عدالة سيدنا علي بن أبي طالب لم تمنع الخوارج من تكفيره وقتله قربةً إلى الله

  • 9/13/2017
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

كثرت في الآونة الأخيرة جماعات تخرج هنا وهناك متبنيةً للعنف ولقتل المدنيين العزل من أجل تحقيق مكاسب سياسية، وهذا ما يسمى اليوم بالإرهاب، وقد تناول الكثيرون هذه الجماعات وأفكارها وخلفياتها ودوافعها لارتكاب هذه الجرائم البشعة التي ملأت الإنترنت والفضائيات، وقد لاحظت إصرار البعض من الكُتاب والمفكرين على أن القمع السياسي أحد الأسباب الرئيسية لظهور هذه الجماعات وتطرفها، وتواردت الكثير من الأفكار في رأسي عند قراءة هذا الرأي، فأحببت أن أفكّر بصوت عالٍ في هذه التدوينة حول هذه الفكرة. لا شك في أن غياب الحريات والمشاركة في القرار السياسي وضعف المجتمع المدني وضعف العدالة الاجتماعية والاقتصادية تؤدي للاحتقان ولانتشار المشاكل وضعف الانتماء للمجتمع، مما قد يؤدي بالبعض من أفراد المجتمع لتبني العنف بهدف ما يعتبرونه دفاعاً عن النفس، وسعياً للانتقام من (الظالم)، ولكن ما لا يلاحظه الكثيرون هو أن (المنتقم) نفسه يمارس نفس سلوكيات الظلم التي يدّعي أنها كانت سبباً لظهوره، بمعنى أنه هو نفسه لو ملك زمام الأمر فلن يقتدي بالهدي النبوي المتمثل بموقفه -عليه السلام- مع قريش، عندما قال لهم في فتح مكة: (اذهبوا فأنتم الطلقاء)، بل ستجده يمارس نفس الظلم الذي كان ينتقده، ولكن بطرق أخرى ومنظور آخر. لا أهدف لمناقشة دوافع الإرهاب والعنف هنا، وإنما أود أن أشير إلى أن الخلافة الإسلامية الراشدة تعد نموذجاً تسعى إليه الحركات الإسلامية، وترى أنه قمة العدالة، بل وينسب البعض التخلف في بعض الدول الإسلامية اليوم لسقوط الخلافة وانعدامها. ولو سلمنا جدلاً بصحة هذا التصور فينبغي ألا ننسى أن وجود الخلافة الراشدة العادلة، وبالأخص الخلفاء سادَتنا عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب، لم تمنع من نشوء حركات أفرادها مسلمون وملتزمون لحد كبير بالدين (التزام صوري طبعاً وبدون علم)، تكفّر هؤلاء الخلفاء الراشدين، بل ويتقربون إلى الله بقتلهم، ظناً منهم أن مصلحة الإسلام والمسلمين تتمثل في قتل هؤلاء الخلفاء الراشدين، ومن تلك الفرق قتَلة سيدنا عثمان بن عفان، والخوارج الذين خرجوا على سيدنا علي بن أبي طالب، واتهموه بأنه لا يحكم بشرع الله، فتركهم سيدنا علي في البداية، بشرط ألا يفسدوا في الأرض، ولكنهم قتلوا والي سيدنا علي بن أبي طالب (عبد الله بن خباب بن الأرت)، وبقروا بطن زوجته الحامل، فخرج لهم في جيش كبير، وهزمهم في معركة نهروان.عقائد الخوارج هي: الخروج على الحكام إذا خالفوا منهجهم وفهمهم للدين. تكفير أصحاب الكبائر. التبرؤ من الخليفتين الراشدين عثمان وعلي رضي الله عنهما. تجويز الإمامة العظمى في غير القرشي، فكل من ينصبونه ويقيم العدل فهو الإمام، سواء أكان عبداً أم حراً، أعجمياً أم عربياً. وذهبت طائفة منهم وهم النجدات إلى عدم حاجة الناس إلى إمام، وإنما على الناس أن يتناصفوا فيما بينهم، فإن رأوا أن لا بد من إمام جاز لهم أن يقيموا لهم إماماً. وقد حدد سيدنا علي منهجه في التعامل معهم في مقولته المشهورة: " .. ألا إن لكم عندي ثلاث خلال ما كنتم معنا: لن نمنعكم مساجد الله، ولا نمنعكم فيئاً ما كانت أيديكم مع أيدينا، ولا نقاتلكم حتى تقاتلونا" رواه البيهقي وابن أبي شيبة. مقولة سيدنا علي واضحة، وتدل على أنه لم يتبنَّ القمع السياسي لهم، ولم يحرمهم من ممارسة معتقدهم، ولا حتى حرمهم من نصيبهم من الغنائم، ولكن الحرية السياسية هذه لم تمنعهم من تكفيره والإصرار على قتله خدمةً للإسلام والمسلمين (حسب فهمهم القاصر)، فعبد الرحمن بن ملجم قاتلُ سيدنا علي من الخوارج، كان ممن درس العلم والفقه وحفظ القرآن وقربه الصحابة من المسجد؛ لكي يقوم بتعليم الناس القرآن، وهو ممن قرأ القرآن على يد سيدنا معاذ بن جبل. بمعنى أنه شخص درس الدين والفقه، وكان ينظر إليه في ذلك الوقت على أنه عالم فاضل ورجل ملتزم، وبالرغم من هذا فإن علمه (أو بالأحرى جهله) وصل بهذا الشقي لأن يظنّ أنه يتقرب إلى الله بقتل رابع الخلفاء الراشدين الخليفة العادل الراشد الذي قال عنه عليه الصلاة والسلام: (أنا مدينة العلم وعليّ بابها)، وقال عنه عليه السلام: (مَن كنت مولاه فعلي مولاه). عبد الرحمن بن ملجم لو كان بيننا اليوم لوجدنا عليه ملامح الالتزام، ولكان يتصدر المجالس ويستفتيه الناس، ويحدثهم في ثلة الأحاديث التي لا يعرف سواها، ينخدع الشباب بمظهره ومعسول كلامه وقراءته للقرآن، وأفضل وصف له ولمَن هم على شاكلته ما قاله عليه السلام عنهم: (يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرَّميَّة ) متفق عليه. أعتقد أنه من الضروري استرجاع فكر الخوارج وفهمه بشكل جيد؛ لأنه نموذج لجماعة كفّرت المجتمع بأكمله في وقت الخلافة الراشدة التي لم تقمعها ولم تستبد بها، وبالرغم من هذا تبنّت العنف، بل وقتلت رابع الخلفاء الراشدين بالرغم من العدالة الاجتماعية والسياسية المنتشرة في ذلك الوقت، ولو نظرنا للتاريخ لوجدنا أن هذا الفكر يضمحل فترة ويخرج أخرى ومستمر ليومنا هذا، ولا أعتقد أن هذا الفكر كان سيختفي حتى لو كانت هناك عدالة سياسية واجتماعية بل سيبقى دائماً هناك مَن يحرّف كلام الله، ويستغله لتحقيق فكرته، وفرضها على الآخرين بقوة التكفير والقتل والتفجير. لا بد من وقفة صريحة تتناول هذا الموضوع؛ لأن هذا الفكر يختطف الإسلام، وينظر إليه من مفاهيم ضيقة، ويسعى معتنقو هذا الفكر لفرض رؤيتهم على المجتمع بالقوة، ويؤمنون بكفر مَن يختلف معهم واستباحة دمه وماله، فإن لم يسلم منهم سيدنا علي بن أبي طالب، فهل سنَسلم منهم نحن؟ من ناحية أخرى، أعتقد أن هناك حاجة ماسة لتنمية مهارات التفكير الناقد لدى شبابنا، فلم يعد بالإمكان حجب الأفكار والآراء الشاذة فهي تصل لأبنائنا وبناتنا من شتى الطرق والوسائل، ومن الضروري أن يملك شبابنا القدرة والمهارة التي تمكنهم من مراجعة الأفكار التي تصلهم وتقييمها، بدلاً من التسليم والتصديق لأي فكرة تصلهم لمجرد أن قائلها تظهر عليه ملامح الالتزام، فالواقع يقول بأن أشباه الشقي عبد الرحمن بن ملجم ما زالوا يسرحون ويمرحون بيننا، وما أكثر مَن انخدع بهم مِن شبابنا وشاباتنا. - تم شنر هذه التدوينة في مدونة نزيه الدكتور ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مشاركة :