تحذير الرئيس بوتفليقة من إمكانية انفجار الوضع له ما يبرره في الواقع الجزائري مثل الأزمات المذكورة آنفا، إلى جانب تفاقم البطالة وازدياد نسبة الفقر في الأرياف وفي جيوب المدن.العرب أزراج عمر [نُشر في 2017/09/14، العدد: 10751، ص(9)] في الاجتماع الوزاري الذي ترأسه الأسبوع الماضي، الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة قام بتوجيه تحذير ذي طابع أمني إلى الشعب الجزائري وإلى شتى التيارات السياسية والفاعلين في أجهزة الدولة لتجنب تكرار سيناريو الاقتتال المسلح بين النظام الجزائري وبين الجناح العسكري لجبهة الإنقاذ الإسلامية في نهاية الثمانينات من القرن الماضي وأدى إلى سقوط الآلاف من الضحايا وتدمير الاقتصاد الوطني والمنظومة التعليمية، ما عصف بعدد من الأركان الأساسية للدولة الجزائرية وفي مقدمتها الأمن الوطني، واستقرار منظومة الحكم، وعلاقة الترابط بين المواطنين وبين أجهزة الدولة وممثليها. يمكن قراءة تحذير الرئيس بوتفليقة من عدة زوايا وعلى أساس معطيات مادية لا تزال قائمة في الواقع الاجتماعي والسياسي الجزائري. وفي الواقع فإن تذكير بوتفليقة بالأخطار التي لا تزال تهدد المجتمع الجزائري بعودة الصراعات على الحكم على جانب كبير من الصحة وله أكثر من دلالة ويمكن فهمه من عدة زوايا، خاصة وأن الشروط الداخلية التي يمكن أن يتولد منها انفجار هذا السيناريو مرة أخرى متوفرة في البيئة الجزائرية. ففي هذه البيئة المعبأة بالتناقضات الحادة والمتميزة بالانقسامات الاجتماعية وبالتشظي السياسي لم ينته بعدُ المناخ المنتج لظاهرة العنف والإرهاب، كما أن الأزمة الموروثة عن مختلف مراحل الحكم الجزائري السابقة، لا تزال قائمة حتى الآن رغم ما قيل عن وجود رضا شعبي على الوضع الذي تروج له السلطات الجزائرية وتضخمه وسائل الإعلام حيث نجدها تتحدث عن تحقق خطوات إيجابية في مجال استتباب الأمن في المشهد الجزائري العام وتوعزه إلى النجاح النسبي للمصالحة الوطنية التي نفذها النظام الجزائري بطرق مختلفة، حيث طغى جانب شراء السلم السياسي والأمني والاجتماعي بالأموال على تغليب سياسات علاج المشكلات التي فجرت الأزمة الجزائرية، وفي صدارتها مشكلة الحكم غير الديمقراطي المفروض على الشعب. لا شك أيضا أن ثمة عدة عوامل أخرى ينتظر أن تلعب دورا مفصليا في إعادة إنتاج ثقافة الاقتتال الذي تجاوز كل الحواجز والممنوعات في المجتمع الجزائري خلال فترة الثمانينات من القرن الماضي. في هذا السياق ينبغي التذكير أن الاستقرار النسبي والهش الذي تميزت به الجزائر بعد تنفيذ مشروع المصالحة الوطنية، والذي بموجبه عادت النسبة الكبرى من المسلحين الإسلاميين من الجبال إلى ديارهم وقاموا بنزع أسلحتهم مقابل المال والعفو العام، لا يمكن أن يستمر في ظل تردي الأوضاع الاجتماعية وفي مناخ الفشل في إبداع الحلول العاجلة والملائمة للمشكلات الكبرى التي يعاني منها الشعب الجزائري على مدى سنوات طويلة. ينبغي التوضيح هنا أن النظام الجزائري يعوّل على مجموعة من العوامل الخارجية لتجنب انفجار الأوضاع مجددا بينه من جهة، وبين المواطنين وبعض أحزاب المعارضة الراديكالية من جهة ثانية، وتتمثل هذه العوامل في انتشار النزاعات المسلحة في عدد من الدول بجنوب وشمال أفريقيا وفي المشرق العربي حيث تسبب ذلك في تحريف مسار انتفاضات الشرائح الشعبية، إلى اقتتال قبلي هنا وإثني هناك وطائفي هنالك، وهو الأمر الذي تفاقم جراء تدخل قوى أجنبية مما شوش جوهر المسعى الشعبي لتلك الانتفاضات. فهل يمكن لهذا العامل الذي يعول عليه النظام الجزائري أن يدوم فعلا أم أن الواقع الجزائري المعقد سوف يتمخض عن تمردات نوعية في المدى المنظور؟ هناك في الجزائر عوامل أخرى تتميز بها للأزمة الجزائرية وهي كلها تمثل صندوق بارود قابلا للانفجار في أي لحظة ومن المستحيل أن تحول دون ذلك عوامل خارجية إذا لم تعالج علاجا حقيقيا وعلى ضوء سياسات التوافق والمصالحة ومنها ضرورة فتح نقاش جاد مع كافة أطياف المعارضة والتخلي على أسلوب الإقصاء والتباهي بالغلبة في الانتخابات التي تجرى غالبا بطرق غير شفافة وعادلة، وكذلك إجراء حوار وطني مع الحركة الأمازيغية قصد إيجاد قواسم مشتركة معها لعلاج قضايا التنمية وترقية الثقافة الأمازيغية ولغتها. إن تحذير الرئيس بوتفليقة من إمكانية انفجار الوضع له ما يبرره في الواقع الجزائري مثل الأزمات المذكورة آنفا، إلى جانب تفاقم البطالة وازدياد نسبة الفقر في الأرياف وفي جيوب المدن، فضلا عن انتشار الفساد على مستوى هرم السلطة وفي القاعدة الشعبية، إضافة إلى إفشال مؤسسات الدولة لصالح القطاع الخاص وتكريس الحكم الفردي اللاغي للفعل الديمقراطي. كاتب جزائريأزراج عمر
مشاركة :