يرفض نيتشه (مقولة الفن للفن، وفي المقابل يعتبر الفن أكبر منبه من أجل الحياة ويستهدف التكوين الأخلاقي للناس) بمعنى يعالج الخلل بمفهوم ملتبس. غير أن الفعل الإنساني يخضع لشروط خارجية كثيرة، قد يترجم الفن بعضاً منها - الفن الذي تحكمه طبيعة اجتماعية ترتبط بطبيعة الأفراد في فعل ما يشاءون، وبالتالي قد يثمر عن نتائج إيجابية -. وانطلاقا من انطباع الناس عن العروض الرمضانية والطرح الإعلامي المرئي، كانت ترجمته الفورية، هو عمل لا يرتبط بشكل جوهري بالكائن الإنساني العاقل، ومفهوم لا يدرك ولا يأخذ معناه، إلا في مجاله المادي. قد تتشكل عدة أسئلة تحدد صفات دقيقة لما يجب فعله، على الفنان والمنتج وكاتب السيناريو والمؤلف، والفجوة الكبيرة بين الأدوار، جعل بلوغ الكمال الفني الذي ينتظره المشاهد مفقوداً، تنقص فحواه المعنى الكلي للجمال الفني. لذا فالسعي نحو القيمة الفنية يمد جسراً للمرور بين العرض والمشاهد، وبالتالي ليس بالضرورة أن تقتضي الدراما المعروضة على التهريج والإسفاف، ولابد أن تعتمد النصوص بشكل واضح على قدرات فنية عالية، والتزام بقواعد تضبط العلاقة بين شخص الفنان والدور الذي يقوم بتأديته، وخيارات متعددة تتيح للإعلام فرصاً للمحافظة على الذوق العام واحترام وعي المشاهد، إما أن تتوجب المساءلة عن تقديم هذه الأعمال الهابطة، في شهر مختلف ليس ككل الشهور ومجمل الناس ينتهز هذه القداسة للتفرغ للعبادة، وإما أن نبحث في البنية العميقة عن ترتيب يحاكي صفات الناس وثقافاتهم. ويتمثل التميز هنا بسطحية بين نمطين مختلفين وتطابق أقل عمقاً، لا ينظر إلى عصر واعٍ له علاقة بالتقنية والعلم، وحشد من الناس خلف الشاشات لها أسلوب خاص وليسوا رعايا داخل بيوتهم الضيقة! وليس هذا غريباً إذا قلنا: هي أزمة ثقافية حول مفهوم الفن، وكتاب النصوص، وقدرات متواضعة لا تتعامل مع مجتمع عصري يعي ويعلم ما يدور في العالم، فلا يمكن أن تعتقل إرادة الناس وتمارس الدخول قسراً إلى حياتهم بشكل مطلق، لتغييب الوعي الذي يجسد العلاقة بين الجانب النفسي ومحيطه ومصادر رغباته، وسلب كل ما هو إنساني في الإنسان، وبعثرة الفعل الأخلاقي في غياب الرقيب المؤهل للحفاظ على المواقف من التناقض، في ضوء التساؤلات السابقة. لقد انحدر المستوى الفني لأغلب أعمال الدراما والكوميديا، تحت طائلة التجارة والمادة، مما أفقد الشخص استقلاله وقدرته على المبادرات وصقل مواهبه، وبقي تحت تصرف الإنتاج وشروطه، وأوجد ثغرات في العلاقات الإنسانية وخلافاً بين الشركاء، وانعكس ذلك سلباً على صياغة العروض وانتاب مضمونها العطب، إننا حديثو عهد بتقنية الفنون، وعلى المختصين جلب الخبراء والعمل معهم لكي تتحقق الأهداف. إن لرهافة الذوق دوراً كبيراً في إدارة أعمال فنية أكثر نبلاً وفاعلية على المجتمعات، فلابد أن ندرك أن الجوانب الحسية في الإنسان تستدعي خبراء محظوظين في هذا العصر، لأن كل ما يدور هنا وهناك ينبثق من فكرة التضحية بالذات من أجل حياة أفضل.
مشاركة :