تبخس المرأة حقها منذ تتنفس رئتاها هواء الحياة الذي يسري في عروقها بطعم عبودية تأبى عليها أن تكون سيدة حرة، بل تشدها قوة التيار الفكري الرجعي إلى قواعد وإتيكات الأمة في بلاطات السلاطين.العرب شيماء رحومة [نُشر في 2017/09/12، العدد: 10749، ص(21)] "أنا عندي أصدقاء ذكور.. أنا لست قليلة أدب"، "أنا أضع مساحيق.. أنا محترمة"، "أنا أضحك بصوت عال.. أنا لست قليلة أدب"، هذه عينة من مجموع لافتات حملتها فتيات مصريات رغبة منهن في تغيير فكرة المجتمع عن المرأة. وقبل هذه المبادرة حملت المرأة بمختلف توجهاتها في الحياة العديد من اللافتات أرى أن أهمها “أنا من يحدد من أكون وكيف أكون”، “أنا ثورة ولست عورة"، ولكن من تخاطب النون النسوية بهذه الشعارات المستهلكة؟ الإجابة: جل المجتمعات العربية. لماذا؟، لأنها تحبس أساسا من أسس رقيها ونهضتها في قمقم العادات والتقاليد وتسلسلها بقيود نواميس توقفت العقول التي وضعتها عن النمو منذ خطت أول حرف على دساتير الأولين. لا يبدو أن الأمر عادي بالمرة كيف تحمل الفتيات العربيات مثل هذا الشعار اليوم، في حين كان من الأجدى أن تحمله الجدات من قبل؟، لن تحيط بمثل هذه الحركات وغيرها إلا كثرة الأسئلة المبهمة. أما تغير السلوكيات فهو رهين غربلة الفكر الذي يأبى عند البعض الخروج من إطار القولة الشعبية التونسية "كركة في مخو جرانة" بمعنى دماغه مليء بأشياء تمنعه عن التفكير القويم. محاربة العقليات حرب ضروس تجعل كل فعل نسوي يقابل بالتهجين وتراق بسببه الأحبار وتستنزف كل البلاتوهات التلفزية، دون توقف لإعادة التفكير في من يحمل من الناحية السيكولوجية استعدادا أكبر للفساد الرجل أم المرأة؟ ومن له قدرة أعظم على العطاء؟ الفكر الذكوري الذي فسر النصوص الدينية وسنّ القوانين الرجعية وحلل وناقش على جذاذات التاريخ مادة عويصة عن الفهم، تدعى امرأة، قرر خروجها للعمل وإجبارية تعليمها وحتى اقتسامها مناصفة الإرث مع الرجل لكنه لم يرخ لها الحبل بعد ولم يعترف أن وراء كل امرأة فاشلة رجلا ووراء كل رجل عظيم امرأة. لا يقبل المجتمع بكل شرائحه عثرات المرأة في حين يبارك نزوات الرجل بعبارات واثقة تشحن هممه نحو الاستمرار في الخطأ "لكل جواد كبوة"، أي كبوة وأي خرافات بدل من ذلك لماذا لا تترك للمرأة حرية إدارة نصيبها من المجتمع وقيادته وفق إمكانياتها ولتلتقي بعد ذلك مع الرجل في منتصف الطريق ويقارن كل منهما إنجازات الطرف الآخر وعلى ضوئها يعاد تقسيم التركة، بدل تعليق هزائم الشعوب العربية على مشجب ضعف الكائن النسوي العربي “ناقصات عقل ودين”، وقوامة الرجل الذي يرزح تحت حمله الثقيل. والواقع للأسف مخطوط بأقلام أجنبية، حيث أشارت دراسة أميركية حديثة إلى أن زيادة معدلات البطالة بين الرجال تؤدي إلى المزيد من التمييز ضد المرأة. ووجد دان كازينو أستاذ علوم سياسية أميركي، أن معدلات التمييز ضد المرأة تتزايد عندما تتصدر النساء للقوة العاملة ويتأخر الرجال. تتصدر القوة العاملة هذا طبعا في الدول المتقدمة التي تبحث عن معالجة المسألة بطرق حضارية لا تحرم المرأة حقها في الحصول على المناصب القيادية، أما في البلدان العربية فإنها العائل أحيانا الوحيد للعائلة، المتفوق على مقاعد الدراسة والمثابر إلى النهاية لتحصيل الشهادات الجامعية العليا، المكافح للالتحاق بوسائل النقل العمومي، القائم على شؤون الأطفال، الراضي بأي وظيفة وأجر يعرض عليه، وفي المقابل يختزل كل ذلك في مخيال الأسر العربية بعبارة الرجل، نعم الرجل عنده تبدأ وتنتهي كل متاعب الحياة اليومية العائلية، المناضل الذي تذبح له الذبائح وتقام الولائم إعلانا عن ولادة فحل العائلة المصون ويحظى بغنج ودلال الأم وصرامة الأب حتى يكون رجل العائلة في المستقبل. وتبخس المرأة حقها منذ تتنفس رئتاها هواء الحياة الذي يسري في عروقها بطعم عبودية تأبى عليها أن تكون سيدة حرة، بل تشدها قوة التيار الفكري الرجعي إلى قواعد وإتيكات الأمة في بلاطات السلاطين، وقد أثبتت الثورات العربية التي اجتاحت عددا من الدول العربية على رأسها تونس ذلك، لأنها حاولت أن تنشر بين الخاصة والعامة مجموعة من القراءات المغلوطة عن مكانة المرأة في الدين وكيف سطر لها ما يجب أن تكون عليه، فسارع إلى تشريع إعادتها إلى قمقم تمت حياكته من عدة أمتار من قماش يعمه السواد يغطيها من رأسها إلى أخمص قدميها، حتى تبارك من قبل رهط من رجال ركبوا جهود النساء مطية يوجهونها بسياط ألسنتهم كيفما اتفق. رفع شعار "أنا امرأة"، أظنها تقول ما لم يقل بعد وتزيد. كاتبة تونسيةشيماء رحومة
مشاركة :