لا استغناء للمرأة عن الكحل، لأن عينيها التي قيل عنهما بأنهما مفاتيح القلوب، تعلن الحداد حزنا على يوم يمرّ دون أن تزدان بكحلها. العربشيماء رحومة [نُشرفي2016/10/13، العدد: 10423، ص(24)] "ما لك تبدين شاحبة هل أنت مريضة؟" كثيرا ما يطرح هذا السؤال على المرأة التي تتغاضى عن تزيين عينيها بالكحل لسبب من الأسباب. وغالبا ما تظهر النسوة اللاتي اعتدن على وضع الكحل أو كما عرف قديما “الإثمد”، أشبه بالمرضى، وأقرب حالا إلى ما جاء في الحديث النبوي؛ إذا اشتكى عضو من الجسد تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى. ولتسمية الإثمد تاريخ كبير اقترن بعيون حبيبات الشعراء في شعر الغزل، وذلك عائد إلى أنه من أجود أنواع الكحل، وهو حجر معروف أسود ضارب إلى الحمرة، أجوده ما يؤتى به من أصفهان والمغرب، وهو ذو فوائد جمة كما دُوّن في المراجع القديمة. وكما يظهر في الحديث النبوي “إن من خير أكحالكم الإثمد إنه يجلو البصر وينبت الشعر”. وقال ابن سينا عن الإثمد إنه يحفظ صحة العين ويذهب وسخ قروحها. وقال العلامة البغدادي الإثمد ينبت الهدب ويحسن العيون ويحببها إلى القلوب ولا يوافق الرمد. وتقبع علبة الكحل السحرية داخل الحقائب النسائية ولا تفارق العيون العسلية أو الخضراء أو الزرقاء أو حتى الحوراء. وتستقر العلبة التي اختلفت تسميتها بين البلدان العربية وأشكالها، في شموخ وعلياء على مناضد الزينة. وقد شاع أيضا استعمال الكحل بين مجمع الرجال. ويرجع استخدام الكحل إلى حوالي 3500 قبل الميلاد، إذ كان شاهدا على العديد من الحضارات والشعوب وأشهرها استخداما له الحضارة الفرعونية. ولا يرتبط الكحل فقط بالزينة وإنما جمع بينها وبين العديد من الاستخدامات الطبية الشعبية، إذ كان منتشرا لدى البدو لاعتقاد منهم أنه يحمي عيونهم من القيظ في المناطق الصحراوية. واتصل في البعض من المعتقدات الشعبية بعالم الأطفال حديثي الولادة على أنه يحميهم من العيون الشريرة، بالإضافة إلى أن تلطيخ جبين الصغار به أثناء الرعد يحميهم ويسكن روعهم. كما أنه يحمي العين من الرمد، وهو مرض يصيب العين فيلتهب الغشاء الرقيق الذي يغطي الجفن، وهو مرض معد، ومع ذلك يعمد الكثيرون بدل الذهاب مباشرة إلى الطبيب وأخذ العلاج المناسب، إلى الكحل! ويبقى الكحل الذي يستخرج من مواد أساسها حسبما أخبرتني جارتي المسنة رحمها الله يوما؛ نواة التمر وزيت الزيتون ومواد أخرى لم أعد أذكرها، على مرّ السنين، تتوارث سر إعداده النسوة جيلا بعد آخر. كما أن للكحل بدول الخليج مصانع تتفنن في صنعه. وقد يكون للفتيات اليوم ولع بـ”الآي لاينر” على مختلف ألوانها القاطعة مع الأسود التقليدي، إلا أنهن على خطى الجدات يضعن الكحل. لا استغناء للمرأة عن الكحل، لأن عينيها التي قيل عنهما بأنهما مفاتيح القلوب، تعلن الحداد حزنا على يوم يمرّ دون أن تزدان بكحلها. لم أبحث عن تاريخ الكحل هكذا جزافا فالأمر عائد إلى أنه كان بالأمس لافتا للانتباه في الكثير من العيون التي اكتحلت احتفالا بعاشوراء. شيماء رحومة :: مقالات أخرى لـ شيماء رحومة غاب عنها الكحل فتمارضت, 2016/10/13 باش نطلّق قبل ما نعرس, 2016/10/11 المصريات واللبنانيات مخترعات وباحثات متميزات أيضا , 2016/09/25 السفن تفتح على البحر شرفات افتراضية تجمع ألوانا من المناظر الطبيعية , 2016/08/28 مواقع التواصل الاجتماعي تعزز تطبيقات التصدي للمتحرشين, 2016/08/07 أرشيف الكاتب
مشاركة :