برنامج تمويل يهدد بانحدار الجزائر على الطريقة الفنزويليةتصاعدت التحذيرات من خطط الحكومة الجزائرية لتعديل قانون النقد والقرض للسماح للخزينة العمومية بالاقتراض من البنك المركزي خلال السنوات المقبلة لتغطية عجز الموازنة ومواصلة تمويل الاستثمارات الحكومية من خلال طبع العملة المحلية.العرب صابر بليدي [نُشر في 2017/09/13، العدد: 10750، ص(11)]الانزلاق إلى معركة مالية خاسرة الجزائر – حذر الخبير الاقتصادي والمستشار الحكومي السابق عبدالرحمن مبتول، من عواقب سياسة التمويل غير التقليدي التي تنوي الحكومة اتباعها مطلع العام القادم، لتتمكن من التدخل في سيادة البنك المركزي لتمويل الخزينة العمومية من خلال إصدار سيولة جديدة بالعملة المحلية. وقال إن الخطوة تكمن في توجيه تلك القروض إلى قطاعات غير منتجة وغير القادرة على خلق قيمة مضافة، وهو ما يعني استنساخ النموذج الفنزويلي الذي انتهى إلى الإفلاس والانفجار الاجتماعي، بسبب ارتفاع نسب التضخم وانهيار العملة المحلية وتراجع القدرة الشرائية. وكان مجلس الوزراء المنعقد الأربعاء الماضي، قد صادق على برنامج حكومة أحمد أويحيى، وفي مقدمته خيار التمويل غير التقليدي، الذي ينتظر أن ينزل البرلمان بمعزل عن المشروع الحكومي، في إطار تعديل قانون القرض والنقد، المستلهم العام 1990 من النموذج الألماني، الذي يكرس سيادة البنك المركزي في تسيير السياسة المالية والنقدية للبلاد. وحسب عبدالرحمان مبتول، فإن هذا الأسلوب الجديد من التمويل، يستند إلى “النظرية الكينزية الجديدة التي تتوقع زيادة الطلب مع مرور الوقت، ولكن في حالة الجمود الهيكلي لعجلة الإنتاجي، فإنه يسرع عملية التضخم”. وأضاف أنه “إذا طبق في اقتصادات السوق المنظم، فإنه يتيح خلق قيمة مضافة، في حالة نمو الشركات والمؤسسات الخاضعة لإعادة الهيكلة، حينما يعجز التمويل التقليدي عن ذلك”.محمد حميطوش: مراجعة قانون النقد والقرض بلا معنى إذا لم تكن عميقة وجدية لكن عبدالرحمان قال إن طبيعة النهج الاقتصادي المتبع في الجزائر لا يسمح بذلك، وستنقلب نتائجه على الاستقرار الاجتماعي، كما يحدث الآن في فنزويلا التي تشهد حالة من الانهيار الاقتصادي والغضب الاجتماعي. وشدد على أن “تطبيق النموذج الكينزي في الجزائر صعب التنفيذ، بسبب عدة عوامل، حيث أن 98 بالمئة من الإيرادات تأتي من قطاع المحروقات، وأن 83 بالمئة من النسيج الإنتاجي تتكون من المشاريع الصغيرة”. وأضاف أن القطاع الإنتاجي هامشي ويمثل أقل من 5 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي وأن 95 بالمئة من النسيج الصناعي هي شركات صغيرة غير مبتكرة، وهو ما يصعب مهمة خفض الواردات وتحريك عوامل الإنتاج. وحذر من مغبة التغافل عن “تعزيز القطاع الإنتاجي في السنوات الثلاث المقبلة بالاعتماد على الحد من التمويل الداخلي بوسائلنا الخاصة، وهو ما سيؤدي بالضرورة إلى استنزاف احتياطيات النقد الأجنبي، في ظل ارتفاع تراجع قيمة الدينار مقابل اليورو والدولار الذي يؤدي إلى ارتفاع التضخم وبالضرورة رفع أسعار الفائدة. وقال الخبير الاقتصادي في ساكسو بنك كريستوفر ديمبيك إن التوجه الحكومي لتمرير الاستحقاق الرئاسي في 2019 وضمان بقاء السلطة في مواقعها بأقل الأضرار الاقتصادية والاجتماعية، هو بحث عن حل مؤقت لا يعالج الأزمـة التي تتخبط فيها البلاد. وأكد أن “نهج الحكومة لمواجهة الأزمة يتعارض مع الفكر الاقتصادي، وهو بمثابة هروب إلى الأمام ولن يعالج الوضع، وأن الجزائر اختارت تدابير أظهرت قصورها وعجزها عن معالجة المشاكل.عبدالرحمن مبتول: عوامل كثيرة تجعل تطبيق النموذج الكينزي في الجزائر صعب التنفيذ وأضاف أن “التجارب المماثلة في عدة بلدان أظهرت أن اللجوء إلى طبع النقود له تأثير سلبي ومضر خاصة مع زيادة الإنفاق العمومي، مما اضطر بعضها إلى التخلي عن هذا الخيار”. وقال إن “زيادة المعروض النقدي ستؤدي إلى تفاقم التضخم وانهيار قيمة العملة المحلية وارتفاع فاتورة الواردات وخاصة المواد الاستهلاكية”. وأكد ديمبيك أن الجزائر تتبع النموذج الفنزويلي، حيث يتشابه البلدان في “التبعية المفرطة للمحروقات حيث اعتمدت كاراكاس على تمويل البنك المركزي للدولة مما زاد في حجم الكتلة النقدية وأدى إلى ارتفاع التضخم وفقدان قيمة ومصداقية العملة المحلية، وما تبع ذلك من انهيار مالي وانفجار اجتماعي”. وشدد على أن “تحسين الاقتصاد يتطلب وجود بنك مركزي مستقل يعمل على الحد من التضخم، ولا يقتصر دوره على خلق المال وضخه في الاقتصاد، وأن على الحكومة إيجاد قنوات تمويل من الأسواق المالية والمستثمرين المحليين والأجانب بدل الذهاب إلى الحلول السهلة غير مضمونة العواقب”. لكن الخبير الاقتصادي لدى البنك الدولي محمد حميطوش يرى ضرورة عدم إصدار أحكام مسبقة قبل معرفة ما ستقوم به الحكومة، التي عليها الذهاب إلى إصلاح عميق، يأتي على رأسه تحرير العملة المحلية، كي تصبح عملة قابلة للتحويل في الخارج. وأضاف أن ذلك سيسمح بدخول وخروج الدينار من البلاد بشكل طبيعي، وفي هذه الحالة فإن الجزائر لن تواجه مشكال التمويل مستقبلا. ودعا حميطوش إلى ضرورة مراجعة العديد من المسائل المتعلقة بالنقد والمالية، على غرار تحديد معايير للديون والتوظيف والادخار والمخالفات المالية والتداول النقدي والدفع الإلكتروني وطبع النقود وخدمات الاستثمار المباشرة والمخاطرة والبورصة وشركات الاستثمار، إضافة إلى محاربة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب. وأكد ضرورة “إصلاح الاختلالات والمفاهيم بكل جدية، بداية من تعديل تسمية قانون النقد والقرض إلى قانون النقد والمالية، وتخفيف القيود والشروط المفروضة على فتح البنوك الأجنبية. وقال إنه من غير المعقول لبلد يصل ناتجه المحلي إلى 120 مليار دولار ولا ينشط به سوى مصرفين أو ثلاثة.
مشاركة :