آفة النفاق هي التي تجعل الكثير من الناس لا يتحدثون صراحة عن أفكارهم، ولا يعبرون عنها بوضوح. والآن، وبما أن الأوضاع في العالم كله، وبما أن أوضاع المملكة كواحدة من أكبر الكيانات الإسلامية والعربية وما تمثله وتجسده من قيم هذه الأمة ورموزها، لم تعد تحتمل المزيد، ولا القليل حتى، من التهاون، فإننا يجب أن نسمي الأشياء بأسمائها لنعيد الأمور إلى نصابها. وعليه فإننا يجب أن ننزع أقنعة الرياء والكذب عن كل الوجوه، وأن نسفر عن وجوهنا على حقيقتها، فهذا هو المنهج القرآني في تربية الناس، كل الناس. فليس يكفي أن يدس «أحدهم» كلمات مثل «ولاة الأمر» ثم يسرب سموم الفتنة بين مواطني المملكة لكي يسبغ على قوله ذاك صفة حيادية مزيفة. لأن الذي يسمح لنفسه بتصنيف أبناء الوطن تصنيفاً دينياً، بينما هم جميعاً ينتمون – بفضل الله – إلى الدين نفسه، إنما يؤكد أنه يرمي من وراء هذه الفتنة إلى لعب دور سياسي رئيسي. ومثل «هذا» في ذلك ليس بدعاً، فله أسلاف كثر في تاريخ المجتمعات الإسلامية والعربية بين طبقة من سموا أنفسهم برجال الدين، علماً بأن الإسلام هو الدين الوحيد في الأرض الذي ليست فيه طبقة من الرجال تحمل هذا الاسم، فلا رهبانية في الإسلام. وأغلب هؤلاء الأسلاف كانوا يسعون إلى السلطة السياسية تحت ستار الإسلام، متجاوزين بذلك دورهم الديني، مع الإلغاء التامّ لكل طبقات المجتمع الأخرى، باستعلاء وعنجهية غريبة. من ينطق باسم الدين ويدرك كل من له قليل بصيرة أنهم في سبيل تحقيق هذه المكاسب السياسية، ولكسب تأييد الناس لهم يتصيدون الأخطاء هنا وهناك، ويمنون الفئات المحرومة بالنعيم، ويغذون النقمة والحقد في نفوس ذوي الحاجة على ولاة الأمر، حتى يصبح السُذّج والبسطاء عجينة ليّنة بين أصابعهم فيشكِّلونهم كيفما أرادوا. وهذا شأن كل معارضة سياسية في الدنيا تطمح إلى الجلوس على عرش السلطة السياسية الشرعية، وهذه هي آليات عملها دائماً. إلا أنه في حالة من يفترض فيه أنه رجل دين، تنحصر مهمته في التوجيه الشرعي فيما يخص سلوك الناس والدعوة بالحسنى لدين الله بين من لا يدينون به، يحركه من موقعه هذا لتتعامل معه السلطة الشرعية باعتباره معارضة سياسية تنازع ولاة الأمر في سلطتهم. هذا هو ما ينبغي أن يقال ويفهم بوضوح. لأن زعم مثل هذه الفئة التي تدعي النطق باسم الإسلام سيؤدي بصورة ميكانيكية إلى تجريد الآخرين من صفتهم كمسلمين، وتعطيهم بالتالي حقوقاً أكثر من غيرهم. فلا «هذا» أو غيره ومن يشايعه هم الإسلام، ولا هو وهم الناطقون باسم الإسلام. فإذا كان هو يمثل تياراً سياسياً مناهضاً ومناقضاً للسلطة الشرعية لولاة الأمر فلم لا يعلن هذا صراحة؟!. وإذا جاز لي أن أختم هذا بانطباع شخصي، فإنني كنت أعلم من قبل أن خطر خلطة السياسي /الديني تحمل في جوفها قنبلة موقوتة ستنفجر قريباً، وقد كتبت قبل ثلاثة عقود مقالاً بعنوان «حتى لا يتحول شبابنا إلى إرهابيين» ولم تكن يومها كلمة إرهابي قد دخلت بعد القاموس السياسي العالمي بهذه الكثافة. خاتمة والآن فإنني أعتقد بأننا في المملكة نملك ولاة أمر وقيادة رشيدة مخلصة أمينة، يقودها باقتدار الملك سلمان بن عبدالعزيز، كما ونملك – ولله الحمد على هذا وذاك – إمكانياتنا جيدة – وأجزم لو أن المسؤولين في أجهزة الدولة أخلصوا في تنفيذ توجهات ولاة الأمر، ولو عملوا جهد طاقتهم في تحقيق طموحاتهم على أرض الواقع فإننا سنكون قد أغلقنا الباب في وجه الفئة التي تقتات على أحلام الناس وطموحاتهم، ويومها لن يجدوا أذناً تصغي إلى التراهات التي يهذون بها، مهما حاولوا أن يتستروا تحت غطاء الإسلام، دين العدل والمساواة والحرية والرحمة، ومهما حاولوا الاصطياد في الماء العكر.
مشاركة :