بصوتٍ خافت ممزوج بالحزن وكلمات شقت الصمت، بدأ الدكتور حمزة حديثه عبر خدمة «سكايب» ليشرح الكارثة الصحية التي تنتظر نحو 250 مصابا يعانون من أمراض مزمنة وحادة، من أبناء المناطق المحاصرة بالغوطة الشرقية لدمشق... الحالات وضعها الطبي حرج جداً ويستدعي الإجلاء الطبي الفوري، وإلا فسيواجهون مصير الموت، كالطفلة سارة أبو أحمد التي فقدت حياتها، وسبقها الطفل كنان الدقر والطفلة فرح عثمان أيضاً.يعمل الدكتور حمزة في نقطة طبية ببلدة عربين (7 كلم شمال شرقي دمشق)، التي تحاصرها القوات النظامية منذ قرابة 4 سنوات وتمنع دخول المساعدات الإنسانية والطبية، وفي حديثه إلى «الشرق الأوسط» روى الطبيب قصة الأطفال الثلاثة الذين ماتوا في شهر أغسطس (آب) الماضي، لنقص في العلاج والمستلزمات الطبية: «لقد كانوا بأمسّ الحاجة لإسعافهم إلى مشافٍ تخصصية لا تبعد عنهم سوى بضعة كيلومترات».ويتابع: «الطفلة سارة من بلدة عربين، تمت الموافقة على إخراجها من الغوطة وعلاجها في روسيا بعد تدهور حالتها الصحية سريعاً، لكنها ماتت بسبب تعمد أجهزة النظام السوري التباطؤ في إخلائها»، والكلام للدكتور حمزة؛ حيث كانت سارة ثالث طفل من عائلتها يتوفى بالمرض نفسه، وهو داء يسمى «ريتنوبلاستوما»، عبارة عن ورم قاتل يصيب شبكية العين ويتطور بسرعة ما لم تتم معالجة الطفل المصاب. وكانت بحاجة إلى علاج إشعاعي، وهذا غير متوفر في مشافي الغوطة، حتى قضت في 24 أغسطس الماضي، بحسب الدكتور حمزة.أما الطفلة فرح عثمان، وكانت تبلغ من العمر 10 أشهر، فماتت هي الأخرى في 18 من أغسطس الماضي بمرض «اللوكيميا» أو سرطان الدّم، وهو من الأمراض الخبيثة، فيما الطفل كنان الدقر، من بلدة سقبا والذي لم يتجاوز عمره 7 أشهر، وكان من بين الأسماء التي تمت الموافقة على علاجها في مشافي دمشق، بقي قرابة شهر يصارع المرض حتى فارق الحياة في 11 من الشهر الماضي.يتابع الدكتور حمزة كلامه: «هناك 250 مريضا في الغوطة يعانون من أمراض مزمنة وحادة، تم إرسال القائمة إلى الفرق الطبية في شعبة الهلال الأحمر بمدينة دوما، والأخيرة بدورها رفعتها إلى مقر الصليب الأحمر الدولي والهلال الأحمر السوري بدمشق»، إلا أن تلك الجهات لم تتدخل لوضع حد لهذه المأساة. يضيف الطبيب: «هؤلاء المرضى وبعد سماعهم بوفاة الأطفال الثلاثة، تردت حالتهم النفسية لأنهم يخشون الموت على أسرتهم».تقنين الأدويةوتعاني المشافي والنقاط الطبية العاملة في المناطق المحاصرة شرق دمشق، من قلة المواد الطبية والأدوية، وأخبر الدكتور حمزة أنهم منذ فترة اضطروا إلى التقليل من عدد العمليات الجراحية إلا للحالات الحرجة، حفاظاً على ما تبقى من مستلزمات طبية لأنها على وشك النفاد. وذكر أن شراب الالتهاب لا يوصف إلا للأمراض الشديدة، لقلة الدواء، مشيرا إلى أن عمليات القسطرة والجراحة القلبية والعلاج الإشعاعي أو الكيميائي، غير متوفرة في المشافي والنقاط الطبية العاملة في الغوطة.وغوطة دمشق الشرقية هي من بين المناطق الأربع التي شملتها خطة «خفض التصعيد» التي أبرمتها روسيا حليف النظام السوري، مع فصيلي «جيش الإسلام» و«فيلق الرحمن» أكبر الفصائل المقاتلة في المنطقة، ودخلت الهدنة حيز التنفيذ في 23 يوليو (تموز) الماضي، ونص الاتفاق على إدخال قوافل إنسانية للمناطق المحاصرة بالغوطة، وإخراج أول دفعة من المصابين والجرحى.بيد أنّ الدكتور حمزة نفى خروج أي مريض أو مصاب من الغوطة، وأكد أن قائمة الأدوية التي وصلت من بين قافلتين سمح لهما بالدخول منذ تاريخه؛ «تفيد بإسعاف رعاية صحية أولية، مثلاً تسلمنا 480 حبة (سيتامول) فقط لكل الغوطة، هذا الرقم كان مستفزا وصادما، أي صيدلية في العاصمة دمشق تبيع هذا العدد خلال ساعتين، كما تسلمنا دواء القمل والجرب، وشرابات أطفال، ومسكنات (بروفين) بكميات قليلة، وكل هذه الأدوية لا تفيد بالعمليات الجراحية والأورام الخبيثة». وكشف الدكتور محمد كتوب، مدير قسم المناصرة في «الجمعية الطبية الأميركية - السورية (سامز)»، أن ستيفن أوبراين، نائب الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، على علم بهذه الحالات؛ «بالذات حالة سارة وكنان، فهو واحد من بين شخصيات دولية كثيرة مطلع على الملفات العالقة بين أروقة المنظمة العالمية». وعبر كتوب باستغراب عن تعاطي الجهات الدولية مع الملف الإنساني في سوريا، ويزيد: «أستطيع أن أفهم هذا الخذلان وعجز تلك الشخصيات، لكن لا أستطيع أن أفهم كيف لأولئك الموظفين الأمميين في دمشق أن يناموا؛ وهناك 250 مريضا في الغوطة يتساقطون واحداً تلو الآخر بسبب تقصيرهم».مساهمة تطوعية من «سامز»ومنظمة «سامز» لديها اتصالات مع كثير من القنوات الإنسانية، مثل وكالات الأمم المتحدة، وبعثات الدول وسفاراتها في واشنطن ونيويورك. ولفت الدكتور كتوب إلى أن «سامز» شكلت فريق عمل ملف الإخلاء، وتواصلت مع كل السفارات والبعثات التي تستطيع المساعدة؛ «لكن من دون جدوى»، وأضاف: «طلبت إحدى البعثات الغربية لدى الأمم المتحدة، أن نقترح آلية للإخلاء، وبالفعل قمنا بالتعاون مع الكوادر المحلية في الغوطة لوضع آلية لتقييم الحالات طبيا وبشكل علمي، لكنهم لم يتجاوبوا مع الخطة».وذكر الدكتور كتوب المنحدر من مدينة دوما بريف دمشق، أنّ النظام السوري وافق على إخلاء 5 حالات مرضية فقط للعلاج في دمشق منذ بداية العام الحالي، لكن أجهزة المخابرات اعتقلت والد أحدهم، وقال: «إحدى الحالات كان طفلا بعمر 5 سنوات، وفي الغوطة هذا السن لا يملك أوراقا رسمية ولا حتى شهادة ولادة، جراء الحصار، بعد نقله إلى دمشق قبل شهرين ولبدء العلاج، طلب من والده استصدار قيد للطفل، واعتقل الأب من دائرة نفوس ريف دمشق في مدينة التل ولم يفرج عنه حتى تاريخه». وبحسب مصدر مطلع طلب عدم الإفصاح عن اسمه وصفته، فقد أرجع تعثر تطبيق الهدنة في الغوطة الشرقية إلى نقطتين خلافيتين؛ الأولى: تأخير متعمد في ترحيل مقاتلي «هيئة تحرير الشام»، (النصرة سابقا)، في الغوطة، ويقدر عددهم بنحو 500 عنصر. أما النقطة الثانية، فتتعلق بشرط الجانب الروسي بتشكيل جيش وطني يضم جميع الفصائل المسلحة (المعارضة) في مناطق وبلدات الغوطة، على أن يشمل فصيلي «جيش الإسلام» و«فيلق الرحمن»، والطرفان دخلا في معارك جانبية معاً.وفي ختام حديثه، قلل المصدر من جدية التزام النظام بتطبيق بنود الاتفاقية، منوهاً: «باتت في حكم المنتهية، فالنظام بعد الانتهاء من معركة دير الزور، سيتفرغ لباقي المناطق، وستكون الغوطة في مرمى نيرانه».
مشاركة :