حمودة بن علي رجل المهمات الصعبة تحلى بالإخلاص والصبر

  • 9/8/2017
  • 00:00
  • 10
  • 0
  • 0
news-picture

إعداد:سيد زكيعلى جبين التاريخ تُكتب أسماء بأحرف من نور، وتنحت صور من أعمال وإنجازات يخلدها التاريخ، فيسرد التاريخ لنا قصصاً وحكايات عن رجال تركوا بصمة واضحة في حياة شعوبهم، وصفحة ناصعة البياض قلما تجد لها نظيراً، فالتاريخ لا يدون في صفحاته سوى من عبقت به مآثرهم وأفعالهم وصفاتهم الفذة التي خلدها، لتكون شاهداً حياً على عظم الإرادة والجهد المبذولين، ليس لكسب صيت أو مطمع دنيوي، وإنما حباً وكرامة في رفعة الأوطان وعلو شأنها.في هذه السطور نسترجع بعض المشاهد الحية الخالدة من سيرة المرحوم حمودة بن علي المستشار الخاص للمغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، ووزير الداخلية الأسبق الذي انتقل إلى رحمته تعالى إثر نوبة قلبية حادة، والتي توافق اليوم، ذكرى وفاته السادسة عشرة.كان الشعور بالأمن والاطمئنان يعم الجميع، وكل ذلك بسبب أولئك الرجال القلائل الذين حمَّلهم القائد المغفور له بإذنه تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، مسؤولية الأمن في دولة الإمارات ومنهم حمودة بن علي.ذكرى حيةإنها سنة الله في خلقه أن يمضي الرجال، لكن منهم دائماً من يظل ذكره ماثلاً حياً متجدداً، صورته تخلدها مآثره وتقتفي الأجيال أثره، ويسرد التاريخ قصصاً وحكايات عن رجال تركوا بصمة واضحة في حياة شعوبهم، وصفحة ناصعة البياض قلما تجد لها نظيراً، من بينهم المرحوم حمودة بن علي، الذي تطل مآثره الطيبة في كل عام نتذكرها باعتزاز وفخر، حيث كرس الفقيد وقته وجهده وعمله لبناء الدولة وحفظ أركانها، فلم تثنه النائبات عن المضي قدماً إلى هذه الغاية، بل كانت الشعلة التي تدفع به إلى كسر الحواجز وتذليل العقبات، وتنير له طريقه، فلم ينل منه الكلل أو الملل، متسلحاً بعزيمة وثابة، وإرادة صلبة، فعمل بصمت، وكان خير من يحسن إنجاز المهمات التي توكل إليه.إنه رجل المهمات حيث يمكن وصفه، سيرته باقية في الأذهان، ومآثره تخالط الجوارح والجنان، فهي تتجاوز التواريخ والأمكنة لتتحول إلى محطات مضيئة ومفعمة بحب العمل والوطن، منذ مولده في منطقة الجيمي في مدينة العين عام 1943 حيث استقى أولى معارفه وحبه للأرض والإنسان في تلك المنطقة من ذلك الزمن ومرسته الأيام الأولى وعلمته أن الحياة تهب لمن كد وجد، وكانت مداركه وآفاقه تتسع في مداها، فقد كان -رحمه الله - استثناء في طموحه وإقباله على الأشياء.محطات في حياتهفي عام 1956 انخرط في دائرة الجوازات والجمارك في أبوظبي، كما اشتغل كاتباً لدى المغفور له الشيخ شخبوط بن سلطان آل نهيان حتى عام، 1957 ليلتحق بعد ذلك بقوة الشرطة عام، 1958 كما التحق بكلية الشرطة في دولة الكويت، وتخرج عام1961 حاصلاً على دبلوم كلية الشرطة برتبة ملازم، ليعود بعد ذلك إلى موطنه ويعمل في الشؤون الإدارية والتحقيق الجنائي في عدد من مراكز الشرطة بالمناطق البترولية.لقد أهلّته كفاءته وإخلاصه في عمله إلى صعود سلم المسؤولية، حيث عين مساعداً لقائد الشرطة ثم نائباً لقائد الشرطة والأمن عام، 1969 ثم وكيلا بوزارة الداخلية في حكومة أبوظبي في عام، 1971، حيث شهد في هذه الفترة الجهود الحثيثة التي كان يبذلها المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان -رحمه الله - وإخوانه حكام الإمارات لوضع الأسس المتينة للاتحاد، ولا شك في أن تلك الفترة وأحلامها تركت أثرها العميق في نفسه وتوجهاته الوطنية الوحدوية، وجعلت فكره يتابع عن كثب كل خطوات التطور التي أحدثها المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان في مسيرة البلاد.وحظي بمكانة خاصة عند المرحوم الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وفي سنة 1972 عين وزير دولة للشؤون الداخلية في الحكومة الاتحادية، وكان الظن في اقتداره وجدارته في محله، لتناط به رئاسة جهاز أمن الدولة إلى جانب منصبه وزيراً للشؤون الداخلية عام،1976 وقد اتسمت شخصيته بالقوة والحكمة وتجمعت فيه العديد من السمات العربية الفريدة والمتميزة.الداخليةأسهم المرحوم في تأسيس وزارة الداخلية التي كانت واحدة من أهم وزارات السيادة التي تضطلع بالأعباء الجسيمة والأساسية في توطيد أركان الاستقرار والأمن في الدولة، وإذا كان معروفاً عن رجال الداخلية والأمن أن الانضباط يجعلهم يميلون إلى الشدة أو القسوة في بعض الأحيان، وهذا لم يفقد الفريق حمودة بن علي، رحمه الله، صفة الرحمة والتواضع، بل إنه كان على قدر عالٍ من الحرص على الاستماع لشكاوى الناس من مواطنين ووافدين ضمن نطاق القانون والعمل الإنساني، لإيجاد حل لمشكلاتهم وتفريج الكرب عنهم، فالقاعدة عنده لا ضرر ولا ضرار، وإن كسب حب الناس هو رأس المال الحقيقي والشيء الوحيد الذي لا يمكن أن يشترى بثمن.وفي نوفمبر عام 1990 عين المرحوم وزيراً للداخلية، وظل يشغل هذا المنصب حتى عام، 1992 ليبدأ مسيرة جديدة من البذل والعطاء لا تقل في معناها ومردودها عن تلك التي خاضها من قبل من دون كلل أو ملل.التنسيق العربيكان للفقيد دوره البارز في تفعيل التنسيق والتعاون بين الدول العربية في المجالات الأمنية، فقد ترأس الاجتماع السادس لوزراء الداخلية في دول مجلس التعاون الخليجي الذي استضافته عاصمة الدولة أبوظبي عام 1987 كما شارك في جميع اجتماعات وزراء الداخلية العرب، حيث ترأس اجتماعات المؤتمر عام 1986 وشارك كذلك في لجان وزارية عدة في المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية والقانونية والاجتماعية والإعلامية.ومنح وسام مجلس التعاون الخليجي خلال القمة العاشرة في مسقط تقديراً لدوره البارز في المجالات الأمنية، وتتويجاً للجهود التي بذلها، ولسعيه في تقوية أواصر الأخوة والتعاون، وعرفاناً بما قدمه على المستويين المحلي والدولي، كما زاده تكريماً تفضل المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، بمنحه وسام الخدمة المخلصة يوم 10 مايو عام 1988م.وفي عام 1992 كرّمه المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان أيضاً بترقيته إلى رتبة فريق وتعيينه مستشاراً خاصاً له، وعمل خلال هذه الفترة مواصلاً جهوده وعزمه في صمت وتفانٍ مفيداً لقيادته وشعبه ووطنه إلى أن وافته المنية يوم 8 سبتمبر عام 2001، ليترك حسرة في قلب كل من عرفوه وأحبوه، ويمضي إلى جوار ربّه بعد أن أدّى ما عليه تاركاً وراءه سيرة عطرة ونهجاً أصيلاً واضح المعالم والأسس.

مشاركة :