لا تصدقوا كل ما يقال عن "الصخري"

  • 8/7/2016
  • 00:00
  • 15
  • 0
  • 0
news-picture

وسائل الإعلام، في غالب الأحوال، تنقل وتنشر الغث والسمين، والمعقول وغير المعقول، والغريب والمريب، وتحرص على اقتفاء منابع الإثارة بصرف النظر عن المضمون. وهي تمارس هذه المهنة بحسن نية، وحتما ليس عليها ذنب في هذا التصرف، وهو جزء من مهمتها ومصدر دخلها. ثم يأتي دورنا نحن المتلقين، فتجد من يصدق ما لا يقبله العقل ولا المنطق، ومن هنا يبدأ دور التشويش على مفاهيم البشر. أتحدث في هذه المقدمة عن خبر غير دقيق ضمن مقال صحافي يبشر بانخفاض كبير في تكلفة إنتاج البترول الصخري في أمريكا، تعدى حدود المعقول. وعلى فكرة، نحن من هواة "الصخري" ونتمنى لو يكون الخبر صحيحا لأسباب ليس هذا مكان شرحها، ولكنه أبعد ما يكون عن ذلك. وهذا يذكرنا بمقولة شعبية، منطوقها، "قالوا: كيف عرفت أنها كذبة؟ قال: من كبرها". فالتصريح الصحافي الذي يقول إنهم توصلوا إلى إنتاج برميل الصخري بتكلفة 2.25 دولار، بصرف النظر عن ما يعنيه هذا الرقم، فيه كم هائل من الغرابة. فهل المقصود تكلفة مرحلة من مراحل الحفر والإنتاج أم كامل العملية؟ وحتى لو افترضنا جدلا أنها غلطة مطبعية وأن المعني معدل التكلفة في حدود 22.5 دولار، فهذا الرقم الفرضي أيضا فيه من المبالغة الشيء الكثير. وما نتوقعه هو إمكانية انخفاض تكلفة الإنتاج في مناطق محدودة ربما في حدود 35 دولارا للبرميل، ولكن ليس تحت العشرة دولارات، كما جاء في الخبر المتداول. ومن شبه المؤكد أن القصد شيء آخر، والإعلام نقله على علاته. الأمر لم يكن ليستحق التعليق وكتابة مقال لولا الاهتمام الكبير الذي لقيه من عدد من المهتمين بهذا الشأن. فمنذ ظهور إنتاج البترول الصخري قبل سنوات قليلة، نتيجة فقط لارتفاع سعر البرميل ووصوله إلى 100 دولار، والمجتمع الدولي يرقبه ويتابع أخباره. وقد لعب الإعلام الأمريكي دورا أساسيا في تضخيم تأثيره في السوق البترولية وفي مستقبل الإنتاج البترولي بوجه عام، وكأنه الوحيد الموجود على الساحة البترولية. مع أنه في واقع الأمر لا يعدو عن كونه مصدرا لا يختلف عن إنتاج أي دولة أخرى، بما في ذلك الإنتاج الكندي من الرمال البترولية الذي كان، في الوقت نفسه، يرتفع بصمت ودون ضجة إعلامية مفتعلة. ومما ساعد على رفع كميات الإنتاج الصخري الأمريكي إلى ما يزيد على أربعة ملايين برميل في اليوم وأحدث انبهارا غير مسبوق في الوسط البترولي، وجود الألوف من أجهزة الحفر والمعدات الثقيلة العاطلة عن العمل وعشرات الآلاف من العمالة المدربة التي كانت تنتظر فرص التوظيف، إلى جانب الخبرة الأمريكية الطويلة في عمليات الحفر والإنتاج، ناهيك عن توافر رأس المال والتسهيلات الحكومية في ما يختص بالأمور البيئية في مناطق الإنتاج. وكان من المعروف لدى المتخصصين أن تكلفة إنتاج الصخري أعلى بكثير من تكاليف إنتاج ما يسمى البترول التقليدي، الذي كان يراوح بوجه عام بين عشرة دولارات للبرميل و40 دولارا. أما تكلفة "الصخري" الأمريكي، وهو الأرخص بين دول العالم التي لديها "صخري"، فقد كان معظمه بين 50 إلى 80 دولارا للبرميل، مع استثناء فئتين، إحداهما تصل تكلفتها إلى 90 دولارا والأخرى 40 دولارا. ولكن انخفاض الأسعار الأخير الذي تسبب في تعطيل أكثر من ثلثي الحفارات ومعداتها المساندة، أدى إلى خفض تكلفة الإنتاج بنسبة كبيرة، وذلك لعدة أسباب، أولها وأهمها نزول تكلفة عقود أجهزة الحفر وانخفاض أجور العمالة، ومن الواضح أن هذا عامل مؤقت. وبعد انسحاب الشركات الخاسرة اتجهت بقية الشركات العاملة إلى المناطق المعروفة لديهم بغزارة الإنتاج، وهي أماكن محدودة. وهناك، دون شك، تحسينات كثيرة طرأت على عمليات الحفر والإنتاج خلال السنوات الماضية وأسهمت في تخفيض التكلفة بنسب مختلفة ساعدت على صمود الإنتاج الصخري الذي لا يزال يفقد سنويا كميات قليلة. ومن المؤكد، أنه لو عاد إنتاج "الصخري" إلى مستوياته السابقة ودخلت بقية الحفارات إلى حيز العمل فسيظل المعدل العام للتكلفة لمعظم الإنتاج، في نظرنا، بين 40 إلى 70 دولارا للبرميل. ولو افترضنا إمكانية تواصل تحسين الأداء في عمليات الحفر والإنتاج، فسيقابله سلبا تأثير النضوب الطبيعي للبترول الصخري. ونود أن نلفت النظر إلى حقيقة قد لا يدركها كثيرون في خضم ما ينقله الإعلام دون تمييز بين المقبول وغير المقبول. فمع التركيز على موضوع انخفاض تكلفة إنتاج البترول الصخري الأمريكي، لا نشاهد قفزات في إعادة الـ 1200 حفار التي تم الاستغناء عن خدماتها خلال السنتين الماضيتين. إذ لو كان صحيحا أن معدل التكلفة الحقيقية للإنتاج قد تدحرج فعلا تدحرجا مستديما تحت الـ40 دولارا، لهبت شركات الإنتاج إلى الميدان كما فعلت قبل بضع سنوات. وإذ لم يفعلوا فاعلم أن الأمر ليس كما يصوره الإعلام من انخفاض ملموس في تكلفة الإنتاج. وقد ذكرنا في أكثر من مقال أن ما ينطبق على إنتاج البترول الصخري الأمريكي من حيث التكلفة، لا يماثله وضع مشابه خارج أمريكا الشمالية. فتكلفة الإنتاج في معظم الأماكن الأخرى سوف تكون ضعف الأمريكي، أو ما يقارب ذلك.  * نقلا عن صحيفة " الاقتصادية "

مشاركة :