لا أتحدث عن نوع جديد من العلاقات بين الأم وابنتها بقدر ما أحاول لفت الانتباه إلى عقبة تنضاف إلى العلاقة بينهما تجعل الأم تائهة بين البحث في المذكرات وبين صفحات التواصل الاجتماعي عن احتياجات ابنتها. العربشيماء رحومة [نُشرفي2016/10/25، العدد: 10435، ص(21)] لم أعِ جيّدا معنى ما قاله والد خطيبي السابق حين زارنا دون سابق معرفة بيني وبين ابنه ضمن زواج تقليدي، “أريدك لابني لأنني أعرف جيّدا أمك”، استوقفته يومها “وهل قرابتك بأمي تشفع لي؟”. ربت على كتفي قائلا “لم أقصد ربط الدم بل أرمي إلى سيرة والدتك وأسلوبها في الحياة”. ضحكت ثمّ قلت “هذا لا يعني أنني أمي، أظن ذلك”. فاكتفى بالقول “ابنتي، أعي ما أقول”. يومها لم أكن مهتمة كثيرا بأمر الخطبة، واستنكرت هذا النوع من الأحكام المسبقة، واعتبرت أن الأمر برمّته داخل في ترتيبات هذا النوع من الزواج الذي يحتكم فيه الاختيار إلى الآباء. خلاصة القول من هذه الحادثة أننا أصبحنا اليوم أمام جدل كبير تتباحثه الدراسات وعلماء الاجتماع حول مدى صحة أن “الابنة سرّ أمها” و“اقلب الطنجرة (آنية للطبخ) على فمها تطلع البنت لأمها”، وذلك راجع إلى ظهور ضرب جديد من العلاقات بين الابنة وأمها، ولا سيما في سن المراهقة. ولعل التركيز على هذه السن عائد إلى طبيعة ما يطرأ على الفتاة في هذه المرحلة العمرية، التي تشهد البعض من التغييرات في سلوكها ومشاعرها، من تحوّل أحيانا إلى رغبة في الانعزال، وأحيانا كثيرة إلى الاهتمام بالمظهر الخارجي وإبراز المفاتن. وينصح الخبراء وعلماء النفس الأم أن تتبع بعض النصائح لتستطيع إنجاح علاقتها بابنتها، أهمّها السعي إلى فهم متطلباتها النفسية مع عدم التدخل في خصوصياتها، فالتعامل مع المراهقة يحتاج إلى الكثير من الجلد لأن تصرفاتها تتسم أحيانا بالطيش. وأوضحت ليسا براتمان المتخصصة في العلاج الأسري بولاية نيويورك أن ولوج المراهقات إلى عالم الإنترنت يجعل الأمهات أكثر قلقا عليهن، ويشعرن بأن عليهن فرض رقابة أكثر صرامة على بناتهن. وأشارت الدراسات الحديثة إلى أن تأزم العلاقة بين الأم وابنتها أحيانا يسبق سن المراهقة، إذ سجلت العديد من الحالات التي أقرّت فيها الأمهات بوجود خلافات بينهن وبين بناتهن اللاتي لم يتجاوزن سن العاشرة والحادية عشرة. في السابق كانت تميل الفتيات إلى كتابة مشاعرهن وكل ما يعتريهن خجلا من أمهاتهن في دفتر يخصصنه للمذكرات، ولا أقول إن ذلك انتفى اليوم، ولكن أصبح أقل بكثير من الأمس، أما الآن غالبا ما تنقل الفتيات أبسط تفاصيل حياتهن بين صفحات مواقع التواصل الاجتماعي. وكثيرا ما كانت تدرك الأم ميل ابنتها لكراسها لكنها لم تمانع بل ترقب في صمت مدعية عدم الانتباه لتتسلل على حين غفلة وتسترق النظر إلى الكراس. واليوم تحاول عبثا متابعة صفحات سرقت وقتا كان يجمعها بابنتها، غير أن النشطاء يعلمون تفاصيل لا علم لها بها. الملفت في الأمر أن كراس المذكرات ذا طابع خاص؛ خط أحمر لا يمكن معرفة ما دونت فيه الفتاة إلا متى سمحت هي بذلك. والحال أن المنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي متاحة للجميع. ولكل عصر مميزاته، لقد راجت المذكرات بعد الحرب العالمية الثانية، لتصبح من عادة القادة العسكريين ورؤساء الجمهوريات حين يتفرغون، في أواخر حياتهم، لكتابة مذكراتهم. ومع الطفرة التقنية الحالية أدمن البعض على النت، ومع وصل الإنترنت بالهواتف الذكية صرنا أمام نقل مفصّل لتحركات البعض. لا أتحدث عن نوع جديد من العلاقات بين الأم وابنتها بقدر ما أحاول لفت الانتباه إلى عقبة تنضاف إلى العلاقة بينهما تجعل الأم تائهة بين البحث في المذكرات وبين صفحات التواصل الاجتماعي عن احتياجات ابنتها. كاتبة من تونس شيماء رحومة :: مقالات أخرى لـ شيماء رحومة البنت ليست سرّ أمها, 2016/10/25 رشيقات كن أم بدينات.. جميلات تونس لم يسلمن من التحرش, 2016/10/23 أمي اقرئي لي قصة, 2016/10/18 غاب عنها الكحل فتمارضت, 2016/10/13 باش نطلّق قبل ما نعرس, 2016/10/11 أرشيف الكاتب
مشاركة :