه لكي تستعيد حقوقها في أرضها وثرواتها. كاتب وسياسي فلسطينيعدلي صادق

مشاركة :